سلط الدكتور عمرو خالد، الضوء على واحدة من الظواهر الكونية التي تستدعي التأمل في خلق الله، وهي "الجبال"، ولماذا شبهها الخالق في القرآن الكريم بالسفن.
وفي ثاني حلقات برنامجه "بالحرف الواحد" الذي يربط بين الدين والعلم والحياة كمثلث متكامل، استخدم خالد التفسير اللغوي، لا الديني للآية القرآنية التي شبه الله فيها الجبال بالسفن، "وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ".
إذ قال إن "الجوار" معناها السفن، و"المنشآت" هي المحملة بالبضائع، يعني السفن المحملة بالبضائع، "كالأعلام"، والمقصود بها الجبال.
فما العلاقة إذن بين السفن والجبال؟ يجيب خالد على ذلك مستشهدًا بكل من العالم "توم جاريسون" في كتابه (ocean ography)، من الصفحة 70 إلى 71، والعالم "مايكل الابي" في كتابه (A change in the weather)، في الصفحة رقم 159.
وهذان الكتابان ألفا في عامي 2013 و2014، عن وجه الشبه بين الجبال والسفن، فكلاهما يقول: الجبل يشبه السفينة، لأنه عندما ينزل عليه الثلج في الشتاء ويثقل يصير كالسفينة عندما تتحمل بالبضائع.
فهما يقولان إن الجبال والسفن يتبعان قانون طفو الأشياء الذي توصل إليه أرشميدس، فالجبال تقف على صخور سائلة، جبال الألب مثلاً عندما ينزل عليها الثلج تنضغط لأسفل مثل السفينة عندما يتم وضع حمولة عليها فتغطس أكثر في المياه، وعندما يذوب الثلج يعود الجبل لوضعه الطبيعي، لأن الثقل الذي كان يشكله الجليد انتهى، كما هو حال السفينة حينما يتم تفريغ حمولتها فترجع ترتفع وتطفو لأعلى.
وأورد خالد نص كلامهما على النحو التالي:
ماذا يحدث للجبال عندما تتراكم الكتل الجليدية على قممها؟ الإجابة: يحدث لها إزاحة في الاتجاه الأسفل (باتجاه الأرض) تمامًا مثلما يحدث إزاحة للسفينة في الاتجاه الأسفل (اتجاه الماء) استجابة لتحميلها بحمولة في ظاهرة تسمى التوازن الايزو ستاتيكي.
ماذا يحدث للجبال عندما تذوب الكتل الجليدية من على قممها؟ الإجابة: يحدث لها إزاحة في الاتجاه الأعلى تمامًا مثلما يحدث إزاحة للسفينة في الاتجاه الأعلى استجابة لتخفيض حمولتها.
وقال إن رد الفعل هذا يأتي استجابة للتغيير في ثقل الوزن، مثل السفينة يكمن في أن الصخور التحتية للجبال هي في صورة شبه سائلة.
وفي تفسيره لماذا استخدم العلم الحديث مثل السفينة؟، أشار خالد إلى أنه لم يجد أفضل منه للتشبيه، وهو نفس كلام القرآن "وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ".
وأورد خالد مثالاً آخر، وهي لوحة فنية لرسام عالمي مشهور اسمه ابراهام بلومارت قام برسمها في القرن الماضي، وهي عبارة عن جبال تجري كالسحاب، ومازالت موجودة في متحف Metropolitan بنيويورك.
والدكتورة كارولين فاولر، أستاذة الهندسة المعمارية بجامعة برينستون علقت على هذا العمل الفني في بحث نشرته المجلة العلمية الشهيرة "ثرشولدز"، العدد 39 سنة 2011، الصفحة من 54 إلى 60، تحت عنوان: "الجبال الثابتة تتحرك كالسحاب".
وتقول في بحثها: "نيوتن ظل يشرح مئات المعادلات عن القصور الذاتي أن ماتراه ثابتًا هو متحرك وإن ما نعتقده ثابتًا هو جزء من كل متحرك يعني بالتقريب: إن الأشياء تولد متحركة بالفطرة".
لكنها تقول إن "هذا الفنان ذكي جدًا شرحها من خلال رسم يظهر الجبال تتحرك كالسحاب، فالناس فهمت بالفن وليس بالعلم"، وهذا يثبت علاقة الفن والعلم.
وقالت: كوّن هذا الفنان يرسم لوحة فنية للأفاق قاصدًا أن يقول إن الجبال تتحرك كالسحاب فهذا يعنى أن هذا الفنان على دراية كاملة بكيفية نشأة الكون وأنه قد نشأ على مبدأ القصور الذاتي، والقصور الذاتي هو المبدأ الذى قام على أساسه علم الفيزياء الحديثة الذى أسس له جاليليو ونيوتن بعد عشرات القرون من نزول القرآن.
فيما علق خالد مستشهدًا بقول الله القرآن "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ"، ليؤكد أن هذا كلام الله قبل أن يولد نيوتن نفسه أو جاليليو مؤسس علم الفيزياء الحديثة.
وقال إن معنى "صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ"، أي قانون ثابت، وهو أن طريقة ربنا في الخلق هو أن كله يتحرك في الكون، وليست الجبال فقط، وهو نفس كلام نيوتن: "الأشياء تولد متحركة بالفطرة".
ودعا خالد، إلى قراءة القرآن بيقين أكثر وتأمل أكثر وتبحث عن العلم أكثر، فيما حث غير المؤمنين على البحث في العلم، ومن ثم قراءة القرآن.. "وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ"، "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
فقد خلص إلى أن الأدلة التي يستخدمها الملحدون كدليل على عدم وجود الله هي نفسها الأدلة على وجوده سبحانه، مشددًا على أن الأمر يحتاج فقط إلى تأمل صادق من القلب لترى النور لترى الحقيقة: "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"، فالتأمل ضرورة للعلم والدين والحياة.
أرسل تعليقك