تتلقى المحاكم العراقية باستمرار الكثير من دعاوى التهديد والابتزاز الإلكتروني، فيما تشير الوقائع القضائية إلى أن أغلب الضحايا فتيات جرى الحصول على صورهن الشخصية باستدراجهن أو اختراق حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، ويضع المشرع العراقي عقوبات لمرتكبي هذه الجرائم مع دعوات لتشديدها عبر المنافذ التشريعية لتكون أكثر ردعًا.
ويكشف قاضي التحقيق محمد سلمان في حديث مع صحيفة "القضاء" الصادرة عن المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى، أن "حالات الابتزاز الإلكتروني في تصاعد, وبدأت تأخذ معدلات ليست بالقليلة ودوافعها بحسب ما معروض أمام القضاء العراقي عديدة منها يحمل أسبابًا مادية وأخرى عاطفية".
وأضاف أن "الجاني وهو في الغالب متمكن من الجوانب الإلكترونية يقوم بإكراه ضحيته على دفع مبالغ مالية أو تقديم تنازلات معنوية, لقاء عدم نشر معلومات أو صور تحصل عليها باستخدام إمكانياته في اختراق المواقع الإلكترونية والحصول على معلومات الحسابات".
وأشار سلمان إلى أن "الجميع بات يعرف بإمكانية اختراق مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك الهواتف الذكية والوصول إلى البيانات الشخصية كالصور والمقاطع ", وأورد أن "البعض يستدرج الضحية للحصول على تلك البيانات من خلال علاقات عاطفية ومن ثم تبدأ عملية الابتزاز".
وأكد أن "قانون العقوبات العراقي رقم "111" لعام 1969 عقوبة لجرائم التشهير، لكنه دعا إلى تشديدها كونها أخذت نطاقًا أوسع من خلال استغلال مواقع التواصل الاجتماعي", مشيرًا إلى أن "الجناة وفقًا لما معروض أمام القضاء العراقي ليسوا محليين من الداخل فحسب، بل هناك آخرون من جنسيات أخرى ومن دول مختلفة".
ونوّه قاضي التحقيق إلى أن "بعض حالات الابتزاز طالت شخصيات عامة على مختلف الأصعدة، من خلال تهديدهم بكشف أسرارهم الشخصية الموجودة على حساباتهم الإلكترونية أو أجهزة اتصالاتهم بغية الحصول على منافع مالية", وشدد سلمان على أن "التهديد جريمة يعاقب عليها القانون، وأن الإجراءات تتخذ بحق الجاني بغض النظر عن تحقق ما هدد به ضحيته".
وترى باحثة اجتماعية أن "ظاهرة جرائم الابتزاز عبر مواقع الانترنت بدأت تأخذ منحى خطيرًا"، وحذرت من "تهديد تلك الجرائم للنسيج الأسري في نطاق العائلة الواحدة أو المجتمع بكامله", وتقول الباحثة وئام مصطفى إن "أغلب الجرائم ومن خلال ما معروض أمامنا تطال النساء بالدرجة الأساس وينتج عنها انفصال بين الأزواج إمام محاكم الأحوال الشخصية".
وأضافت أن "الكثير من الفتيات ومن خلال عملنا يتبين أن لديهن خشية من تقديم شكوى لدى المحاكم عن جريمة الابتزاز خوفًا من نظرة المجتمع إليها", ولفتت الباحثة إلى "ازدياد مواقع التواصل الاجتماعي وغياب الرقابة العائلية عن سلوكيات بعض الشباب".
ودعت مصطفى "الجهات ذات العلاقة لاسيما الجهات المسؤولة عن الوعي الثقافي والتربوي لشرح خطورة هذه الحالات وأن يحصن الجميع نفسه على مختلف الأصعدة من جميع أشكال الخروق الإلكترونية"، علمًا أن القضاء قد كشف في وقت سابق عن إصدار مذكرات قبض بحق متهمين عراقيين ومن جنسيات أخرى يبتزون فتيات لقاء الحصول على مبالغ مالية, ومن جانبه أكد قاضي التحقيق حسين مبدر حدّاوي أن "موقع "فيسبوك" أحد أكثر وسائل التواصل شعبية في البلاد ما جعله في طليعة البرامج التي ترتكب بواسطتها جرائم التهديد والابتزاز".
وأورد حداوي أمثلة كثيرة لصور الابتزاز عبر التواصل الالكتروني, ويضيف أن "من صور هذه الجرائم انتحال شخصية بحساب مزيف أو عبر "تهكير" حساب آخر والدخول إلى قائمة أصدقائه وطلب مبالغ مالية وأرصدة هواتف، وهذه جريمة يحاسب عليها القانون بتهمة الاستحواذ على مال الغير", وتابع حدّاوي أن "الجرائم التي ترتكب عبر مواقع التواصل إما تكون احتيالية أو عبر باب التهديد أو تكيف على التشهير وتشويه السمعة"، لافتًا إلى أن "الطمع في كسب الأموال في مقدمة الدوافع لهذه الجرائم".
وأفاد قاضي التحقيق أن "الفتيات في الغالب يقع ضحية لهذه الجرائم لاسيما ممن كانت لهن علاقة تواصل الكتروني مع شبان"، وأشار إلى "حالات عديدة وقعت فيها الفتيات في ورطة بعد انتهاء علاقاتهن مع الشبان لأن صورهن الشخصية أصبحت مهددة بالنشر، فتضطر أغلب الفتيات إلى التنازل عن أشياء كثيرة خشية من الفضيحة".
وأوضح حداوي أن "قليلًا من هذه الدعاوى تصل إلى القضاء على الرغم من كثرتها وشيوعها في الشارع العراقي، لأنها مسائل تتعلق بالشرف والسمعة لاسيما إذا ما تعلق الأمر بنساء، إذ تضطر أغلب النساء أو ذووهن إلى حل الخلاف خارج أسوار المحاكم وبسرية تامة".
وتطال جرائم الابتزاز الإلكتروني أيضاً المترفين والشخصيات المعروفة بدافع التحصيل المالي، وعن ذلك يقول حداوي إن "المحتالين غالبًا يستخدمون هنا برنامج تعديل صور أو ما يسمى بالفوتوشوب لغرض تركيب وجوه الضحايا على مشاهد فاضحة", وعن إجراءات المحاكم ووسائل إثبات هذه الجرائم، أشار قاضي التحقيق إلى أن "المحكمة تنظر إلى كل واقعة بحسب وصفها القانوني فقد تكون الجريمة الإلكترونية التي ارتكبت جريمة نصب واحتيال أو قد تكون جريمة تهديد أو تشهير، وكل من الجرائم لها عقوبتها بحسب قانون العقوبات العراقي النافذ"، لكنه أقر بـ"صعوبة تكتنف إثبات الجريمة بسبب سهولة عمل حساب "فيسبوك" وإمكانية عمل حساب وهمي".
أرسل تعليقك