ياسر عبد اللطيف يقدم إحدى قصائده الرائعة
آخر تحديث GMT07:19:34
 العرب اليوم -

ياسر عبد اللطيف يقدم إحدى قصائده الرائعة

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - ياسر عبد اللطيف يقدم إحدى قصائده الرائعة

قصيدة ياسر عبد اللطيف
القاهرة ـ العرب اليوم

في قصر صغير أبيض، وفي الطابق الثاني، قاعة طعام دبلوماسية ترى البحر من نافذة عريضة. والسماء زرقاء صافية تحتها البحر بزرقة أعمق، ولا أثر للشارع وضجيجة يبدو من خلف الزجاج المحكم. والموج يتكسَّر في البعيد بقاع من الأبيض تُرقِّش الزرقة لثوان صامتة ثم تذوب فيها.

أنا في غداء تكريم دُفعة مدرسة الترجمة مع سبع فتيات، والمضيف شيخ فرنسي يتحدث العربية بلهجة أهل دمشق ويقول إنه بدوره مترجم وسيعمل في التو علي ترجمة الرواية الأكثر رواجًا في الشرق الأوسط، وأخذ يثني علي المدينة التي كانت في أحد أطوارها عاصمة للمذهب الأبيقوري الذي ينتمي إليه بالروح والجسد.

لاحظت أن الفتيات، وبعضهن من بنات جلدته يخاطبنه بـ يا خالتي، فقلت لنفسي، أنا الرواقي بالسليقة، ما أطيب حضورهن ولو كسياج يحول بيني وبين ثرثرته الثقيلة.

وجلست صامتًا أرقب التفاصيل والاستدارات وغرقت في خطط مستقبلية، حتي جاء الخادم بالطعام: أرز أبيض شاهق البياض وملوخية خضراء تفور بزبد فاتح فوق سطحها الداكن صنعها  في غير إتقان طاه مستشرق من صفحتها برز رأس أرنب مسلوخ جوهرتا عينيه في محجريهما تتطلعان عبر النافذة إلي الضفاف البعيدة.

زيارةٌ أخري إلي بُرج السراب
تقطنُ في الطابق الثاني عشر
وتقطنُ هناك أيضًا
أصابعُها الحكيمة المنسابة
وشعرها الرمادي
وأعوامها الستون.
للبرج ستة مصاعد
ثلاثة علي يمين البهو
ورخام الأرضية كسنّ الفيل
يشعّ رطوبةً
فيذوي ضوءُ النهار عليه
حتي تبتلع الظلالُ
وقعَ أقدامٍ تتسحَّب
وثلاثة علي اليسار.
 
بالمِرصاد بوّابون
يجعلُ من بين أيديهم سدًا
ومن خلفهم سدًا
وينسلُّ داخلًا
بأعوامِه الثمانية والعشرين
كلّ مرة مصعد
مختلف
في أي الجناحين لا يهم
فالبسطتان في الطوابق تلتقيان
وكلاها يقود إلي المآل.
يرتقي صندوقُ الخشب والزجاج
نفقَه الرأسي
وما من ضوء في آخره سواها
وكلما تقدم المصعد طابقًا
غاص في طيات ظلام لحيم.
الرحلة تتكرر في عودٍ أبدي
التسلل غيابٌ
والارتقاء
وهي الليل في استطالته.
لا يتذكر بابًا ينفتح
ولا ستائر تُرخي أو تنسدل.
تُجلِسه علي مقعد صغير
وتفيضُ عزائم وتعاويذ
تفتح كوّات في الظلام
فيتعدد
كأصفار تنقسم.
مساحة خضراء
 واقفان في شرفتها العالية
نُطلّ علي المتنزّه. تقول:
لا طيورَ تحلق في سماء هذه المدينة
لكنّها فوق ذي الحدائق تجد مجالًا للنَفَسِ.
أشجارها الكثيفة تقوِّض كهرباء البنايات
فترِفُّ أجنحتها في هواء طري
انظر!
نري عصافير صفراء
ويمامًا يهدل، يحطّ بجوار برك نائمة
تلتمع الشمسُ علي أسطحها
وتنطفئ علي أوراق اللوتس العريضه.
أقول:
مخطئةٌ أنتِ
فخارج حدود سماء الحديقة
حِدآن ورخمات
تحلّقُ فوق المدينة بأسرها
وفي أعالٍ شاهقة
لتُفلتَ من التيارات المشحونة
والأزيز المُمغنط للغوِنا.
انظري!
تحوّم سوداءَ وهائلة
ولا جثة نافقة في الأفق
إلا المدينة نفسها.
لكنّها طيور أيضًا يا عزيزتي
وإن أكلت الجيف.
موهبة
الأغاني التي صغتها عبر السنين
من نثار كلمات حائرة
تطنّ في أذنيّ قبل النوم
كالعمل الرديء.
تلحُّ
في هذيان الحمي
فترجح كفة غثاثتها
أمام كفة الحياة
في ميزان الحرارة.
 
أغان مثقوبة
لا شيء وراءها
سوي طهو الكلمات
في عجين لغوي
يلتمس ألحانًا ضالة.
 
إيقاع ينفجر
خلف كلّ كلمة
ليُبطِلَ فعلها
كزرّ ينقرُ عصب المعني
في سديم جهاز معطل
فيزداد العطل كثافةً.
 
وكل إيقاع ينفجر عيدٌ
بأضحيات فوق محارقها
ونساء يغرقن في نهر
وفلاحين يقطعون صخرًا
في محجر
تحت شمس تبث دفأها
لأُناس علي الجهة الأخري من اليوم
يحتفلون بعيد آخر.
 
وبعد كل انفجار
تهمد حزمة من العُصاب
وتنصرف الأسنان عن صريفها
ويسترخي الفكُ علي الفك
ِفتسقط كلمةٌ علي الأرض
كُريةً مدماة
تُفسح الطريق لانفجار التالية
 
بعد اختمارها.
جئناك بالهُراء
أيها العالم يا حُبي!

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ياسر عبد اللطيف يقدم إحدى قصائده الرائعة ياسر عبد اللطيف يقدم إحدى قصائده الرائعة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 07:11 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يُسلّم «اليونيفيل» 7 لبنانيين كان يحتجزهم
 العرب اليوم - الجيش الإسرائيلي يُسلّم «اليونيفيل» 7 لبنانيين كان يحتجزهم

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab