لندن ـ سليم كرم
قدّمت إسرائيل شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، بشأن تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عن "الهولوكوست"، ووجهت إليه اتهامات بالعداء للسامية، وإنكار المحرقة النازية لليهود، وذلك وسط حملة تحريض غير مسبوقة داخل الإعلام العبري والأوساط السياسية.
وتوجّه سفير إسرائيل الدائم في الأمم المتحدة، داني دانون، بشكوى مساء الأربعاء، إلى مجلس الأمن، مطالبًا بـ"إدانة" ما اعتبره "تعليقات معادية للسامية من قبل الرئيس الفلسطيني؛ ولذلك ينبغي ألا يقف المجلس مكتوف الأيدي إزاءها... لأنها تنطوي على إنكار حق إسرائيل في الوجود"، كما ادعى في رسالته أن "مثل هذا الخطاب البغيض ضد شعب خضع لآلاف السنين من الاضطهاد الذي لا يُطاق، غير مقبول على الإطلاق"، ودعا "جميع القادة إلى إدانة هذه الملاحظات البغيضة المتكررة، والمطالبة باعتذار كامل ومخلص من عباس".
وكان عباس قد تحدث في كلمته خلال افتتاح المجلس الوطني في رام الله عن "الهولوكوست"، وقال إن "اليهود الذي انتقلوا إلى أوروبا الشرقية والغربية كانوا يتعرضون كل 10 أو 15 عامًا لمذبحة من دولة ما، وذلك منذ القرن الحادي عشر حتى حدوث (الهولوكوست). فلماذا كانت تحصل هذه المذابح؟ هم يقولون لأننا يهود، وأنا أريد استحضار ثلاثة يهود، ومنهم جوزيف ستالين، وأبراهام وإسحاق نوتشرد، الذين يقولون: إن الكراهية لليهود ليست بسبب دينهم، بل بسبب وظيفتهم الاجتماعية".
وزعم السفير الإسرائيلي أن ما جاء في خطاب عباس "محاولة خطيرة لإعادة كتابة التاريخ، وادعاء أن الحركة الصهيونية كانت نتيجة لمؤامرة أوروبية"، مشددًا على أن "لتحقيق تقدم حقيقي نحو السلام في منطقتنا، سيحتاج الفلسطينيون إلى قادة ملتزمين بتعزيز الأمل والسعي إلى مستقبل أفضل"، كما انتقد بعض قادة اليمين الحاكم، وقادة أحزاب الوسط، والصحافة الرئيس عباس على هذه التصريحات، موضحين أنه يقوم بتشويه الحقائق.
في المقابل، قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، إن "تصريحات الرئيس عباس الأخيرة حول المحرقة تعرضت للتحريف"؛ لأنه كان ينقل آراء بعض المؤرخين، وأضاف مدافعًا عن عباس في وجه هجوم إسرائيلي - أميركي شديد وانتقادات أوروبية، إن "الرئيس لم ينف المذابح التي تعرض لها اليهود، بما فيها المحرقة، وهو يؤمن بالسلام والمفاوضات، وبإقامة دولتين تعيشان بسلام وأمن وحسن جوار، حسب رؤيته للسلام التي طرحها أمام مجلس الأمن في فبراير (شباط) الماضي"، مشددًا على أن الرئيس محمود عباس "أكد مرارًا احترامه للديانة اليهودية، ومشكلتنا مع من يحتل أرضنا".
وتواصلت الخميس الانتقادات ضد الرئيس عباس، حيث هاجمه مارفين هير، وأبراهام كوبر، من مركز "سايمون فيزنتال" المعني بحقوق اليهود، الذي يوجد مقره في الولايات المتحدة، وقالا في بيان، إن كلمة عباس في رام الله "نموذج لفكر شخص معادٍ للسامية"، كما انتقد نيكولاي ملادينوف، مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط، تصريحات عباس وقال: إنها "مزعجة جدًا، وعلى الزعماء الالتزام بمواجهة معاداة السامية دائمًا وفي كل مكان، لا الترويج لنظريات المؤامرة التي تؤججها".
في حين أكّد الاتحاد الأوروبي، أن تصريحات عباس "غير مقبولة"، كما رفضها وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، قائلًا: إن ألمانيا لا تقبل أي تشكيك، أما في بريطانيا، فقد قال وزير الدولة بوزارة الخارجية البريطانية، إن تصريحات عباس بشأن المحرقة "مقلقة بشدة"
ردت حركة فتح على المنتقدين برفضها قبول تهمة اللاسامية ضد عباس، قائلة: إن التهمة "لا تعبّر عن أخلاقيتها وثقافة مؤيديها وقيادتها"، مشددة على أن رفضها نابع من "صميم برنامجها وفلسفتها السياسية"، كما قال جمال نزال، المتحدث باسم حركة فتح: "إن جمهور حركة فتح والمستمعين لخطاب الرئيس يعون تمامًا أن الخطاب دعوة للتسامح ورفض استغلال الدين لإشعال النزاع، وحسب فهمنا، قد جاءت أقوال الرئيس في إطار سعيه الدائم لدحض التبريرات الدينية للنزاع دحضًا، يلبي ضرورات قطع الطريق على إساءة استخدام الدين لأجل النزاع، أو تعميقه بتبريرات دينية لا تشكّل منطلقًا لفكرة حركتنا القائمة على الاستقلال، ورفض العنصرية والبغضاء".
كما دعت "فتح" إلى ترجمة خطاب الرئيس "ترجمة منصفة ومهنية غير صادرة عن إسرائيل، التي يدعو قادتها ليل نهار لقتل مدنينا العزل، ويصفون شعبنا أوصافًا نابعة من رؤية وممارسات عنصرية قوامها التحريض"، كما اتهمت الحركة إسرائيل بتعمد الخلط بين ما قاله الرئيس كاقتباسات لمؤلفين معروفين وما قاله على لسانه.
أرسل تعليقك