واشنطن ـ يوسف مكي
يعاني جهاز الاستخبارات الأميركية "سي أي ايه" من اتهامات كبيرة حول التحيز لصالح المرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون، وذلك على خلفية محاولاتها منع نشر مذكرات قد تطيح بفرصتها في الوصول إلى البيت الأبيض
وأضافت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أن المذكرات الممنوعة من النشر تروي قصة أحد المتعاقدين مع جهاز الاستخبارات الأميركية ، ويدعى رايموند ديفيز، والذي سجن في باكستان في عام 2011، إثر قيامه بإطلاق النار على رجلين دفاعا عن نفسه، حتى تم إطلاق سراحه مؤخرا في صفقة أثارت الجدل كثيرا، ويقول كاتبا الكتاب أن جهاز الاستخبارات الأميركي قام بمصادرة الكاتب لعدة أشهر، حيث طالب بتنقيح أجزاء كبيرة للغاية منه، كما قرر كذلك تأجيل نشره من سبتمبر/أيلول 2016، ليصبح في مارس/آذار 2017، ويرى الكاتبان، وهما ديفيس وأخر يدعى ستورمز ريباك، أن كتابهما يسلّط الضوء على واقعة لا تقل فداحة عن حادث بني غازي، والذي قتل على أثره السفير الأميركي في ليبيا في سبتمبر/أيلول 2011، وبالتالي سوف يكون حجر عثرة في طريق المرشحة الديمقراطية، وهو الأمر الذي يفسر سعي جهاز الاستخبارات الأميركية لتأجيل نشره، حتى بعد نهاية الانتخابات الرئاسية المقبلة والمقررة خلال أسابيع.
ولا تقتصر الاتهامات على جهاز الاستخبارات الأميركية، ولكنها تمتد إلى وزارة الخارجية، حيث أنها قامت بحجب مقابلتين حول الكتاب، ونقلت الصحيفة عن السيد ريباك قوله بأن شريكه في كتابة هذا الكتاب، وبطل القصة المذكوره ديفيز ليس لديه أي ثقة في السيدة كلينتون حال وصولها إلى رئاسة الولايات المتحدة، حيث يرى أنها تخلت عنه تماما إبان وجوده في السجون الباكستانية، في الوقت الذي كانت تشغل فيه منصب وزير خارجية الولايات المتحدة، وأضاف: "لو أن خطط الجيش الأميركي في قتل الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن كانت قد فشلت في تحقيق هدفها، ربما لم يكن قد أفرج عنه حتى الان، وربما كان يواجه مصيرا أسوأ وهو الموت".
وأوضح ريباك أنه وديفيز يعتقدان أن إقدام جهاز الاستخبارات الأميركية على منع نشر الكتاب أو تأجيله يحمل أهدافا سياسية، موضحا أنه "يبدو وكأنه هناك أمر ما يدور خلف الكواليس، حيث كان من المفترض أن يخرج هذا الكتاب إلى النور في الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر، إلا أن الاستخبارات الأميركية تدخلت لتؤجل العملية برمتها، وأضاف "لقد انتهينا من كتابة المسودة منذ عدة أشهر، إلا أنهم أمروا بتنقيحها، وعندما استجبنا لطلبهم لم تعجبهم التغييرات، ليقوموا بعد ذلك بتأجيل النشر عدة مرات لينتهي الأمر بنشره في مارس 2017"، مشيرًا إلى أن ديفيز يعتقد أن "المخابرات الأميركية لا تريد نشر الكتاب قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية، والتي تخوضها هيلاري كلينتون عن الحزب الديمقراطي في نوفمبر المقبل، حتى لا يكون لتلك المذكرات تأثيرا عن نتائجها، ربما تكون حادثة ديفيز لا تتشابه مع مقتل السفير الأميركي في ليبيا، إلا أنه يمكننا أن نعتبرها صورة مصغرة منها".
وأضاف ريباك: "في ذلك الوقت كانت هيلاري كلينتون تشغل منصب وزير الخارجية الأميركية ، وبالتالي كان أي قرار يخص الشأن الخارجي لا يمر إلا من خلالها، وهي الأمور التي ينبغي أن توضع تحت المجهر في المرحلة الراهنة"، ديفيس كان يعمل لصالح المخابرات الأميركية في مدينة لاهور الباكستانية، حيث كان دوره هو توفير الحماية للعملاء والشخصيات السياسية الأميركية ، حتى نصب له كمين من قبل رجلين، يعتقد أنهما لصوص، في يناير 2011، وعندما قام أحد الرجلين برفع سلاحه عليه، فتح ديفيز النار عليهما، مما أدى إلى مقتلهما، الأمر الذي أدى إلى سجنه، مما أثار جدلا دبلوماسيا، حيث كان من المفترض أن تتم معاملته كدبلوماسي يعمل في القنصلية الأميركية ، إلا أن الجانب الباكستاني أصر على تقديمه للمحاكمة وهو ما حدث بالفعل
واجتاحت حالة من الغضب الشوارع الباكستانية، وخرج الألاف مطالبين باعدامه، واصفين إياه بالجاسوس الذي يعمل لصالح الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي دفع السلطات الباكستانية إلى وضعه في أحد السجون الشديدة الحراسة خوفا على حياته، وقال ريباك إن السلطات الباكستانية قامت بإخلاء أحد أجنحة السجن بالكامل من أجل ديفيز، حيث أوضح له مدير السجن أن السلطات أقدمت على القيام بذلك خوفا على حياته، ولكن يبقى التساؤل الذي يطرحه الرجل حول الأسباب التي منعت الولايات المتحدة من التدخل لإنقاذه، وبالرغم مما قيل حول حمايته من قبل السلطات الباكستانية، إلا أنه كان يشعر أنه معرض للانتهاكات في أي لحظة، هكذا يقول ريباك، بل وأنه كان يشعر في الكثير من الأوقات أن حياته في خطر، وفي احدى الليالي، كان هناك 3 حراس معه في الزنزانة، إلا أن إثنان منهم تركاه، في حين أن الثالث بقى معه وأخرج سلاحه، فظن ديفيز أنه سوف يطلق عليه النار، إلا أن عوده الحارسان الأخران مرة أخرى، دفعته لإرجاع سلاحه مرة أخرى.
وأفاد ريباك "كان هناك شعور دائم لديه بأنه سوف يترك لمصيره، وبالتالي لن يخرج أبدا من السجن، وهو الأمر الذي كان يسبب له الكثير من الإحباط، الحكومة الأميركية في بعض الأحيان تضع المتعاقدين الأمنيين تحت مظلة بعثتها العسكرية، في حين أنها في أحيان أخرى تتخلى عنهم ولا تعتبرهم جزءا من بعثتها، ولذلك فإن ديفيز لم يكن يعرف كيف سوف تتعامل الولايات المتحدة مع قضيته"، موضحًا أنه لم يتعرض للضرب داخل الزنزانة، وإذا سئل حول ما إذا كان قد تعرض للتعذيب هناك سوف يجيب بـ"لا"، إلا أنه إذا ما نظرنا للمعنى القانوني للتعذيب فسوف نجد أنه بالفعل تعرض لذلك، لقد عاني الرجل من الكثير من الأشياء التي ربما ينظر إليها على أنها تافهة، ولكنها تمثل أشكال من التعذيب النفسي، بحسب ريباك، منها أن الأضواء كانت مسلطة على زنزانته معظم الوقت، وكانت أصوات الموسيقى العالية لا تنقطع وهي الأمور التي كان من شأنها حرمانه من النوم، بالإضافة إلى سلب الكثير من ممتلكاته من قبل الحراس، وبعد حوالي شهرين، تم إطلاق سراح الضابط الأميركي السابق، وذلك بعد أن تم دفع ديه لعائلات القتلى، تبلغ حوالي 2.4 مليون دولار، وعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية أنكرت تماما أنها قامت بدفع أي مبالغ على سبيل التعويض، إلا أنه من المعتقد على نطاق واسع قيام الحكومة الباكستانية بدفع المبلغ، لتسدده بعد ذلك الولايات المتحدة.
وأعلن ريباك أنه عندما وصل ديفيز إلى المحكمة ليحاكم بتهمة القتل، أدرك أن الجهود الدبلوماسية للإفراج عنه فشلت تماما، وأنه سوف يواجه حكما إما بالإعدام أو بالبقاء في السجن طيلة حياته، إلا أن الأمر تغير فجأة، حيث تحول نظام المحكمة من الشكل العادي إلى اللجوء إلى الشريعة الإسلامية ليتم إطلاق سراحه مقابل دفع الدية، فربما كانت لحظات درامية في حياته، هكذا يقول الكاتب الأميركي، تلك التي شعر فيها أنه يقترب من الموت، ثم يتم الإفراج عنه، أما ديفيز وزملاؤه، الذين عملوا معه في القنصلية لم يعرفوا ماذا حدث، حيث أن الأمر ربما جاء من قبل قيادات عسكرية عالية ساهمت في إنهاء الأزمة بهذه الصورة.
وعندما سئل ديفيز عن رأيه في الصفقة، أعرب عن رفضه تماما لدفع أي مبلغ مالي مقابل الإفراج عنه، حيث أكد أنه لم يفعل أي شيء يستحق أن يدفع عنه مثل هذا المبلغ، ولكن بالرغم من معارضته الشديدة لذلك، لم يكن هناك سبيلا أخر للحرية سوى اتخاذ هذا المسلك.
ويصف الكتاب كيف أن ديفيس تلقى اتصالا هاتفيا من قبل وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون لتهنئته بإطلاق سراحه من السجون الباكستانية، إلا أن موقف كلينتون لم يكن معروفا حتى بداية هذا العام، عندما تحدث ديفيز مع وزير الدفاع الأميركي السابق ليون بانيتا، والذي كان يشغل في تلك الفترة منصب رئيس جهاز الاستخبارات الأميركي، حيث أوضح له أن وزارة الخارجية الأميركية كانت تدرس التبرؤ منه، والتخلي عنه، التزامن بين سجن ديفيز والغارة الأميركية على الأراضي الباكستانية لاستهداف أسامة بن لادن ربما ساهمت بصورة كبيرة في زيادة الأمر تعقيدا حيث أنه توقع أن إعدامه أصبح بمثابة أمرا لا مفر منه خاصة وأن الغارة الأميركية نفذت دون الحصول على إذن من السلطات الباكستانية، لقاء ديفيز ببانيتا ساهم في تغيير رؤيته حول الحادث، بحسب ريباك، حيث أنه ألقى الضوء على الأحداث التي تمت خلف الكواليس والتي جعلت الصورة ربما أكثر وضوحا عما كانت عليه من قبل، حيث أنه أدرك أنه كانت هناك نية لدى وزارة الخارجية الأميركية بالتخلي عنه.
وكان حديث ديفيز مع كلينتون عبر الهاتف بعد عودته إلى بلاده، زاخرا بمشاعر الامتنان، إلا أن الأمر تغير تماما بعد لقاءه بوزير الدفاع الأميركي السابق، حيث شعر أنها كانت تنوي التخلي عنه وتتركه ليقضي حياته كلها خلف أسوار السجن في باكستان، لولا المتغيرات التي ترتبت على مقتل زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، ويرى ديفيز أن الرصيد الذي تمتلكه هيلاري لا يؤهلها للفوز بثقة الأميركيين لقيادة البلاد، وخاصة الجيش الأميركي، موضحا أنه ليس من مؤيديها خاصة أنها ليست مؤهلة لكي تكون قائدا للقوات المسلحة الأميركية على الإطلاق.
أرسل تعليقك