غزة ـ كمال اليازجي
يتسارع خفقان قلوب ملايين الفلسطينيين مع اقتراب ساعة الصفر لانطلاق “مسيرة العودة الكبرى” اليوم، بعد صلاة الجمعة، ذلك أنهم، وعلى امتداد أماكن وجودهم، خصوصًا في قطاع غزة، يشعرون بشيء من الخوف وكثير من الغضب، في مرحلة حساسة بعد 70 عامًا من تاريخ الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وتهجيرهم قسرًا من منازلهم وديارهم، فبعضهم يعتقد أن هذه اللحظة مواتية جدًا للعودة إلى أراضيهم في قراهم المُدمَّرة على يد العصابات الصهيونية عام 1948، خصوصًا القرى القريبة من قطاع غزة، لكن كثيرين يرون وجوب التريث قبل الإقدام على خطوة كبيرة وخطرة من قبيل العودة إلى حيث وُلد أباؤهم وأجدادهم، وتركوا، مرغمين تحت النار، منازلهم ومقتنياتهم وذكرياتهم وأحلامهم.
وترى “الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة الكبرى” أن أمامها تحدّيَين في غاية الأهمية لإنجاح “الفكرة” في وقت لاحق، ربما في منتصف أيار (مايو) المقبل مع حلول الذكرى السبعين لنكبة فلسطين وتشريد نحو 700 ألف من شعبها، وتعتبر اللجنة أن التحدي الأول يتمثل في أن تكون المسيرات، التي تنطلق من كل أماكن تجمع اللاجئين في سورية ولبنان والضفة الغربية المحتلة ومدن القطاع ومخيماته كافة، سلمية تمامًا وبعيدة كليًا من العنف، أما التحدي الثاني، فيتمثل في قدرة المنظمين على الحيلولة دون اجتياز السياج الحدودي مع إسرائيل، على الأقل هذه المرة في ذكرى “يوم الأرض”، وإتاحته في أيار أو غيره من المواعيد المهمة والمأساوية على الأجندة الفلسطينية.
وحرصت الفصائل كافة على تأكيد سلمية المسيرة وعدم اجتياز الحدود، منذ إعلان تنظيمها قبل أسابيع، خصوصًا حركة “حماس” التي توعد الجنرال السابق وزير الإسكان الإسرائيلي الحالي يوأف غالنت باغتيال رئيسها في غزة يحيى السنوار، ومع ذلك، أصرّت الحركة وبقية الفصائل الوطنية والإسلامية على المضي قدمًا في تنظيم المسيرة، وتحدّي إسرائيل والتسبب في صداع دائم لها، حيث باتت تحسب حساب اليوم الموعود.
وفي السياق، كشف القيادي في “حماس” موسى أبو مرزوق عن تلقيه اتصالات من مسؤولين أوروبيين “نصحوه” بإلغاء المسيرة، وكتب على حسابه في “تويتر” الخميس، إن “أكثر من مسؤول غربي اتصل بي ناصحًا بوقف مسيرة العودة بهدف عدم زيادة التوتر والتصعيد على حدود قطاع غزة”، مشيرًا إلى أن ذلك “تزامن مع اتصالات إسرائيلية بعدد من سائقي الحافلات التي تقل الفلسطينيين إلى خمس نقاط تجمع شرق قطاع غزة، لتحذيرهم من نقل أبناء القطاع إلى الحدود يوم المسيرة”، لكنه أكد أن “أشواق أبناء فلسطين في العودة إلى ديارهم تغلب التحذيرات والتهديدات كافة”.
ولفتت حركة “حماس” إلى أن “ذكرى يوم الأرض تطل علينا وشعبنا الفلسطيني يستعد للمشاركة في مسيرة العودة لفرض قواعد اشتباك جديدة تحاكي عودة الطيور المهاجرة إلى ديارها”، ودعت في بيان أمس، جماهير الشعب الفلسطيني في كل مكان إلى “المشاركة الواسعة في مسيرة العودة، والتزام سلميتها بشكل بدقيق، والابتعاد من أي مظهر من المظاهر التي يمكن أن تحرفها عن هدفها وتقف عائقًا في وجه نجاحها”، كما دعا الناطق باسم الحركة عبداللطيف القانوع العالم إلى “التقاط رسالة مسيرات العودة الكبرى” التي تشكل “أحد خيارات الشعب الفلسطيني في الرد على قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد القضية الفلسطينية وحصار الاحتلال الإسرائيلي وصلفه”، وأكد القانوع في بيان، أن “مسيرة العودة ستجسد مشهد الوحدة الوطنية والميدانية للشعب الفلسطيني الرافض الحصار المفروض على قطاع غزة ومحاولة إسقاط حق العودة”.
ولطمأنة الفلسطينيين، قال المحلل السياسي والباحث الحقوقي في “الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان” مصطفى ابراهيم إن المسيرة “نضال جمعي شعبي سلمي، وتجربة علينا خوضها، وقد تنتج عنها تفاعلات متعددة في فلسطين”، وكتب في حسابه على موقع “فايسبوك”: “يكفي أن نرى الرعب والخوف الإسرائيلي والاستعدادات لمواجهة المسيرة، وتسخير الجيش طاقاته لوقفها، ومحاولته حتى منع الفلسطينيين من التفكير فيها، من خلال نشر الشائعات وتخويف الناس وتهديدهم”، وشدد ابراهيم، الذي يجيد العبرية والمختص أيضًا في الشأن الإسرائيلي، على أن “الناس لن يقتحموا الحدود يوم الجمعة، فالمسيرة فعل شعبي سلمي، وفعل متدرج، وتجربة علينا خوضها والمحاولة، ومن المهم مساندتها ودعمها”.
إلى ذلك، حمّلت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة والمباشرة عن تداعيات التهديدات العلنية بالقتل والإعدام الميداني بحق المشاركين في المسيرات، وذلك بعدما منح جيش الاحتلال جنوده تصريحًا بفتح النار إذا اقترب الفلسطينيون من الحدود، وطلب من سكان مستوطنات “غلاف غزة” حمل السلاح تحسبًا لدخول فلسطينيين من القطاع، وأكدت الوزارة في بيان، أن هذه التهديدات تشكل “انتهاكًا صارخًا وعلنيًا للمواثيق الدولية كافة” و “حربًا علنية على المدنيين” و “امتدادًا لعقلية الاحتلال الداعشية والعنصرية والفاشية”.
الجامعة العربية
في غضون ذلك، دعت جامعة الدول العربية في بيان لمناسبة الذكرى ال42 ل “يوم الأرض”، المجتمع الدولي إلى التحرك لاتخاذ الخطوات اللازمة من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق السلام العادل على أساس حل الدولتين، كما طالبته ب “تحرك فوري لمنع الانتهاكات المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، وتفعيل الحماية الدولية له”، معتبرة أن “خلاصه الحقيقي يكمن بممارسة حقه في تقرير المصير”.
أرسل تعليقك