لجأ تنظيم "داعش" إلى خدع عدّة، لعرقلة عمليات القوات العراقيّة، في إطار مساعيه لإحكام السيطرة على بعض المواقع في مواجهة تقدم الجيش العراقيّ، وكان آخرها استخدام نماذج خشبيّة من دبابات وعربات، لتضليل مقاتلات التحالف الدوليّ والمقاتلات العراقيّة. كما لجأ التنظيم إلى استخدام تماثيل بلحى، تشبه المقاتلين المتشددين، والتي تبدو كالدمى عند رؤيتها عن قرب، ولكنها تظهر مثل العربات الحقيقيّة لمن يراها عن بعد. يأتي ذلك فيما راجع رئيس الحكومة العراقيّة، حيدر العبادي، الخطط العسكريّة المتبعة في سير معارك الموصل، بينما تواصل القطعات اشتباكاتها في محاور القتال ضدّ تنظيم "داعش" مع تقدّم حذِر.
فقد عثر الجيش العراقيّ على مجموعة من تلك النماذج، الأسبوع الماضي، في موقع تدريب للتنظيم، شمال الموصل، كما عثر في موقع تدريب على عربتين مدرعتين كبيرتين، استخدمهما المتشددون في شنّ هجمات، وعلى بقايا أكثر من 12 سيارة ملغومة أبطلت القوات العراقية مفعولها.
ولم يتضح مدى فاعلية هذه النماذج في إعاقة القصف الجويّ الذي يلعب دورًا كبيرًا في الحملة البرية، التي تقوم بها القوات العراقية لطرد "داعش" من آخر معاقله في الموصل، شمال العراق.
بينما قال المتحدث باسم سلاح الجو الأميركيّ في بغداد، الكولونيل جون دوريان، إن التحالف رصد استخدام "داعش" هذه العربات لبعض الوقت، وإن الجيش الأميركي يصنفها تحت "الخداع التكتيكي".
ولجأ "داعش" إلى استخدام طائرة استطلاع حلّقت فوق القوات العراقيّة المتقدمة، جنوب الموصل، ثم ألقت قنبلة يدوية، وأعلن الجيش العراقي إسقاط الطائرة.
ومن بين الحيل التي وظّفها "داعش" لعرقلة الجيش العراقيّ، شبكة الأنفاق التي أنشأها، لاستخدامها في الانتقال والاختفاء عن أعين القوات العراقية. ويبلغ طول الأنفاق 45 كيلومترًا.
وفي جديد تكتيكات "داعش" لوقف تقدم القوات العراقيّة، عمد التنظيم إلى تسليح طائرات الاستطلاع المسيَّرة بقنابل يدوية، تُلقى على تجمعات القوات المهاجمة، وقال الضابط في الشرطة حسين مؤيد إنه تمّ تسجيل ثلاثة حوادث عمد خلالها "داعش" لإلقاء قنابل على مجموعات من القوات العراقيّة في الموصل، مشيرًا إلى أن المتطرفين "يضعون القنبلة داخل كيس ويربطونها بخطَّاف، بحيث يُسحب منها دبوس الأمان بمجرد إسقاطها لتنفجر".
وتابعت القوات العراقيّة تقدمها داخل الموصل، وأعلن قائد عمليات "قادمون يا نينوى" الفريق الركن عبد الأمير يار الله، تحرير قرية مشيرفة في محور الزاب، وقرية النايفة، غرب ناحية النمرود.
من جهتها، أعلنت "هيئة الحشد الشعبي" تحرير قريتي الرقراق وام حجارة العليا غرب الموصل من قبضة "داعش"، وأعلن المتحدث باسم "الحشد الشعبي" أحمد الأسدي انطلاق المرحلة الثالثة من عمليات غرب الموصل، موضحًا في مؤتمر صحافي في بغداد، أن مطار قضاء تلعفر "هدف مهم"، مبيناً أنه سيكون نقطة انطلاق نحو مركز القضاء، فيما أشار إلى أن زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي موجود في منطقة بين تلعفر والبعاج على الحدود السوريّة.
وفي مقابل التكتيكات التي تعرقل جهود الجيش العراقيّ، أقدمت المئات من نساء الموصل، على خلع الزيّ الأسود الذي فرضه "داعش"، وقمن بإحراقه وسط صيحات من الابتهاج والفرح في المناطق المحررة.
ميدانيًا، قال الضابط ذاته، إنّ "أغلب المحاور العسكرية تشهد استمرار العمليات العسكرية والاشتباكات ضد داعش"، مبينًا أنّ "قطعات مكافحة الإرهاب تواصل عمليات تطهير مناطق البكر وعدن والقادسية والأربجية في المحور الشرقي"، موضحًا أنّ "الاشتباكات مستمرة في هذه المناطق وقوات مكافحة الإرهاب، تخوض حرب شوارع فيها، وتتقدّم بشكل حذر".
وأشار إلى أنّ "قطعات الفرقة المدرعة التاسعة تواصل عمليات تطهير بلدة النمرود في المحور الجنوبي، وتحاول التقدّم في البلدة"، مؤكدا أنّ "قطعات الشرطة الاتحادية تعمل على تطهير ما تبقى من قرى شمال حمام العليل في المحور الجنوبي، وتنتظر تعزيزات عسكرية للتحرك نحو مطار الموصل".
بدوره، يكثَّف تنظيم "داعش" هجماته الانتحارية في العراق، مستكملاً تنفيذ استراتيجية الجبهات الجانبية لحرف الأنظار عن معركة الموصل، وهو تكتيك لم يعرقل حتى الآن تقدم القوات العراقية داخل معقل التنظيم، وقد استعادت، أمس الإثنين، المزيد من القرى وسط ارتفاع خسائر المسلحين.
إلى ذلك، ذكر بيان مكتب العبادي ورد إلى "العرب اليوم" ، أن الأخير استمع خلال زيارته قيادة العمليات المشتركة اليوم الاثنين، الى شرح مفصّل من القيادات العسكريّة عن العمليات وأصدر مجموعة من التوجيهات، مؤكدًا أن العمليات تسير بشكل جيّد في جميع المحاور والقوات العراقيّة، تتقدم وفق الخطط الموضوعة لتحرير أهل نينوى.
من جهته، أكّد ضابط في قيادة عمليات "قادمون يا نينوى"، إلى "العرب اليوم"، أنّ "العبادي وجّه بمراجعة الخطط العسكرية المتبعة في عمليات التحرير، وضرورة تحديثها وفقا للوقائع الميدانية والمستجدات".
من جهة أخرى، وقعت ثلاثة تفجيرات منفصلة في كلّ من الفلوجة (غرب بغداد) وكربلاء (جنوب)، أسفرت عن مقتل 16 شخصًا وإصابة نحو 26 بجروح، بينهم نساء وأطفال.
وأفاد مصدر أمنيّ أن ثمانية أشخاص قتلوا وأصيب 20 آخرون في انفجار سيارتين مفخختين، يقود إحداهما انتحاريّ، واستهدفتا نقطة تفتيش للشرطة في حي نزال وسط محافظة الفلوجة.
وفي كربلاء، أوضح مسؤولون أن هجومًا وقع في حي الجهاد في بلدة عين التمر، وشارك فيه ستة انتحاريين، ما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة ستة بجروح.
وذكرت وكالة "أعماق" التابعة لـ"داعش" أن الانتحاريين "اشتبكوا مع القوات الأمنيّة لساعات عدة بالأسلحة الرشاشة والقنابل اليدويّة"، لافتة إلى أن الهجوم انتهى بتفجير الانتحاريين لأحزمتهم الناسفة، ضد عناصر القوات الأمنيّة.
ومع مرور شهر على انطلاق المعارك في الموصل، تعتبر هذه المعركة معقّدة، إثر فوضى المكونات الدينيّة والعرقيّة في المدينة، وبسبب تضارب المصالح السياسيّة للأطراف المشاركة في العمليّة، وغياب التنسيق بينها، ممّا ينذر بسيناريوهات مجهولة لحسم المعركة.
فقد جعلت العوامل السياسيّة والاجتماعيّة والعسكريّة والجغرافيّة معركة الموصل معقّدة، ولم تكن هذه العوامل موجودة خلال معارك تحرير تكريت وبيجي والرمادي والفلوجة والرطبة. فالموصل دخلت في الحسابات الدوليّة مع انضمام تركيا إلى الأحداث، حيث سعى الجميع إلى المشاركة ورسم المستقبل وفق مصالحه، بالمحصّلة فإن المعركة العسكريّة لايعرف مصيرها، ومات روم إليه سياسة الولايات المتحدة، بعد انتهاء الانتخابات، التي سوف تؤثر أيضًا على معارك الموصل.
هذا وأتمّت معركة الموصل، أمس الإثنين، شهرها الأول من القتال الذي تنخرط فيه القوات العراقيّة النظاميّة، مدعومة بمليشيات "الحشد الشعبي"، وقوات البشمركة الكرديّة التابعة لإقليم كردستان. وتقاتل هذه القوات المتعددة بكلّ ثقلها في العمليات العسكريّة، مدعومة بغطاء جويّ واسع لطيران "التحالف الدولي"، الذي تقوده الولايات المتحدة، وتشارك فيه فرنسا وكندا وبريطانيا وإيطاليا. وفي ظل كل هذا الزخم، دخلت معركة الموصل إذًا في أسبوعها الخامس، وسط تزايد المؤشرات على اقتراب موعد الحسم العسكريّ وتحرير المدينة من سيطرة تنظيم "داعش".
يأتي ذلك في وقت تخوض القوات العراقية المشتركة معارك ضارية على أغلب محاور القتال ضد عناصر "داعش"، الذين يقدر عددهم الآن، بين 4 إلى 5 آلاف مقاتل، بعد خسائر كبيرة مُني بها التنظيم طيلة الشهر الماضي، بحسب مصادر عسكرية عراقية.
وأحرزت القوات المشتركة تقدمًا ملحوظًا كان ثمنه تعرضها لخسائر كبيرة أيضًا، إضافة إلى نزوح أكثر من 50 ألف شخص، من أطراف الموصل، وسط ظروف إنسانية صعبة.
وشهدت العمليّة العسكرية في الموصل خلال الأيام الماضية، تباطؤ في حركتها نتيجة تعرض القوات المهاجمة لخسائر جسيمة، بعد انتقال المعارك والمواجهات مع "داعش" إلى داخل أحياء وأزقة المدينة، خصوصًا في المحور الشرقي منها.
وأدى ذلك إلى انسحاب سلاح الدروع والدبابات وتدخل مروحيات الأباتشي الأميركية، التي وفرت غطاءً جويًا، مما رجّح كفة القوات العراقيّة في السيطرة على عدد من الأحياء المهمة، في الجانب الأيسر من الموصل، بحسب مصدر عسكريّ عراقي.
وعلى خلاف التوقعات بطول المعركة، لأشهر عدة، قبل استعادة المدينة، تشير مجريات المعارك إلى أن الحسم قد يكون قريبًا بعد انتقال القتال إلى داخل المدينة، لكن مصادر عسكريّة تؤكد أن الوصول إلى قلب الموصل، لا يعني انتهاء المعركة على الإطلاق، لأن التضاريس الجغرافيّة توفر ملاذًا آمنًا لعناصر "داعش"، الذين من المتوقع أن يستمروا في هجماتهم اليوميّة وعملياته الانتحارية.
وبحسب التقارير العسكريّة الصادرة عن وزارة الدفاع العراقيّة، فإن 140 قرية وبلدة وناحية ومدينة، تمت استعادتها منذ انطلاق معارك الموصل وفي محاورها السبعة.
وكانت نقطة انطلاق القوات العراقيّة المشتركة أول أيام المعركة تبعد 29 كيلومتراً عن أول أحياء المدينة من المحور الشرقي، و33 كيلومتراً من المحور الشمالي، و60 كيلومتراً من المحور الجنوبي. وظل المحور الغربي ساكناً لأكثر من 10 أيام قبل أن تتحرك مليشيات "الحشد" باتجاه مدينة تلعفر، ترافقها وحدات الحرس الثوري الإيراني.
وقد نجحت تلك القوات في استعادة السيطرة على 1589 كيلومترًا، كما تمّ قتل أكثر من 1500 مسلح من عناصر "داعش"، وجرح مئات آخرين، وتؤكد التسريبات من داخل الموصل، أن قسما كبيرًا منهم من جنسيات غير عراقية.
ففي المحور الشرقي، الذي تتولى إدارته قوات مكافحة الإرهاب والجيش العراقيّ، تدور المعارك حاليًا داخل أحياء القادسية وعربجية والبكر والمثنى. وتمّ حسم الموقف لصالح جهاز مكافحة الإرهاب في أحياء الشيماء والميثاق والوحدة والسلام والقدس والكرمة وعدن والزهراء والإخاء والسماح والانتصار والتلفزيون وكوكجلي.
أمّا في المحور الشمالي، فتتولى قوات البشمركة الكرديّة إلى جانب قوات "حشد سهل نينوى"، المكوّنة من مقاتلين من الديانة المسيحية والطائفتين الأيزيدية والشبكية، إدارة العمليات العسكرية في هذا المحور، حيث تدور حاليًا المعارك في أحياء الكندي والكفاءات والحدباء ونيسان والنهضة، في الوقت الذي حسمت فيه المعارك لصالح الجيش في أحياء ومناطق الشلالات ودجلة وسادة بعويزة والبناء الجاهز.
وفي المحور الجنوبي، الذي تتولى مسؤوليته مليشيات "الحشد" وقوات الفرقة التاسعة في الجيش العراقي والشرطة الاتحادية، قال قائد الشرطة الاتحاديّة، الفريق رائد شاكر جودت، إن قواته تستعد للتوغل إلى داخل أحياء مدينة الموصل من الجهة الجنوبيّة، بعد استعادة كلّ المناطق الواقعة في الجبهة الجنوبيّة، وصولاً إلى أطراف مدينة الموصل.
كما أشار ضابط في قوات الشرطة الاتحادية إلى أن "القوات المشتركة تعمل الآن على إعادة ترتيب صفوفها من أجل بداية المرحلة الثانية من العمليات العسكرية، في المحور الجنوبي، والتي تهدف إلى اقتحام الأحياء الجنوبيّة لمدينة الموصل، واستعادة السيطرة على مطار المدينة، مبينًا أنه قد يتمّ البدء باقتحام حي اليوسف، أول أحياء المدينة من المحور الجنوبي.
ويشار إلى أن محور جنوب الموصل، شهد حدوث موجة نزوح كبيرة لأهالي منطقة حمام العليل، وعشرات القرى في جنوب المدينة، بسبب اشتداد المعارك والقصف المتبادل، بين قوات الشرطة الاتحادية وعناصر "داعش" الذين كانوا متحصنين في أزقة الأحياء السكنيّة.
هذا وتقوم مليشيات "الحشد الشعبي"، بجميع فصائلها، في المحور الغربي، بشنّ عمليات عسكرية متواصلة بمشاركة نحو 15 ألف عنصر من عناصرها، للسيطرة على المناطق الريفيّة والقرى الواقعة غرب وجنوب غرب الموصل، وصولاً إلى مدينة تلعفر (غرب)، فضلاً عن إحكام الطوق العسكري على الموصل، وقطع الطرق المؤدية إلى مناطق غرب العراق، المحاذية للحدود العراقية مع سورية.
وتدور اشتباكات على بعد 12 كيلومترًا من مطار مدينة تلعفر، بين "داعش" والمليشيات، في ظلّ غياب غطاء "التحالف الدولي" ودور ضعيف للطيران العراقيّ، الذي ينشغل بتأمين أجزاء غرب العراق، من هجمات متكررة لـ"داعش" تهدف إلى إعادة إسقاط مدن، مثل الرطبة وهيت.
وأعلن ضابط في جهاز مكافحة الإرهاب، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن "المعارك الجارية في محاور الموصل، تشهد قتالاً متواصلاً في معركة تكاد تكون الأعنف في العراق، منذ الاحتلال الأميركي عام 2003".
وأضاف أن "الأكيد هو دخولنا الموصل قبل نهاية العام، ورفعنا العلم العراقي على المجمع الحكوميّ، لكن لا نعلم متى سيتوقف إطلاق الرصاص في المنطقة بشكل عام"، في إشارة إلى محافظة نينوى.
وغمز الضابط من قناة القادة السياسيين في العراق قائلاً "ندعو الله أن يمسك السياسيون في أربيل وبغداد ألسنتهم حالياً، لحين انتهاء المعارك، فأي اختلاف أو مشاكل ستؤثر على اتفاقنا العسكري في تأليف القوات المشتركة التي تقاتل اليوم بالمعركة الهادفة لتحرير الموصل من "داعش".
من جهة أخرى، تشير تقارير محلية إلى بلوغ عدد القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، إلى 1257 حتى مساء الاثنين، أغلبهم نساء وأطفال، سقطوا من جراء القصف الجوي والصاروخي. وبلغ عدد الجرحى 896 جريحًا خلال الشهر الحالي للمعارك.
لكنّ مصادر طبية في مستشفى الموصل تؤكد أن الحصيلة غير دقيقة، كون هناك الكثير من الضحايا، تمّ دفنهم في حدائق المنازل وعلى جادات الطرقات، في الأحياء التي تشهد الاشتباكات الآن، على غرار ما حصل مع عائلة أستاذ جامعيّ قتلت بقصف مدفعي، وتمّ دفن جميع الضحايا في حديقة المنزل من قبل الجيران، في أحد أحياء الموصل الشرقيّة.
هذا وبدا الدمار كبيرًا في الأحياء التي تشهد اشتباكات منذ أسبوع، في المناطق الواقعة بين شمال وشرق الموصل، وهذا الأمر ينذر بخراب كبير في حال استمر "داعش" بقتاله داخل الموصل.
وتتضاعف خسائر القوات المهاجمة كلّما توغلت أكثر داخل أحياء الموصل وغاب الطيران، وتخلّي الجنود عن الأسلحة الثقيلة كالدبابات والدروع، التي لا تقدر الدخول إلى أزقة وشوارع الساحل الأيسر الضيّقة.
ووفقًا لتقديرات من مصادر في وحدة الطبابة العسكرية، فإن "أكثر من ألفي قتيل من الجيش العراقيّ وجهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية وأفواج الطوارئ، ووحدات التدخل السريع، وقوات حرس نينوى (أبناء العشائر)، وقوات البشمركة الكرديّة ومليشيات الحشد الشعبي، سقطوا خلال الشهر الأول من المعارك".
وتشير المعطيات نفسها إلى "نقل نحو 5 ألاف آخرين إلى مستشفيات في بغداد وأربيل والسليمانية وآخرين، نقلوا إلى ألمانيا، وكذلك إلى طهران وتركيا".
في المقابل، تظهر خسائر تنظيم "داعش" أنه فقد أكثر من 1500 عنصر من مقاتليه، غالبيتهم عراقيون، وبينهم عناصر أجنبيّة قياديّة ونحو ألف آخرين من الجرحى، نقل أغلبهم إلى سورية للعلاج هناك، بحسب مصادر من داخل الموصل تحدثت معها "العربي الجديد" عبر الإنترنت.
وفي الجانب الإنسانيّ، ألقت معارك السيطرة على مدينة الموصل بظلالها القاتمة، على أوضاع سكانها، الذين وجدوا أنفسهم وسط ساحات معارك حقيقية، من دون أن تنجح جهود الحكومة العراقيّة والمنظمات الدوليّة في استيعاب موجات النزوح المتواصلة أو توفير ممرات آمنة للمدنيين العالقين وسط محاور القتال.
ودعت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، القوات العراقيّة إلى "الحفاظ على أرواح المواطنين وتوفير ممرات آمنة لإخراجهم من مناطق الاشتباك".
وجاء في بيان للمفوضية "إننا ندعو القوات الأمنية بكافة أصنافها والطيران العراقي وطيران التحالف الدولي، إلى ضرورة الحفاظ على أرواح المواطنين، وتوفير ممرات آمنة لإخراجهم من مناطق الاشتباك، كون عصابات داعش تتخذ منهم دروعاً بشرية"، وفق البيان.
وجاءت دعوة المفوضيّة العليا لحقوق الإنسان بعد ورود تقارير أكدت مقتل وجرح عدد من المدنيين، خلال محاولتهم الفرار من مناطق القتال، في أطراف الموصل.
وأعلنت مصادر عسكريّة عراقيّة "مقتل وجرح عدد من النازحين الفارين من مناطق شرق مدينة الموصل بعدما قام عناصر "داعش" بقصف المناطق التي تسيطر عليها القوات الأمنية، بقذائف الهاون".
وتفاقمت معاناة النازحين من سكان الموصل، وتحديدًا في بلدة حمام العليل، التي سيطرت عليها قوات الشرطة الاتحاديّة، إذ وجد سكان هذه المدينة أنفسهم، من دون خدمات أساسيّة. وأدت العمليات العسكريّة إلى تدمير شبكة الكهرباء والماء، فضلاً عن انعدام الخدمات واللوازم الطبيّة.
كما شهد المحور الشرقيّ من الموصل استمرار عمليات نزوح المدنيين الفارين من مناطق الاشتباكات في الأحياء الشرقيّة من مدينة الموصل باتجاه مخيم الخازر.
وقال الناشط في المنظمات الإنسانية المحليّة، محمد البياتي، إن "العائلات النازحة من مناطق شرق مدينة الموصل، لا تزال تواصل القدوم إلى مخيم الخازر، بعد خروجهم من مناطقهم التي تشهد حاليًا حرب شوارع بين قوات الأمن العراقيّة وعناصر داعش".
وأضاف أن "مخيم الخازر أصبح مليئاً بالعائلات النازحة ولم يعد فيه متسع لاستقبال المزيد من الأسر، إذ نتوقع وجود أكثر من عشرين ألف نازح في مخيم الخازر فقط"، وفق تقديره، مؤكدًا أن هنالك "ضغطاً هائلاً يقع على عاتق المنظمات الإنسانية العاملة في هذه المنطقة نتيجة لتزايد أعداد النازحين المستمر وعدم توفر الإمكانات المادية الكافية لإغاثة النازحين".
من جانبها، أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين العراقيّة في بيان لها، ارتفاع أعداد النازحين من مدينة الموصل، إلى أكثر من 50 ألف نازح خلال اليومين الماضيين، مع استمرار موجات النزوح من مناطق الموصل، التي تنذر بوقوع كارثة إنسانيّة كبيرة، لطالما حذّرت منها المنظمات الدوليّة والمحليّة.
وفي سياق آخر، توقعت لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة بغداد، ارتفاع معدل الجريمة في العراق ما لم يتمّ "هيكلة" أجهزة الأمن، مؤكدة أن "نسبة الجريمة في بغداد ضئيلة جدًا، أي لا تتعدى 2-3%، إذا تمّت مقارنتها بمعدل الجريمة في محافظات أخرى.
وقال عضو لجنة الامن والدفاع في مجلس محافظة بغداد سعد المطلبي في تصريح إلى "العرب اليوم"، إن "هناك ارتفاعًا في معدلات العمل الإجرامي، وتداخلاً بينه وبين العمل الارهابيّ"،
مضيفًا أن ارتفاع معدل الجريمة في البلاد، تعود الى الظروف التي تمر بها و"التدخلات الخارجيّة"، مبينًا أن مجلس محافظة بغداد قلق بشأن مرحلة ما بعد "داعش" لـ"انتشار السلاح واحتماليّة قطع رواتب عناصر الحشد".
وتوقع عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة بغداد، "انخفاض معدل الجريمة ما بعد مرحلة "داعش"، مشترطًا أن "تكون هناك إعادة لكلّ الأجهزة الأمنيّة من داخليّة واستخبارات وأمن وطنيّ لضمان انخفاض تلك المعدلات".
وأشار المطلبي إلى أنّ "الجريمة الجنائيّة باتت منتشرة بشكل كبير في عموم محافظات العراق"، بيد أنّه لا يمتلك إحصاءات عن حجم هذه الظاهرة، مشيرًا إلى أنّ هذه الإحصاءات محصورة في يدّ وزارة الداخليّة.
وعزا المطلبي انتشار الجريمة في العراق إلى أسباب عدّة، إلاّ أنّه ركّز على عامل "انشغال القوّات الأمنيّة في جبهات القتال ضدّ تنظيم "داعش"، الأمر الّذي جعل تركيز الأجهزة الأمنيّة على مراكز المدن وفي بغداد على وجه الخصوص، أقلّ ممّا كان عليه في السابق"، وأمل في أن "يحدّ القانون من حال حيازة السلاح وانتشاره في العراق".
وإنّ اللاّفت في حديث المطلبي، أنّه يشير إلى "وجود عصابات تسرق وتبتز وتقتل على أساس طائفيّ"، وقال إنها "تستغل بذلك انتماءها إلى بعض الفصائل المسلّحة التي تنتمي إلى الحشد الشعبيّ"، مؤكّدًا أنّ "هؤلاء أفراداً قليلون داخل هذه الفصائل".
ويرى عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة بغداد أن "نسبة الجريمة تتفاوت بين شهر وآخر، وبين محافظة وأخرى، حيث تعدّ العاصمة بغداد الأقل من حيث نسب الجريمة"، عازيًا ذلك الى "تركيز الجهات الأمنية للعاصمة".
وعدَّ المطلبي، أن "تأخر أحكام القضاء بحق المجرمين، قد ساهم بارتفاع معدلات الجريمة"، مشددًا على أن "الأحكام الصادرة بحق المجرمين تتأخر لأشهر، في حين أن من المفترض إصدارها بعد أسبوع من اجراءات كشف الدلالة".
وبيّن إن "نسب الاجرام في بعض المحافظات تفوق ما يقدر في العاصمة بغداد، وبخاصة محافظة البصرة، التي تشهد نشاطاً عاليًا للجريمة المنظّمة"، مشيرًا الى أن "عملية السطو المسلح التي طالت محال بيع الذهب في محافظة البصرة، مؤخرًا، والتي قد تدخل ضمن عمليات الجريمة المنظمة أو العمليات التي تهدف لتمويل "الإرهاب""، موضحًا أن "محافظات أخرى كالنجف وكربلاء والمثنى والديوانية، تشهد نشاطاً إجراميًا كبيرًا في عمليات السرقة وجرائم الاغتصاب".
وكان مصدر في شرطة محافظة البصرة أفاد الجمعة، بأن مسلحين يرتدون زيًا عسكريًا اقتحموا محالًا لبيع الذهب والمجوهرات، غرب البصرة، وسرقوا مصوغات ذهبيّة تقدر بـ 116 كغ، وفيما شددت اللجنة الأمنيّة على ضرورة إجراء تحقيق بالحادث، أكدت ضرورة محاسبة المقصرين في الأجهزة الأمنية.
وفيما تشهد محافظة البصرة بعض الخروق الأمنيّة المتمثلة بالسرقة والسطو المسلح بعناوين مختلفة، من خلال ارتداء الزي العسكري، أو ممن يحملون ترخيصاً حكوميًا، للدخول الى أماكن لسرقتها، تشهد بعض المحافظات العراقيّة استقرارًا أمنيًا ملحوظاً مع حصول أعمال عنف غالبيتها جنائية بين آونة واخرى.
يذكر أن العراق يشهد منذ 2013، تصاعدًا في أعمال العنف، فيما أعلنت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، (اليونامي)، في (الأول من تشرين الثاني 2016)، مقتل وإصابة 3150 عراقيًا، بحوادث عنف، شهدتها مناطق متفرقة من البلاد، خلال شهر تشرين الأول الماضي، وأكدت أن العاصمة بغداد كانت الأكثر تضررًا من أعمال العنف.
أرسل تعليقك