كشف رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي عن وجود الكثير من أهالي الموصل يتعاونون مع القوات الأمنية في إيصال معلومات استخباراتية من أجل ضرب مواقع تنظيم "داعش" في المدينة، يظهر لنا وبعد تحقيق النصر في الجانب الأيسر من مدينة الموصل حكايات وروايات تكللت بنجاح من قبل تجار وضباط في الجيش العراقي السابق وشدو العزم للتخلص من المتطرفين وإخراجها من مدينتهم بعد أن ذاقوا المر والويلات .
فبطش التنظيم بعد أن أوقف انتفاضة شباب الموصل، نجح تجار وميسورون من أبناء المدينة بإدامة حركة الرفض ضد داعش وتمكنوا من اختراق صفوف التنظيم ليقدموا معلومات ثمينة مكنت من استهداف أبرز قياداته، إضافة الى كشف المتخفين من عناصره والذين كان أغلبهم موظفين في الدولة العراقية.
ويقول المتحدث بإسم تجار الموصل وأحد مؤسسي حركة الانتقام من" داعش" محمد الحيالي، الذي أصرّ على نشر اسمه الحقيقي إن "مجموعة تضم تسعة من أبرز تجار الموصل المعادين لداعش، اجتمعوا في المدينة نهاية عام 2014، واتفقوا على دعم أية مبادرة ضده"، مبيناً أن "المجتمعين تمكنوا من تهريب أسرهم من الموصل، لكن الحظ لم يحالفني بذلك مع تاجر آخر".
ويُضيف الحيالي أن "التنظيم قد اختطف أسرته المتكونة من أمه وزوجته وأطفاله الاثنين، وطالبه بدفع فدية مقدارها 300 ألف دولار خلال 72 ساعة من خلال أحد اقاربه الذي كان قد بايع التنظيم"، وعلى الرغم من دفع مقدار الفدية إلا أن التنظيم أعدم أفراد الأسرة بحجة أن الأموال كانت مزورة وهو ما ينفيه الحيالي، ويؤكد التاجر الموصلي، أن "فقدان أسرته أصابه بحالة من الجنون جعلته حبيس منزله لمدة شهرين ليستفيق من صدمته بعد ذلك على أمل الانتقام من التنظيم".
السبيل الى الانتقام من عناصر التنظيم اقتضى خروج الحيالي من المدينة وهو ما تم له بعد أن استجمع قواه وهيّأ الإمكانات المادية والمعنوية وخرج إلى أربيل ثم بيروت من خلال أحد المهربين، ليبدأ بمحاولات جمع شتات رفاقه مجدداً لتحقيق هدفهم.
ويقول الحيالي، إن "اتصالات جرت برفاقه من التجار وكانوا قد تفرقوا بين اسطنبول وعمان وبيروت حيث أكد لهم أن عزاءهم وبقية أسر المغدورين هو بالمساعدة في القضاء على داعش"، مشيراً إلى أن "ذلك تم فعلاً من خلال محاولاتنا شحذ همم اصدقائنا ومعارفنا الرافضين لوجوده داخل الموصل بهدف تفجير انتفاضة ضده"، لكن الخوف من بطش التنظيم وأساليبه الوحشية كان عائقاً ومحبطاً لأية محاولة للانتفاض على التنظيم.
ويوضح الحالي، أن "أغلب التجار والمقاولين كانوا يدفعون الاتاوات للتنظيم، والتي تُعد المصدر الأول لتمويله، وعلى الرغم من أن بعضهم كان يفعل ذلك دفعاً للضرر والشر عنه وعن أسرته إلا أن ذلك لم يحل دون التنكيل بهم من قبل المتطرفين "، مبيناً أن "ذلك شكّل نقطة الارتكاز لديّ لأقناعهم أن التخلص من التنظيم أمر لا بد منه".
ويكشف الحيالي، أن "اتصالاً قد ورده في أحد الأيام من قبل صديق أبلغه خلاله بوجود شخص مُستعد للتعاون معنا، وهو ضابط في الجيش العراقي السابق، وقد انتمى للتنظيم بعد عام 2014"، لافتاً الى أن "الرفض كان هو الرد، لكن الصديق المشترك أصرَّ على ذلك من دون ذكر التفاصيل، مؤكداً على ضرورة عدم الاستعجال بالحكم عليه، وأن اللقاء بهِ سيكون مفيداً".
اللقاء بالضابط تم فعلاً في تركيا والذي تبيّن أنه قد فقد أحد أبنائه على يد داعش والذي اختطفه التنظيم وقتله بعد علمه بمحاولة والده بالالتحاق بصفوف الجيش العراقي الذي تم تشكيله بعد عام 2003، على الرغم من دفع الأخير فدية مقدارها 20 الف دولار.
ويبيّن الحيالي، أن "الضابط عقد العزم بعد ذلك على الانتقام من تنظيم داعش فبدأ بارتياد الجوامع التي يَكثُر فيها تواجد عناصر التنظيم وأطلق لحيته، لكن دون احتكاك بهم حتى ظهر عناصر التنظيم بشكل علني بعد احتلال الموصل في عام 2014"، مؤكداً أن "الضابط انتمى بشكل ظاهري للتنظيم وأقنعهم بأن مقتل ولده ما كان إلا قضاءً وقدراً على يد مسيئين استغلوا إسم التنظيم ليتمكن من كشف المسؤولين عن مقتله والانتقام منهم".
وبعد أن تأكد من صدق الضابط أعاد له مبلغ الفدية، قبل أن يتظاهر الأخير بالمرض ليكتفي باللقاء بعناصر التنظيم في الجوامع دون أن يضطر الى الالتحاق بدواوين المتطرفين ما مكّنه من كشف عناصر التنظيم حتى الذين كانوا يعملون بشكل سري ليخرج بعدها الى أربيل ومن ثم تركيا بحجة تلقي العلاج.
ويقول المتحدث بإسم التجار محمد الحيالي إن "الضابط قد حظي بثقته بعد اللقاء لسببين، الأول أن الوسيط الذي دبر اللقاء كان موضع ثقة عالية، والثاني أن الألم والحزن كانا واضحين على محيا الضابط وهو يسرد ما أصابه على يد المتطرفين"، مشيراً الى "اتفاق جرى بعد ذلك على تزويدنا بكل ما هو مفيد عن التنظيم حيث كشف عن عشرات الأسماء خاصة بأولئك الذين كانوا يعملون خفية مع داعش وأغلبهم من الموظفين".
ويضيف الحيالي، أن "اتصالاً جرى ببعض المفاصل المهمة بالحكومة الاتحادية وتم تزويدها بأسماء الموظفين ممن ينتمون لداعش فتم قطع رواتبهم ووضعهم على قوائم المطلوبين"، موضحاً أن "اتفاقاً جرى مع الضابط على لقاء دوري لتزويدنا بالمعلومات عن تواجد عناصر التنظيم المهمين والمضافات الرئيسة لهم داخل الموصل".
أهم الأهداف التي سعى اليها التجار الموصليون الى الكشف عنها تمهيداً لاستهدافها هم "قضاة داعش" لما يشكّلوه من خطر من خلال ما يبثونه من أفكار وأحكام شرعية غررت بعدد كبير من شباب الموصل، ويقول الحيالي، إن "الضابط استطاع الكشف عن أهم قضاة داعش وتم وضع جائزة مالية لمن يدلي بمعلومات عنهم أو قتلهم وتم تسريب تلك المعلومات داخل الموصل، حيث أبدى عدد من عناصر داعش الاستعداد للتعاون مقابل التعهد بتقديم الجوائز المالية لهم والتي وصل بعضها الى مليونين دولار".
ويشير الحيالي، الى أن "ذلك اعطى ثماره من خلال الوصول الى معلومات دقيقة عن تواجد اولئك القضاة تم ايصالها الى الجهات الأمنية والتحالف الدولي حيث تم قتل بعضهم من خلال القصف الجوي"، مؤكداً أن "بعضهم توارى عن الأنظار بعد أن ظنّوا أنهم غير معروفين".
ويكشف الحيالي، عن أسماء بعض أولئك القضاة ومنهم المتطرف سالم خلف، الملقب أبو رقية، قاضي الأمنية، وهو من أهالي ناحية الشورة، ويتواجد حالياً بالموصل، حيث انسحب إلى الجانب الأيمن بعد انكسار التنظيم بالجانب الشرقي للمدينة، والمتطرف عمر موسى، الملقب أبو عبد الله الجبوري، وهو من أهالي حمام العليل، ويتواجد حالياً بالجانب الأيمن للموصل، وكان قد تسلم منصب القاضي الشرعي لولاية دجلة".
ثالث المتطرفين الذين يشير اليهم التاجر هو شفاء النعمة، الذي يعد أحد مفتي التنظيم، وهو إمام وخطيب في جامع الشهيد مازن، في حي البريد، الذي تم تحريره قبل أسبوع، ولديه مدرسة عبد الله النعمة الدينية في الجامع نفسه، ويُعد من أخطر مفتيي التنظيم، حيث قامت مدرسته بتخريج مئات المتطرفين ، ولم يكن يعلن عن انتمائه للتنظيم قبل حزيران/يونيو 2014، وكان يستعمل المدرسة غطاءً لنشر فكر التنظيم بين الشباب والصغار بنحو غير مباشر، وكان يبلغ عن كل شيخ جامع يعارض فكر المتطرفين فيتم طرده أو اعتقاله وقتله، ويساعده في ذلك ابنه عبد الله.
ويسكن أسامة أبو انس هو رابع القضاة، حي المثنى، هو طالب من طلاب شفاء النعمة، وكان قبل دخول المتطرفين المسؤول العسكري لعدة مفارز، وبعد دخولهم أصبح قاضياً في المحكمة الشرعية التابعة للتنظيم، أما الخامس فهو هو أبو أيوب العطار، مفتي التنظيم وقاضٍ أيضاً يخطب في جامع الرحمة، في حي السكر، حيث افتى قبل ثلاث جمع بقتل أهالي الموصل المحاصرين، ويقع منزله في حي المشراق، ولديه مركز دار ابن الأرقم لتحفيظ القرآن، في حي المقنى، كما أن لديه محل عطارة في دورة النافورة، في حي الزهور، الذي تم تحريره قبل يومين، وقد تم قتله بواسطة ضربة جوية موفقة على إثر معلومات دقيقة.
وكما عودتنا صور التاريخ فإن شريحة الشباب غالباً ما تنحت آثاراً مضيئة في الصفحات المظلمة التي واجهت البلاد، حيث أسهم شباب الموصل بدور كبير ساعد القوات الأمنية وخاصة الاستخبارية منها، ويؤكد الحيالي، أن "المعلومات التي قدمها شباب الموصل أسهمت بقتل العشرات بل المئات من عناصر داعش على الرغم من بطش التنظيم وأساليبه القذرة".
ويختم التاجر الموصلي، أن "بعض التجار والمقاولين المناوئين للتنظيم قدموا دعماً بالمال والسلاح الخفيف ضماناً لديمومة حركة مناهضة داعش داخل الموصل التي نفد منها الغذاء والدواء وفرص العمل بعد ما خلفه التنظيم وأعماله المتطرفة"، يذكر أن القوات الأمنية تمكنت خلال الأيام القليلة الماضية من تحرير الجزء الأكبر والأهم من الساحل الأيسر للموصل، في إطار عمليات (قادمون يا نينوى) التي انطلقت في (الـ17 من تشرين الأول/أكتوبر 2016 الماضي).
أرسل تعليقك