رغم مرور 45 عاماً على رحيل «العندليب الأسمر» عبد الحليم حافظ يتساءل البعض هل لا يزال هناك جديد يمكن أن يقال عن سيرته، بعد إصدار مئات الأعداد الخاصة والدراسات والكتب عنه، والأفلام والمسلسلات التي تناولت حياته؟ الإجابة نعم، لاعتبارات فنية وإنسانية جعلته صاحب مكانة فريدة في قلوب جمهوره، الذي ظل متعطشاً لمعرفة المزيد من الأسرار والحكايات عن مطربه الاستثنائي الذي رحل في 30 مارس (آذار) عام 1977 عن عمر ناهز 48 عاماً.
في ذكرى رحيل حليم يكشف غيابه الجسدي عن عالمنا، حضوره الدائم بالشاشات وأثير الإذاعة ومواقع الإنترنت وصفحات الجرائد، ونكتشف أنه ما يزال هناك الجديد والمثير بحياته على غرار كتاب «عبد الحليم حافظ... أيام من عمره»، الذي أصدره أخيراً مركز الهلال للتراث، التابع لمؤسسة دار الهلال المصرية، ويسرد المذكرات التي كتبها عبد الحليم بخط يده، كما يتضمن مجموعة من الآراء المهمة لأدباء ومفكري عصره في ظاهرة العندليب، ويستعرض حكايات تصحح كثيراً من الأخطاء التي شاعت حوله، وتحوي قصصاً غريبة عاشها.
يفند الناقد أشرف غريب مدير مركز الهلال للتراث، لماذا لم يكن حليم مطرباً عادياً، مؤكداً أن كثيرين غيره تمتعوا بالموهبة وبراعة الأداء، بل إن بعضهم فاقوه في قوة الصوت ومساحته، وكثيرون مثله كان لهم حضورهم على الساحة في زمن العمالقة الكبار (أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش)، وصحيح لم يكن عبد الحليم الأقوى، لكنه كان الأقرب إلى الوجدان الجمعي، ولم يكن صاحب المساحة الصوتية الأكثر اتساعاً، إلا أنه كان أصدق من تغنى بالعربية في زمانه وأي زمان، ولم يكن قديساً بلا أخطاء كما أراد أن يصوره البعض، لكنه كان الأذكى، ولهذا كله بقي على القمة حتى بعد 45 عاماً من رحيله.
يعترف عبد الحليم في مذكراته، بقصة الفشل الكبير في أول مرة يصافح صوته الجمهور، كان ذلك بمدينة الإسكندرية حين قدم أغنية «بتقول لي بكرة»، ولم يتحمس لها الجمهور وطلب منه متعهد الحفل أن يغني أغنيات الموسيقار عبد الوهاب، لكنه رفض وأصر على أن يتمسك بنوعية الغناء الذي يناسبه ويعبر عنه، وكما يقول: «ذقت مرارة الفشل في مطلع حياتي الفنية، ومنيت بالسقوط في أول امتحان دخلته، ثم أعددت نفسي للملحق إعداداً كاملاً»، وسنحت الفرصة في عيد الثورة الأول، واتفقت مع 35 موسيقياً على الظهور معي، لأضمن أداء اللحن بالشكل الذي أريده، وغنيت «صافيني مرة... وجافيني مرة»، وما كدت أنتهى منها حتى علا التصفيق ومن تلك الليلة، 24 يوليو (تموز) سنة 1953 كان ميلادي الفني، بعدها بعام عدت إلى نفس المسرح الذي صادفت فيه الفشل الأول وغنيت «على قد الشوق» 40 ليلة متتالية، وكان الناس يطلبون معها أغنية «بتقول لي بكرة» التي رسبت في امتحانهم الأول.
لم يسلم عبد الحليم من شائعات الزواج، فكيف من يغني للحب ألا يعيشه؟، وكانت أفلامه محط انطلاق الشائعات وهو ما عبر عنه في مذكراته، (تزوجت أربع مرات... مع إيقاف التنفيذ)، حدث هذا في مخيلة الناس الذين لا عمل لهم سوى اختلاق الأكاذيب، «فعندما قمت بدوري في فيلم (لحن الوفاء) كانت بطلته شادية، وكانت حديثة العهد بالزواج من عماد حمدي، ولكن ما كاد الفيلم يعرض على الناس، حتى سمعت أنها تسعى إلى الطلاق لكي تتزوجني، وأذهلتني الشائعة». بحسب قوله
وفي فيلمي الثالث «ليالي الحب» قيل إني وقعت في حب آمال فرید، وإننا في الطريق للزواج، وبدأت أتحصن ضد الشائعات ولا ألقي لها بالاً، ثم نشرت الصحف خبراً مفاده أنني ولبنى عبد العزيز سنظهر سوياً في فيلم «الوسادة الخالية»، وفي اليوم التالي طرقت أذني شائعة تؤكد أنني اخترت لبنى لأني أحبها وسنتزوج، ثم انطلقت شائعة رابعة تقول أحببت سامية جمال، وتزوجتها، وسبب ذلك أنني سافرت إلى بيروت لأغني في حفلة ترقص فيها، ومن هنا نسجت الأخيلة القصة.
من أغرب ما يرويه العندليب في مذكراته علاقة الحب التي جمعته بضفدعة، حيث روى أنه كان يصور أحد أفلامه باستديو مصر ووجدها تدخل، فجرى خلفها محاولاً إمساكها، مما أثار دهشة زملائه، وهم لا يعرفون أن بينه وبينها قصة حب قديمة، والحكاية أنه في صباه كان يقضي إجازته الصيفية عند عمته، وكان حلم الغناء قد بدأ يطارده، لذلك كان يجمع أقرانه من الصبية، ويغني لهم، وفي إحدى المرات سمعته جارة، فقالت له: «هل تريد أن يكون صوتك حلو؟ إلحس بطن ضفدعة»، ولم يكذب العندليب خبراً، وطلب من الصبية أن يجمعوا له الضفادع من الحقول، وراح يلحس كل ضفدعة تصل إلى يديه، وهو يردد لكل من يستمع لغناه أن الضفدعة هي السبب في جمال صوته.
فوجئ عبد الحليم حافظ في أحد مشاهد فيلم «شارع الحب»، أن المخرج عز الدين ذو الفقار يطلب منه أن يتسلق شجرة ويقفز منها إلى ماء ترعة لإنقاذ صباح، وحاول حليم إقناعه أن يستعين بدوبلير لتصوير المشهد لكنه أصر ليكون طبيعياً، وروى حليم أنه حينما بدأ التنفيذ، وجد المياه قذرة وخشي أن تتسبب في إصابته بالبلهارسيا التي كان لا يزال يُعالج منها، لكن ذلك لم يثن المخرج عن قراره، وانتهى التصوير والسخط يملأه هو والفنانة صباح، وحينما عاد لمنزله أخذ حماماً من الماء المغلي، ولم يكن ذلك كافياً فأحضر زجاجتين من «الكحول الأحمر» وسكبهما على جسده ثم ثلاث زجاجات من الكولونيا ليتم بها عملية التطهير.
اتفق أدباء ومفكري عصر العندليب علي تفرد موهبته، إذ يروي الكاتب الكبير أنيس منصور قائلاً في إحدى مقالاته: «أمضيت ليلة عند عبد الحليم، وهو يجري بروفات أغنية (موعود) وهي من أجمل ألحان بليغ حمدي وأكثرها زخرفة موسيقية، وكان الإرهاق بادياً على حليم، ولا هو يسكت ويستريح ولا الفرقة الموسيقية... وأحسست كأنها آخر أغنياته، فهو مثل الطائر الذي يغني أجمل ما لديه قبل أن يموت.
أما الأديب توفيق الحكيم، فقال عنه: وجدت في صوته نسيجاً يشبه القطيفة فهو ليس مجرد نعومة كالحرير بل في نعومته متانة القطيفة، وكنت كلما سمعته ثم راقبته وهو يغني، وجدت أن الصوت لا يخرج من فمه كأغلب المطربين، ولكنه يصعد مباشرة من أعماق قلبه، ولذلك فإن صوته لا يملأ الأذن بل يملأ القلوب.
قد يهمك ايضا
دبي أوبرا يستضيف الحفل الهولوغرامي الأول للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في عيد الفطر
بعد مقارنته بعبد الحليم حافظ تامر حسني يشكر صابر الرباعي
أرسل تعليقك