بين مؤيد ومعارض لتوجه إقليم كاتالونيا للانفصال عن إسبانيا، تتباين الآراء حول تبعات تلك الخطوة على المستوى الاقتصادي، فبينما يرى البعض فوائد محتملة للانفصال، إلا أن هناك كثيرا ممن يحذرون من أن التبعات السلبية لن تنعكس على إسبانيا وحدها، بل ربما تهدد بانهيار اقتصاد الإقليم ذاته. ووفقا للاستطلاع الذي أجراه معهد كاتالونيا الحكومي في يوليو/تموز الماضي، فإن 41.1 في المائة من سكان الإقليم يريدون الاستقلال، في حين يعارضه 49.4 في المائة، ويعتقدون أنه لا يصب في مصلحة الإقليم.
وتعد ورقة الاقتصاد من بين أهم أوراق النزاع بين الإقليم وإسبانيا، حيث يرى مؤيدو الانفصال أن اقتصادهم مظلوم في طيات اقتصاد المملكة الإسبانية، حيث يسهم بجزء كبير من الناتج المحلي، بينما لا يستفيد بشكل كافٍ من الاقتصاد العام.
من الجانب الإسباني، تقول وزارة الاقتصاد الإسبانية، إنه حال استقل الإقليم فربما سيكون على مدريد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وقالت: إن الناتج المحلي للبلاد سينخفض بنسبة تراوح بين 25 و30 في المائة بخلاف تضاعف أرقام البطالة. وتحتل كاتالونيا المرتبة الرابعة لجهة إجمالي الناتج المحلي للفرد بمتوسط 28.6 ألف يورو، خلف كل من مدريد، وإقليم الباسك الشمالي، ونافارا المجاورة. في حين يبلغ متوسط إجمالي الناتج المحلي للفرد في إسبانيا 24 ألف يورو.
كما تحتل كاتالونيا صدارة المناطق الإسبانية في مجال التصدير بفارق شاسع، ففي 2016 وفي الربع الأول من 2017 تم تصدير ربع ما تنتجه إلى الخارج. كما جذبت كاتالونيا 14 في المائة من الاستثمارات الأجنبية في إسبانيا في 2015 بفارق كبير عن باقي المناطق الإسبانية، باستثناء العاصمة مدريد التي استقطبت 64 في المائة من تلك الاستثمارات، بحسب أحدث البيانات الصادرة عن وزارة الاقتصاد.
وتتمركز في برشلونة عاصمة كاتالونيا المقار الرئيسية للكثير من الشركات الكبرى كمجموعة "مانغو" للمنسوجات، و"كايشا بنك" ثالث أكبر مصرف في إسبانيا، وشركة الغاز الطبيعي "غاز ناتورال"، وعملاق الطرق السريعة "أبرتيس"، وشركة العطور "بويج" التي تملك "نينا ريتشي" و"باكو رابان" و"جان بول غوتييه".
إسبانيا قد تتضرر كثيراً
وحول التبعات السيئة على إسبانيا، أشار موقع هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسبانية إلى أن إسبانيا ستنتقل من المرتبة الخامسة إلى السادسة من الناتج الإجمالي للاتحاد الأوروبي. ولفت الموقع إلى تصريح وكالة التصنيف "موديز"، الذي قال: إن الاستقلال من شأنه أن يضعف قوة الاقتصاد الإسباني. وأضاف الموقع: ستكون البنوك القائمة على الكاتالونية خارج السوق الأوروبية؛ لأن البنك المركزي الأوروبي سيتوقف عن ضخ السيولة التي يحتاج إليها الاقتصاد الناشئ للإقليم. والواقع أن هناك بنوكا أعلنت بالفعل نقل مقراتها خارج كاتالونيا لمواصلة العمل في إطار النظام النقدي الأوروبي.
وفي هذا الإطار، أيضا أشارت صحيفة "إيه بي سي" في تقرير لها أمس، تحت عنوان "الكارثة الاقتصادية من انفصال كاتالونيا"، إلى توقعاتها أن يقاطع الشعب الإسباني منتجات الإقليم، مذكرة بما تتجاوزه مبيعات الشركات الكاتالونية لباقي إسبانيا (44 مليون دولار)، وما تحققه صادرات الإقليم إلى خارج إسبانيا (60 مليون دولار)، علاوة على انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 30 في المائة على المدى القصير. وبحسب الصحيفة، أوضح الخبير الاقتصادي كارميلو تاغادورا، أن انفصال كاتالونيا يعد بمثابة لعبة يخسر فيها الإقليم والحكومة المركزية، وقال: لن يكون هناك مكاسب للجانبين، كاشفا أنه في حال إعلان الاستقلال من جانب واحد ستقع كاتالونيا خارج الاتحاد الأوروبي ولن يكون انضمام الإقليم موضع ترحيب بالاتحاد الأوروبي.
انقسام في الإقليم
وحتى داخل الإقليم نفسه، تنقسم آراء المحللين حول التداعيات الاقتصادية التي ستقع على الإقليم حال اختيار كاتالونيا لخيار الاستقلال، فالفريق الأول يرى أن انفصال كاتالونيا لن يساهم في النهوض باقتصاد الإقليم وتحسين أوضاعه، بل على العكس سيكون له تداعيات اقتصادية كارثية، حيث يتوقع هذا الفريق أن يساهم الانفصال في ارتفاع معدلات البطالة وخفض الناتج المحلي للإقليم بنسبة 14.2 في المائة، كما يتوقع أن تنخفض معدلات التجارة بين الإقليم وإسبانيا، آخذا في الاعتبار أن 35.5 في المائة من الصادرات الكاتالونية تتجه إلى إسبانيا، وهو ما يجعلها وريدا أساسيا في اقتصاد الإقليم.
وحذّر هذا الفريق من مخاطر هرب رؤوس الأموال وفقدان كاتالونيا مقرات عدد كبير من الشركات وانتقالها إلى مدن أخرى في إسبانيا، موضحاً أن شركات كثيرة وضعت للتو خططا بديلة في حالة أدى الاستفتاء إلى الاستقلال إضافة إلى ذلك، فإن إنشاء دولة جديدة سيؤدي بدوره إلى إنفاق مليارات الدولارات على تجهيز البنية التحتية اللازمة وإنشاء هياكل حكومية جديدة ودفع رواتب العاملين، فضلا عن تكاليف اعتماد عملة جديدة، وكل ذلك سيتم بالتزامن مع هرب رؤوس الأموال والاستثمارات؛ الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى تضخم مفرط في الاقتصاد الكاتالوني.
ويرى هذا الفريق من المراقبين، أن المعضلة الكبرى هنا تتمثل في الانفصال عن أوروبا والخروج خارج منطقة اليورو وفقدان جميع الميزات التي يمنحها الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يعد ضروريا للإقليم حتى يتمكن من المضي قدما في بناء الدولة الكاتالونية المستقلة.
وفي هذا السياق، تنبأت صحيفة "الإيكونوميست" الإسبانية، أن تتحول مدينة برشلونة، حال الانفصال عن إسبانيا، إلى جزيرة منعزلة، حيث توقع التقرير أن تنفق الدولة الجديدة مليارات الدولارات على تجهيز البنية التحتية اللازمة ودفع رواتب العاملين، وأن يكون ذلك بالتزامن مع هرب رؤوس الأموال والاستثمارات، الأمر الذي قد يؤدي إلى تضخم مفرط في الاقتصاد الناشئ.
المؤيدون يرون صورة مشرقة
في المقابل، يرى فريق آخر، وهو الفريق المؤيد للانفصال، أن حكومة كاتالونيا تخسر مبالغ طائلة بسبب انتمائها إلى إسبانيا، وهو ما تقدره بما يبلغ 16 مليار يورو (9. 18 مليار دولار) سنوياً؛ الأمر الذي ترفضه حكومة مدريد. ويؤكد هذا الفريق أن كاتالونيا في حالة انفصالها لن تعاني عجزا ماليا؛ لأنها في الوقت الحالي تسدد ضرائب لمدريد تفوق ما تحصل عليه بالمقابل.
ويمثل إقليم كاتالونيا ثقلاً اقتصاديا في البلاد؛ إذ يشكل خُمس الاقتصاد الإسباني، كما يمتاز الاقتصاد الكاتالوني بكونه منوعاً للغاية، وببنيته الإنتاجية الأكثر توازنا بالمقارنة مع المناطق الإسبانية الأخرى.
وتعتبر كاتالونيا المساهم الأكبر في الناتج المحلي الإجمالي الإسباني، حيث تشكل نسبة 19 في المائة من القدرة الإنتاجية في إسبانيا، وحقق الإقليم أكثر من 211 مليار يورو (نحو 250 مليار دولار) من الناتج المحلي الإجمالي لإسبانيا عام 2016.
في ضوء هذه الحقائق، يتوقع هذا الفريق من المحللين أن الانفصال سيؤدي إلى التحكم في إدارة الموارد المالية للإقليم بعيدا عن الحكومة المركزية، وهو ما قد يصب في مصلحة كاتالونيا، متوقعين أنه في حال الانفصال فإن الناتج المحلي للإقليم سيظل ثابتا على المدى القصير وسيرتفع بنسبة 7 في المائة على المدى الطويل.
ووفقا لأصحاب هذا الرأي سيساهم الانفصال في خلق 71 ألف فرصة عمل من أجل تلبية مطالب الهياكل الحكومية الجديدة وإداراتها، وهو ما سيعمل بدوره على خفض معدلات البطالة، وبخاصة أن كاتالونيا تسجل نسبة بطالة منخفضة مقارنة بباقي مناطق البلاد، حيث تصل إلى 13.2 في المائة، بينما تبلغ نسبتها 17.2 في المائة على الصعيد الوطني خلال النصف الثاني من عام 2017.
ويخلص أصحاب هذا الفريق إلى أنه توجد الكثير من المعطيات التي تدعو للقول إن كاتالونيا - في حال انفصالها - ستكون قادرة على تحقيق استقرارها الاقتصادي، لكن بالنظر إلى مختلف الاعتبارات الاقتصادية القائمة، فإن اقتصاد كاتالونيا لا يخضع فقط للسياسة المالية للإقليم، لكنه يعتمد أيضا على قرارات الفاعلين الخارجيين مثل الاتحاد الأوروبي ودولة إسبانيا.
وبالتالي، يتجه هذا الفريق إلى القول إن الإقليم قد يكون قادرا على مواصلة مسيرته كدولة مستقلة، شريطة بقائه ضمن الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي، أما في حالة إعلان الانفصال من جانب واحد دون موافقة إسبانيا – وهو الاحتمال الأقرب للواقعية - فإن ذلك سيضع كاتالونيا خارج المنظومة الأوروبية، وهو ما سيشكل عائقا حقيقيا أمام الإقليم، حيث إن عودته من جديد تحت مظلة الاتحاد لن يكون موضع ترحيب من قبل الأوروبيين؛ وهو ما قد يتسبب في أزمات متفاقمة للإقليم حديث الاستقلال.
أرسل تعليقك