واشنطن - العرب اليوم
شهدت الأسواق المالية خلال الساعات القليلة الماضية تحولًا بالغًا، إذ انتقلت بوصلتها من فئة "المخاطر التقليدية"، سواء تلك الاقتصادية أو الجيوسياسية، للتحول إلى خانة "المخاطرة الكبرى" مع التصعيد غير المسبوق الذي تشهده الساحة الدولية بين أميركا وكوريا الشمالية، وهو ما ظهر جليا في تحول "الفرنك السويسري" إلى نجم الأسواق والهدف الرئيسي لجميع طالبي "اللجوء المالي الآمن" بين ليلة وضحاها.
ومن المعروف أن الأسواق المالية العالمية تعد في غاية الحساسية لمثل تلك التغيرات الحساسة على الصعيد العالمي، وارتفع الملاذ الآمن "تقليديا" الفرنك السويسري أمام الدولار واليورو أمس الأربعاء، ليسجل أعلى ارتفاع يومي له مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وذلك للمرة الأولى عقب واقعة الصدمة التي قام بها البنك الوطني السويسري (المركزي السويسري) للأسواق عبر تخفيض الربط بين العملة المحلية واليورو في يناير (كانون الثاني) 2015.
ويعد الفرنك أكثر "الحصون" الآمنة للمستثمرين في أوقات الضغوط السياسية والاقتصادية، ومع ذلك كانت التحركات الأوسع نطاقا في السوق محدودة في أعقاب تصعيد ترامب "غير المسبوق" ضد كوريا الشمالية، متوعدًا بيونغ يانغ بـ"النار والغضب"، وهو الوعيد الذي أثر على أداء عائدات الخزانة الأميركية للسندات العشرية لتفقد ما يقرب من 0.01 % (تتناسب العائدات عكسيًّا مع ارتفاع أسعار السندات) الأربعاء.
وارتفع الفرنك بنحو 1.4 % إلى 0.9611 فرنك لليورو في التعاملات المبكرة صباح الأربعاء، أما مقابل الدولار فقد ارتفع 0.6% ليصل إلى 0.9688 فرنك، ليعكس موجة الخسائر التي امتدت لأسبوعين على التوالي، ومن المرجح أن يؤدي ارتفاع الفرنك مقابل الدولار إلى التخلص من المضاربات المالية خلال الأيام القليلة المقبلة، وبالفعل سجلت صناديق التحوط بعض التحلل من المراهنات المالية التي تعتمد فيها الصناديق على الفرنك كونه عملة اقتراض للاستثمار في بلدان أخرى مثل أصول اليورو وغيرها.
ولا يوجد سوابق كثيرة (لحسن الحظ) لكيفية التعامل المالي مع احتمالات خطر الدمار النووي، وقد تكون الحادثة الأقرب شبهًا للوضع الحالي في الأسواق هي "أزمة الصواريخ الكوبية" في عهد الرئيس الأسبق جون كينيدي عام 1962، فعصر الثلاثاء توعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب كوريا الشمالية "بالنار والغضب" ردًّا على برنامجيها النووي والباليستي، في حين رفعت كوريا الشمالية تهديداتها بعد ساعات وقالت إنها تدرس خططًا لتسديد ضربات صاروخية قرب منشآت عسكرية أميركية في جزيرة غوام بالمحيط الهادي، وعقب تلك المناوشات التي تحمل أبعادًا "نووية"، تراجعت أسهم وول ستريت في تعاملات مساء أول من أمس الثلاثاء ووضعت نهاية لتسعة أيام من إغلاق مؤشر داو جونز على ارتفاعات قياسية.
وفي أوروبا، ان
خفضت الأسهم وأغلقت بورصة لندن بخسارة 0.8 % فيما خسرت بورصتا فرانكفورت وباريس 1.3 و1.8 % على التوالي. وقوبلت الأخبار بالقلق في آسيا، حيث خسرت بورصة طوكيو 1.3 % وهونغ كونغ 0.4 % فيما سجلت بورصة سيول تراجعا بنسبة 1.1 %، وتجنب المستثمرون الأسهم المحفوفة بالمخاطر ولجأوا إلى الملاذات الآمنة، مثل الذهب والين الياباني وأسواق السندات، وفي تعاملات الصرف الأجنبي، سجل الدولار تراجعًا هو الأكبر في شهرين، وانخفض مؤشر الدولار أمام العملات الرئيسية بنحو 0.01 % إلى 93.60 نقطة. وبلغ سعر صرفه 109.66 ين، فيما سجل اليورو انخفاضًا هو الأكبر له خلال ثلاثة أسابيع مقابل الين الياباني.
وواصلت الأسهم الأميركية تراجعها عند الفتح أمس مع إقبال المستثمرين على الأصول الآمنة. وانخفض مؤشر "داو جونز" الصناعي 63.37 نقطة أو 0.29 % إلى 22021.97 نقطة، وتراجع المؤشر "ستاندرد آند بورز" 500 بمقدار 9.74 نقطة أو 0.39 % إلى 2465.18 نقطة. ونزل المؤشر "ناسداك" المجمع 49.53 نقطة أو 0.78 % إلى 6320.93 نقطة. وعلى الرغم من أن "داو جونز" تمكَّن إلى حد كبير من تجنب الانكماش الحاد الذي شهده نظراؤه الأوروبيون، فإنه كان (حتى عصر أمس بتوقيت نيويورك) لا يزال منخفضًا بنحو 60 نقطة، ولا يزال المؤشر فوق مستوى 22000 نقطة، وسيكون من المثير للاهتمام معرفة مدى تخطى المؤشر لخيبات الأمل السياسية المستمرة للرئيس ترامب، وفعليًّا سوف يمثل اتجاه المؤشر في ختام جلسة الأربعاء تغيرًا قياسيًّا في أي من الاتجاهين التصاعدي أو النزولي.
من جهة أخرى، ارتفعت أسعار الذهب بحلول الساعة 1215 بتوقيت غرينتش، حيث زاد في المعاملات الفورية 0.8 % إلى 1270.49 دولارًا للأوقية (الأونصة). وارتفع في العقود الأميركية الآجلة تسليم ديسمبر (كانون الأول) 1.1 % إلى 1276.50 دولارًا للأوقية، فيما كان الذهب تراجع الثلاثاء إلى أدنى مستوى في أسبوعين بعد بيانات أقوى من المتوقع عن الوظائف الأميركية أثرت سلبًا على المعدن النفيس وتحول الدولار للصعود، في حين يترقب المستثمرون صدور بيانات التضخم الأميركية في وقت لاحق هذا الأسبوع بحثا عن مزيد من الدلائل على وتيرة رفع أسعار الفائدة... لكن يبدو أن كل العوامل التقليدية لتحركات العملات والمعادن والأسواق أصبحت في قبضة التوتر، وصارت هناك عوامل أخرى "غير معلومة الأبعاد" تتشكل في الأفق.
أرسل تعليقك