أثار انتشار شركات الصرافة الريبة بشكل كبير في أغلب المدن العراقية، بعد أن وصلت إلى ٢٠٠٠ شركة في الوقت الذي يعاني فيه البلد من حالة حرب وركود اقتصادي، منذ يونيو/حزيران ٢٠١٤ وحتى الآن، علمًا بأن تأمينات الشركة الواحدة ٥٥٠ مليون دينار ولا يوجد قانون ينظم عملها. وتحقّق شركات الصرافة التي يقودها- وفق ما يقول متابعون للملف بينهم برلمانيون- عدد من السياسيين ورجال الأعمال المقربين من الأحزاب الحاكمة، أرباحًا هائلة من بيع الدولار بسعر غير رسمي للمواطنين في السوق.
وتبيع شركات الصرافة الدولار الواحد للمواطنين بـ1287 دينارًا، بينما يلزمها البنك المركزي ببيعه بـ1195 دينارًا لأنها تشتريه من مزاد العملة الذي ينظمه البنك المركزي يوميًا بـ1182 دينارًا. ويقول أحد العاملين في الصرافة في بغداد، همام هاشم، أن "الدولار الرسمي وغير الرسمي مسؤول عنه عدد كبير من التجار المرتبطين بالسياسيين، إذ يحققون ربحًا كبيرًا في المليون دولار الواحد يقدّر بـ88 ألف دولار إذا باعوه داخل العراق، وهذه العملية تجري يوميًا"، مشيرًا إلى أن "البنك المركزي يبيع يوميًا أكثر من مائة مليون دولار بهدف تغطية الاستيراد".
ويضيف أن "هذه الأموال تهرّب إلى خارج العراق ويجري بيعها هناك، حيث تحقق أرباحًا أكثر من الداخل"، لافتًا إلى أن "أغلب المصارف الخاصة وشركات الصرافة مسؤولة عن عملية تهريب العملة التي يتم شراؤها من مزاد العملة الذي ينظمه البنك المركزي". ويلفت إلى أن "العراقيين يتعاملون اليوم بالدولار، لأن أغلب البضائع في الأسواق مستوردة"، مؤكدًا أن "المضاربين ينتظرون أي مشكلة تحدث في البلاد من أجل زيادة سعر بيع الدولار، وفي بعض الأحيان يقومون ببث الإشاعات بهدف جني الأرباح".
ولجأ البنك المركزي أخيرًا إلى إدخال المصارف الحكومية إلى مزاد العملة الخاص ببيع الدولار، والذي ينظمه يوميًا من أجل السيطرة على سعر الدولار في السوق، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل، وذلك لعدم سيطرته على الشركات التي يبلغ عددها أكثر من ألفي شركة، بعضها غير مجاز، وفقًا لعدد من خبراء المال والاقتصاد.
من جهة أخرى، يؤكد الخبير المالي ماجد الصوري، أن "الفرق بين السعر الرسمي وغير الرسمي للدولار ناجم عن ارتفاع الطلب وقلة العرض، وهذا بسبب الجشع الكبير لبعض الزبائن، وخصوصًا شركات الصرافة التي لا تخضع لتعليمات البنك المركزي".
ويوضح الصوري، الذي كان عضو مجلس إدارة البنك المركزي، ممثلًا لرابطة المصارف الخاصة، أن "البنك المركزي اتخذ إجراءات عدة لمواجهة سعر الدولار غير الرسمي، منها الاتفاق مع المصارف الحكومية على إنشاء شركة صرافة لبيع الدولار ومنافسة الشركات الأهلية". ويلفت إلى أن "زيادة سعر الدولار تؤثر كثيرًا على العمليات الاقتصادية للشركات والأفراد، وتؤدي إلى زيادة الكلفة التي تنعكس على العملية الاستهلاكية، وكذلك على الخدمات المقدمة إلى المواطنين".
ويوضح رئيس مركز الإعلام الاقتصادي، ضرغام محمد علي، أن "ارتفاع سعر الدولار غير الرسمي يعود إلى قدرة قنوات بيع الدولار المتمثلة بمصارف وشركات صرافة على احتكار الدولار وإنشاء لوبيات للتحكم بسعر صرفه رغم الرقابة من قبل البنك المركزي، بالإضافة إلى تحديد كميات الدولار المباعة من قبل البنك المركزي العراقي في ظل تراجع عائدات الدولار واحتياطي العملة الأجنبية". ويضيف أن "السوق العراقية سوق استهلاكية لتصريف بضائع الدول الأخرى التي تبيع بضائعها بالدولار، فارتفاع سعر الصرف سيؤثر على الأسعار، حيث ترتفع كلفة السلع والبضائع مع ارتفاع سعر صرف الدولار، وهو ما يخلق هزات تضخمية ناتجة من عوامل خارجية".
ويكشف الباحث الاقتصادي، سجاد عواد، أن "عددًا من شركات الصرافة، يبلغ وفق التقارير الاقتصادية الحكومية، أكثر من ألفي شركة، منها شركات غير رسمية، تقوم بعملية سلب المواطن عبر بيع الدولار بفرق كبير جدًا يبلغ تسعة آلاف دينار في المائة دولار"، مضيفًا أن "السياسة النقدية للبنك المركزي تحتوي على مشاكل كثيرة، وهو غير مسيطر على السوق".
وقال مدير عام مراقبة الصيرفة والائتمان في البنك المركزي العراقي وليد عيدي، كان في العراق ٣٤٠ شركة صيرفة في عام ٢٠٠٣ بينما الآن ١٩٧٠ شركة صيرفة مجازة و٣٠ قيد الموافقة في البنك المركزي، ومن ضمن نشاطات البنك المركزي هو بيع الدولار عن طريق النافذة الواحدة إلى شركات الصيرفة من أجل توفير العملة الأجنبية للمواطن، وتمكن البنك المركزي طيلة الفترة السابقة من القيام بزيارات تفتيشية وتقويمية لهذه شركات الصيرفة ومنع المخالفات ومحاسبة المقصرين في عملهم. وأكد وليد عيدي أن تأمينات الشركة الواحدة في البنك المركزي تبلغ ٥٥٠ مليون دينار عراقي، وإن البنك المركزي في مزاده للعملة يغطي شركات الصيرفة عبر النافذة الواحدة لمزاد العملة".
وأوضح الدكتور هيثم العنبكي أكاديمي متخصص في الشؤون المالية أن موضوع شركات الصيرفة وأسلوب عملها وأهدافها كان يفترض بالبنك المركزي منذ إعطاء تسجيل هذه الشركات أن تكون واضحة لتكون شيء داعم للسياسة النقدية بالنسبة للعملة الأجنبية وفي أسلوب توزيعها لسد حاجة المستوردين لتكون داعم للمصارف الأهلية والحكومية بتوزيع هذا النقد بشكل أوسع، لكن مشاكلها بدأت تتفاقم لعدم الوضوح في بعض الأحيان في التعليمات والتشريعات التي تأسست بموجبها وبين فترة وأخرى نحتاج إلى إعادة النظر بهذه القوانين لكي نتمكن من حل المشاكل لإتاحة فرصة للعمل لهذه الشركات". وأشار إلى "أن السياسة الاقتصادية بشكل عام تحتاج إلى إعادة نظر بتشريعاتها لتكون منسجمة مع التقدم الاقتصادي والتحول الاقتصادي الذي نسعى إليه من اقتصاد منغلق إلى اقتصاد مفتوح وتشريعاتنا لا تسمح بهذا التحول".
وحلل العنبكي ما كشفه تحقيق استقصائي عن عمل عدد كبير من شركات الصيرفة والتحويل المالي مع تنظيم داعش قائلًا: "نحن لا نريد أن ندخل في موضوع عملهم مع تنظيم داعش أو غيره، لكننا نقول انعدام الرقابة وعدم وجود حدود تشريعية تحكم السياسة النقدية بالذات وكل شيء متوقع لأننا بتشريعاتنا الحالية لم نتمكن من الحد من تهريب العملة إلى الخارج، والجميع يعلم أن هناك عملة صعبة تخرج من العراق بشكل غير رسمي، فبالتأكيد أين تذهب؟ طبعًا لمشاريع غير قانونية وفيها ضرر على العراق".
وطالب العنبكي بإعادة النظر بالتشريعات القانونية التي تحدد عمل شركات الصيرفة والمصارف الأهلية لكي تكون لنا وقفة جديدة مع السياسة النقدية التي يسعى لها البلد، الذي حتى الآن يعاني من انهيار اقتصادي، بسبب عدم وضوح السياسة النقدية، وقال: "نحن كأكاديميين من واجبنا توضيح الخلل للجهات الرقابية والسلطات التشريعية لإعادة النظر به".
أرسل تعليقك