الخرطوم ـ محمد ابراهيم
فاجأت الحكومة السودانية الجميع، في الوقت الذي استبشرت فيه قطاعات كبيرة من الشعب السوداني بمخرجات الحوار الوطني، وقررت تنفيذ حزمة إجراءات اقتصادية، وصفها كثير من الخبراء والسياسيين بأنها "صعبة وقاسية"، حتى إن ذات القول جرى على ألسنة عدد من قادة الحزب الحاكم، لأن هذه الإجراءات تبدو كبيرة جدًا، مع كل الجراحات الشاقة، التي أجرتها الحكومة على جسد الاقتصاد المنهك، وهو ما أوجد حالة من الرفض لدى كثير من المواطنين، بينما رأى فيها آخرون ضرورة لتعافي الاقتصاد السوداني.
وتبرأ "الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل"، المشارك في الحكومة، الأحد، من الزيادات الحالية للأسعار، والإجراءات الإقتصادية الحرجة، التي نفذتها الحكومة، وأعلن عن تكوين لجنة لمقاومة هذه السياسيات الجديدة، مؤكدًا أن وزرائه، المشاركون في الحكومة، لم تتم مشارورتهم مطلقًا بشأن هذه القرارات، وأن المؤتمر الوطني، الحاكم الفعلي، وصاحب الأغلبية، هو من اتخذ هذه الخطوات، غير المبررة.
ولم تكن القوى السياسية بعيدة عن المعلب والمشهد الاقتصادي، لكنها اكتفت بدلق الأحبار على الورق، بعدما عجزت عن النزول إلى الميادين لمناهضة القرارات، في خطوة جديدة، وصفها مراقبون بأنها خذلان متكرر للشعب، وربما لذلك سارعت في خطوة تعويضية، لاستصدار بيانات شاجبة لزيادة أسعار المحروقات والكهرباء، على اعتبار أنها تعد الأخطر في أي سياسة اقتصادية، وهو ما ذهب إليه "حزب الأمة القومي"، الذي وصف، في بيان له، القرارات بأنها تفتقر إلى الشفافية، وقال إنه كان ينبغي أن تُطرح في مؤتمر صحافي، يسميها باسمها، بدلاً من محاولة التعمية، ويتم شرح مسوغاتها وتوابعها، وكيفية معالجة سلبياتها على الشرائح الضعيفة، وعلى مجمل الإنتاج والصناعة الوطنية، لافتًا إلى أن القرارات جاءت في شكل ملتبس، حيث أعلن عن الزيادة في سعر البنزين، والغازولين باللتر، رغم أن السعر يُحدد بالجالون، ما أخفى أن الزيادة في سعريهما بلغت نحو 31%، جيث كان سعر جالون البنزين 21.5 جنيه، وصار 28 جنيهًا، وكان سعر الغازولين 14.5 جنيه، فصار 19 جنيهًا. ولفت البيان إلى أن سعر الكهرباء زاد بواقع 150%، ما يُشير إلى أن هناك خطة محكمة لـ"خنق المواطن"، الذي لم يكن وضعه ليحتمل المزيد. ومضى البيان قائلاً: "إن حزمة السياسات الرعناء الأخيرة هي بمثابة إعلان حرب على الشعب السوداني".
وشدد الحزب على أنه يمكن قيام مؤتمر اقتصادي قومي بحق، يرسم السياسات البديلة، بعيداً عن مؤتمرات النظام، التي تحشد الموالين، ولا يُسمع حتى لرؤاهم، فتترك ميتة في أضابيرها، لافتًا إلى أن الأزمة السودانية شاملة، ومتداخلة، فهي أزمة نظام حكم، مؤكدًا أنه لا يمكن حدوث أي اختراق في الملف الاقتصادي، أو غيره، إلا ضمن حاضن، يتمثل في حكم قومي ديمقراطي، يعقد المؤتمرات الضرورية للخلاص الوطني، وينفذ سياساتها، أما النظام الحالي فهو، بهياكله وأشخاصه وسياساته، سر الأزمة وسببها، ولا يمكنه تقديم الحلول.
وأضاف البيان أن المخرج الوحيد لأزمات الوطن هو التحول إلى نظام جديد، من أهم آلياته تصعيد العمل المقاوم الرافض للسياسات الحكومية السلبية، ومضى يقول: "إننا سنقاوم بكل جهاد مدني ممكن هذه السياسات الجائرة".
ووصف رئيس منبر السلام العادل، المهندس الطيب مصطفى، الخطوة بـ"الغريبة"، وقال: "لو أنهم برروا الزيادة بأنهم سيرفعوا النسبة المخصصة للتعليم، الذي يعاني، كمًا وكيفًا، بعد أن أعلنت الوزارة أن الأميين بلغ عددهم تسعة ملايين نسمة، أو إلى الخدمات الصحية، لربما وجدنا لهم بعض العذر، أما أن يُعلن عن زيادة، في أول نوفمبر / تشرين الثاني، بعد إجازة موازنة، كانت مرهقة أصلاً، فإنه أمر غريب بحق"، منوهًا بأن القطاع الخاص، المنهار أصلاً، سينهار أكثر، رغم أنه الرافعة الأولى للنهضة، أما الاستثمار الأجنبي فحدث ولا حرج، لأن الموجود الآن سيهرب ويغادر.
ورأى "حزب المؤتمر السوداني"، أن الحكومة اختارت الدرب السهل، وذلك بأن حمّلت المواطن نتائج أخطائها، وفشلها في خلق بدائل اقتصادية تخرج البلاد من حالة الموت السريري، التي تعيش فيها، وذلك بزيادة أسعار الوقود والأدوية والكهرباء. وقال أمينه السياسي، أبوبكر يوسف: "مع أن هذه الخطوة سيترتب عليها ارتفاع أسعار سلعٍ أساسيةٍ أخرى، لكن الحكومة تبّنتها، لمواجهة إنفاقها العبثي، فيما لا طائل منه، ولا يفيد المواطن، ولمقابلة الصرف على جهازها السياسي المترهل". وأشار إلى أن حالة الانهيار، التي يعيشها الاقتصاد السوداني، هي نتيجة طبيعية لإدارة الدولة بشعارات جوفاء، لا تغني ولا تسمن من جوع، ويُفتقد فيها الحد الأدنى من التخطيط العلمي والاستراتيجي، الذي نهض بدول العالم الأول. وأضاف: "هي نتيجة ليست معزولة عن مجمل سياسات الإنقاذ، المبنية على لا شيء، سوى الإصرار على البقاء على كرسي السلطة، وهي سياسات فشلت أن تشكل رافعة لأي مصلحة عامة، طوال 27 عامًا من الفشل، الذي لحق بجميع المؤسسات والبنى التحتية، التي كانت تشكل عماد الاقتصاد السوداني.
أرسل تعليقك