بغداد- نجلاء الطائي
أكدت إحصائية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية، أن أعداد العاملين الأجانب في العراق قد تصل إلى 200 ألف شخص، من جنسيات مختلفة عربية وغير عربية، فيما حذر خبير اقتصادي من ارتفاع نسبة البطالة في العراق إلى أكثر من 40 في المائة، وفقًا لتقارير رسمية.
ووفقًا للناطق باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، عمار منعم، فإن مجلس الوزراء أصدر قرارًا خاصًا بتنظيم العمل للأجانب في البلاد حمل رقم "130"، يُلزم أصحاب الشركات وأرباب العمل بأن تكون نسبة العراقيين 50% بين العاملين على الأقل، من أجل توفير فرص عمل للشباب العراقي، مضيفًا أن القرار يعطي الحق للشركات الأجنبية العاملة بأن تستجلب ألف عامل كحد أقصى، لكن بعضها أصبحت تتحايل على القانون وتجلب أعدادًا كبيرة قد تصل إلى خمسة آلاف عامل، وتقوم بتوزيعهم في السوق بالاتفاق مع بعض أصحاب المكاتب الخاصة، وهو ما يعرض المسؤولين عن ذلك للغرامة المالية وترحيل العمالة الفائضة.
وأشار منعم، إلى أن أعداد العاملين الأجانب في العراق قد تصل إلى 200 ألف شخص، من جنسيات مختلفة عربية وغير عربية، تسعى السلطات الحكومية إلى "ترتيب أوضاعهم قانونيًا وحماية حقوقهم وضمان عدم تعرضهم للابتزاز أو المضايقة"، كما أن الحكومة "حريصة على إقامة توازن بين السماح بتغطية احتياجات السوق العراقية للعمالة الأجنبية إلى جانب تلبية حق الشاب العراقي في الحصول على عمل يحميه من الفقر والحاجة"، لذا تم التركيز على وضع نسبة خاصة لأعداد الأجانب في أماكن العمل، وتطبيق هذا القانون على الجهات التي لا تلتزم به.
من بين أصوات الباعة التي تعلو في منطقة "الباب الشرقي" في بغداد، يتناهى إلى سمعك صوت فيه لكنة غير عراقية، إنه محمد عبدالغني المصري، الذي يقيم في العراق منذ نحو ثلاثين عامًا، لديه بسطة يبيع فيها بعض الأدوات المنزلية، يقول أنه لم ير أهله منذ قدم إلى العراق، وقد تعود على البيئة التي احتضنته طيلة تلك الأعوام، وأصبح يعتبر نفسه جزءً منها، حيث تزوج من عراقية وأصبح له أصدقاء ومعارف، وقد ذاب تقريبًا في النسيج الاجتماعي لهذه البلاد.
وليست هذه حال محمد وحده، فالعراق اليوم يغص بالعمالة الوافدة، التي قدم بعضها منذ أعوام طويلة، وفضل البقاء هنا للأبد ربما، ورغم أن أعدادهم ليست كما كان عليه الحال قبل الاحتلال الأميركي، إلا أن العراق ما زالت فيه بعض فرص العمل كما يؤكد محمد، كما أن شعبه سهل التعامل ويتيح لك الإندماج والذوبان فيه بسهولة.
أما علي متولي القادم من مدينة المنيا في صعيد مصر، أكد أن العراق ما زالت فيه فرص عمل جيدة رغم أوضاعه الأمنية، مضيفًا أثناء جلوسه مع بعض أصدقائه على مقهى قديم في منطقة باب الشيخ وسط بغداد، أن جميع المصريين هنا مرتبطين بأعمال ومهن تدر عليهم دخلًا لا بأس به، ومعظمهم قد انقطعت علاقاتهم بأهلهم بسبب عدم قدرتهم على زيارتهم بين الحين والآخر ولم تتبق إلا الاتصالات الهاتفية كل فترة.
وبشأن المهن التي يعملون فيها، لفت علي إلى أن بعض المصريين اليوم يعملون في المطاعم والمقاهي، أو كباعة في الأسواق الشعبية، وبعضهم يمتلك محلات خياطة أو لبيع بعض السلع والمواد الغذائية، فيما يتوزع الباقون على مهن أخرى بسيطة في معظمها، لكنها تدر عليهم دخلًا لا بأس به، يعينهم على دفع متطلبات عيشهم وربما إرسال بعض المال إلى ذويهم بين الفترة والأخرى.
وتقدّر غرفة التجارة العراقية في بغداد عدد العمالة المصرية التي وصلت خلال أقل من عام بنحو 8 آلاف مصري، يعملون في بغداد ومدن الجنوب وإقليم كردستان العراق، غالبيتهم في مجال البناء والحفر، بينهم مهندسون وخريجو جامعات، وتتراوح أعمارهم بين 22 و35 عامًا.
ومن جانبه، أوضح عضو غرفة تجارة بغداد، فاضل عبدالنبي، أن "العمال المصريين يأتون للعراق للعمل مضطرين بسبب تأزم الأوضاع الاقتصادية في مصر"، مضيفًا "الشارع العراقي يُجمع على محبة العمل مع المصريين"، مبينًا أن عددهم مقارنة بما كان عليه في فترة الثمانينيات وحتى التسعينيات قليل جدًا، لكن زادوا بشكل كبير في الفترة الأخيرة.
وتابع عبدالنبي: "من المفارقات أن يبحث العراقيون عن فرصة للانتقال للعيش في مصر بينما الشباب المصريون يأتون للعمل في العراق، رغم المخاطر الأمنية وسوء الأوضاع في البلاد"، وبلغ عدد المصريين الذين قُتلوا، في الأشهر الأربعة الماضية جراء أعمال العنف، 5 أفراد في بغداد وديالي والبصرة، وفقًا لتقارير أمنية.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت الشرطة العراقية في البصرة إصابة 11 عاملًا مصريًا بجروح متفاوتة نتيجة انهيار مبنى قيد الإنشاء داخل مشروع مملوك للحكومة المحلية في البصرة، فيما بيَّن مدير شركة الفرات للمقاولات الإنشائية، محمد عبدالله، أن لديه 40 عاملًا مصريًا، بينهم ثلاثة مهندسين يعملون في البصرة والناصرية والنجف وبغداد في مجال شق الطرق وأعمال الصرف الصحي إلى جانب عمال عراقيين آخرين"، مضيفًا "أطمح إلى إرسال زوجتي وأطفالي لمصر كي اطمئن عليهم، بينما نرى شبانًا من مصر يأتون إلينا للعمل".
أما محمد نوح مهندس، 34 عامًا، من بلدة شيخ مكرم في سوهاج، التحق بشقيقه للعمل في البصرة بأحد مشاريع شبكات الصرف الصحي، قال إن "الوضع في العراق خطر جدًا، لكن لقمة العيش دفعتهم إلى ذلك"، مضيفًا "بشكل عام، لا أخرج من موقع العمل نهائيًا، وأركز على العمل، وأجني ما يكفي عائلتي، وقررت أن أعمل في العراق لمدة عامين أو ثلاثة"، متابعًا: "أرسل أدوية لوالدي المصاب بمرض مزمن، وأبعث بنحو 300 دولار لأهلي".
وأ نوح أنه جاء للعراق بعد أن أغلقت جميع أبواب العمل في وجهه في مصر، قائلًا: "المخاطرة أفضل من العيش بذل الفقر، والنظام المصري بيّاع كلام، ومن يشكو الجوع يقولون له أنت إخوان"، ويقدّر أصحاب شركات في العراق راتب العامل المصري ما بين 500 إلى 600 دولار شهريًا، حسب نوع العمل وطبيعته.
ووفقًا لتصريحات لمسؤولين في الحكومة، زادت العمالة المصرية في العراق بين عامي 2016 و2017، لاسيما بعد زيارة وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، مؤخرًا للقاهرة، وإعلانه إلغاء تأشيرة دخول المصريين إلى العراق، وكان رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال العراقي، جبار طارش، أعلن، في يناير/كانون الثاني 2017، عن تقارب عمالي كبير بين العراق ومصر، معبرًا عن ارتياحه للتعاون الاقتصادي بين البلدين في لقاء جمعه برئيس المجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، جبالي المراغي.
ويرى مستشار سابق في لجنة تُعني بشؤون العمالة الأجنبية، صبري العبيدي، أن العمالة المصرية لها خصوصية في العراق منذ الثمانينيات، حيث عمل هناك أكثر من 5 ملايين مصري ساهموا في بناء العراق وعملوا في مختلف المنشآت والمصانع والشركات"، موضحًا أن العمالة المصرية أرخص من العمالة التركية والأردنية في الوقت الحاضر.
ورغم أن مشروع قانون لتنظيم العمالة الأجنبية قدم إلى مجلس النواب منذ عدة أعوام، لكنه لم يشرع حتى الآن، وتعتمد الحكومة العراقية على القانون القديم الصادر عام 1963 وتنص بنوده على "السماح للأجانب بمزاولة العمل في العراق بعد الحصول على إجازة بالعمل من مديرية العمل العامة أو الدوائر التابعة لها، وتمنح الإجازة لمدة لا تتجاوز العام الواحد وتجدد وفق متطلبات الحاجة ويراعى في منحها دواعي الصالح العام وعدم مزاحمة الأيدي العاملة العراقية"، كما جاء في نص القانون.
وارتفعت نسب البطالة في العراق إلى نحو 30% عام 2016 وفق الإحصاءات الحكومية، بسبب تداعيات الحرب وتفاقم أعداد النازحين، والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين، وضعف القطاع الخاص في العراق، وعدم قدرة الحكومة على استيعاب المزيد من الشباب في وظائفها، وهو ما يجعل قدوم عمالة أجنبية يؤثر سلبًا على سوق العمل المحلية، ويزيد من صعوبة الحصول على عمل للشباب العراقي، كما يرى ثائر رعد والذي يبلغ من العمر 23 عامًا، لكنه لم يجد حتى الآن عملًا يستطيع من خلاله الإنفاق على نفسه وأسرته، قائلًا إنه لم يوفق في المهن التي مارسها سابقًا بسبب انخفاض الأجور والضغط الكبير على العمال وزيادة ساعات العمل باستمرار دون أن يكون المقابل المادي مجديًا.
وواص رعد، أنه اضطر إلى ترك العمل في البناء مؤخرًا، لأن المقاول الذي يعمل معه أصبح يماطل في منحهم الأجور، كما أن إصابته أثناء عمله في البناء مؤخرًا حرمته من فرصة البحث عن بديل جيد فاضطر للجلوس في البيت بانتظار وظيفة أو عمل طال انتظاره.
أما حسين فاضل، والبالغ من العمر 26 عامًا، فيؤكد أن الكثير من أصحاب المراكز التجارية والمطاعم والأسواق أصبحوا يفضلون الاعتماد على الأجانب في العمل، مما يفاقم من مشكلة البطالة، مشيرًا إلى أنه تخرج من كلية الآداب في جامعة بغداد عام 2013 ولم يجد وظيفة تناسبه فاضطر للعمل في أحمد المطاعم في منطقة زيونة، لكنه ترك عمله مؤخرًا بسبب قلة الأجور وساعات العمل الطويلة، مما دفع أصحاب المطعم إلى التعاقد مع عاملين بنغاليين سدوا مكانه هو وزملائه الذين تركوا العمل بعد أن رفض صاحبه زيادة أجورهم.
ويرى حسين أن أصحاب العمل أصبحوا يبحثون عن عاملين بأجور زهيدة ومجهود كبير ولا يبدون أي اعتراض على غمط حقوقهم، كما يقال في التعبير الشعبي العراقي "حار ومكسب ورخيص"، وهو ما وجدوه في الوافدين الأجانب، الذين يعاني أكثرهم من شظف العيش في بلدانهم الأصلية، مما يجعلهم يقبلون بأي فرصة مهما كانت مساوئها مقابل مساعدة أهاليهم الفقراء.
من ناحية أخرى، أبرز الخبير الاقتصادي عبدالحسن الشمري، أنه "رغم الموارد الضخمة للموازنة العراقية التي تعادل 12 مرة موازنة الأردن و15مرة موازنة سورية التي تخوض حربًا ضد الإرهاب، إلا أن نسبة البطالة في العراق وصلت إلى أكثر من 40 في المائة بحسب تقارير رسمية".
وأضاف الشمري "نحن نتراجع اقتصاديًا والعالم يتقدم ولكن هل يبقى العراق في هذه المعاناة رغم موارده الكبيرة؟ ولماذا نحن بهذا الوضع ولو كان النهران دجلة والفرات في أي دولة لكفاها موردًا؟"، لافتًا إلى أن "الأردن ليس فيها نهر وتصدر إلى العراق الفاكهة والخضر والكويت الصحراء تصدر لنا منتجات الألبان وكذلك تصدر لنا الماء"، مشيرًا إلى أن "جميع الحكومات التي مرت على العراق تتحمل مسؤولية ما يمر به العراق حاليًا، لأنه لم يتم وضع خطة اقتصادية لبناء الاقتصاد العراقي أسوة بدول أخرى، بسبب جهل الساسة بالاقتصاد"، مبينًا أن "دول الجوار تسعى إلى تدمير الاقتصاد العراقي بمنهجية مدروسة ليبقى العراق بلدًا مستهلكًا فقط".
لكن كثيرًا من أصحاب العمل يقولون أنهم مضطرون إلى الاستعانة بالعاملين الأجانب للميزات التي يتمتعون بها، وعلى رأسها الالتزام والانضباط، وعدم التمرد على قوانين العمل أو المطالبة بأجور مرتفعة، ويقول مصطفى ضياء وهو صاحب "سوبر ماركت" في منطقة المنصور أنه اضطر لجلب عمال بنغاليين ليعملوا في محله بسبب معاناته السابقة مع العمال العراقيين، والذين كانوا يطالبون باستمرار بزيادة أجورهم ، وهم غير منضبطين في العمل، على حد قوله.
وشدد ضياء على أنه منذ استقدام خمس عمال من بنغلادش عن طريق أحد مكاتب استقدام العمالة الأجنبية فإنه تفرغ لإدارة محله، تاركًا مهام التنظيف والترتيب لعماله الجدد، في حين أنه كان يضطر سابقًا لمتابعة العمل أولًا بأول، وتحمل التبرم والضيق الذي كان يصدر من عماله العراقيين، فضلًا عن احتجاجهم الدائم على ما يعتبرونه تدنيًا في أجورهم.
أما حسين جمال قاسم، عامل بناء، فبعد أن حصل على الشهادة الثانوية التحق بصفوف جيوش الآلاف من الكادحين العراقيين في شوارع العاصمة بغداد بحثًا عن لقمة العيش لكي يساعد عائلته المكونة من سبعة أفراد، ويرى أن "عزوف العمالة العراقية عن ممارسة بعض المهن شجع على دخول الأيدي العاملة الأجنبية إلى البلد "، مرحبًابقرار الحكومة العراقية حول العمالة الأجنبية فإنه دعا إلى "ضرورة تأسيس نقابات عمالية لضمان حقوق العمال المحليين".
أرسل تعليقك