تفاخر المســؤولون فـــي الإدارات الأميركية السابقة، بأنهم يُسمعون الإسرائيليين، في اللقاءات الخاصة، ما لا يحبون أن يستمعوا إليه، مثل رفض التوسع الاستيطاني والتمسُّك بحل الدولتين، وإدانة الانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان. وكانــــت القنصلية الأميركية فــي القدس تخصص فريقًا يتابع ميدانيًا الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، مثل هدم البيوت وتنفيذ مشاريع التوسُّع الاستيطاني، وتنفيذ الأراضي وغيرها، وتقديمها إلى الخارجية في واشنطن.
وهذه الصورة انقلبـت كليًا في عهد الرئيـــس الأميركي دونالد ترامب، وأصبح الفريق السيـــاسي الأميـــركي المختص يتبنى مواقـــــف الحكومة الإسرائيلية حرفيًا، ويكررها في اللـــــقاءات الخاصة وفي المواقف المعلنة. وقال مسؤولون فلسطينيون أداروا ملف العلاقة مع الإدارات الأميركية المتعاقبة، إنهم لم يشهدوا إدارة أميركية منحازة لإسرائيل كما هي إدارة ترامب.
ويتألف الفريق السياسي في الإدارة الأميركية، المسؤول عن الملف الإسرائيلي- العربي، من ثلاثة متطرفين يهود لا يخفون تأييدهم لكل مواقف الحكومة اليمينية في إسرائيل، بما في ذلك موقفها من مواصلة الاستيطان، وهم كل من غاريد كوشنير صهر الرئيس ترامب، والمحامي جيسون غرينبلات المبعوث الخاص للسلام في الشرق الأوسط، والسفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان صاحب القول الشهير "إن الاستيطان قانوني لأن اليهود يستوطنون في أرضهم".
ويقول مسؤولون فلسطينيون شاركوا في اللقاءات بين الرئيسين محمود عباس ودونالد ترامب، إن الرئيس الأميركي أظهر في بداية عهده، مواقف مؤيدة لحل الدولتين، وطالب برسم الحدود بين الجانبين، وعارض الدولة اليهودية. وقال أحد المشاركين في تلك اللقاءات: "طالب الرئيس محمود عباس برسم الحدود بين فلسطين وإسرائيل أولاً قبل الشروع في المفاوضات، وأيده الرئيس ترامب بشدة قائلاً: لا أعرف كيف لا يوجد هناك حدود، يجب أن تكون هناك حدود بين الجانبين وفوراً".
وأضــــاف: عندئذ تدخل جيسون غرينـــبلات قائلاً: المشكلة سيدي الرئيس في الدولة اليهــــودية. على الفلسطينيين الاعتراف بأن إسرائيل دولة يهودية. وهنا رد الرئيس عباس بأن 26 في المائة من سكان إسرائيل ليسوا يهوداً. فقال ترامب: "نعم، نتانياهو قال لي في اللقاء الأخير، إن 20 في المائة من السكان غير يهود، لذلك دعـــونا نسميها إسرائيل، ما المشكلة في أن يكون اسمها إسرائيل، أنا أحب إسرائيل".
لكن الفريــق السياسي لترامب الذي عقد سلسلة طويلة من الاجتماعات مع رئيس الـــوزراء بنيامين نتانياهو وفريقه السياسي، تبنّى بالكامل الرؤية الإسرائيلية، بما فيها حق التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية، وأقنع ترامب بأنها الطريق الوحيد نحو إحلال سلام إقليمي. وقال مسؤول فلسطيني: "عقدنا سلسلة من اللقاءات مع الفريق الأميركي، ووجدناهم يرددون على مسامعنا العبارات والجمل التي كنا نسمعها من الإسرائيليين، مثل حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل، والأمن الإسرائيلي، والقدس عاصمة دولة إسرائيل وشعب إسرائيل وغيرها".
وأضاف: "كان هذا الفريق يطالبنا بأن نتجه إلى أسلوب الصفقات للتوصل إلى اتفاق سلام، وعندما كنا نقول إن هذا لا ينفع في صراع من هذا النوع، كانوا يطالبوننا بألا نتحدث في التاريخ، وأن نتطلع إلى المستقبل، فكنا نقول لهم: أنتم لا تتوقفون عن التحدث في التاريخ اليهودي، لكنكم ترفضون تقبل أي شيء عن التاريخ الفلسطيني".
وقال مسؤول آخر: "فريدمان وغرينبلات وكوشنير أقنعوا ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفق قواعد الصفقات في العقارات، والتي تسمى أسلوب القرش، والتي بموجبها تتم إزالة المشكلة الأكبر عن الطاولة، ثم التفرغ للمشكلات الصغيرة". ويحضر كل من غرينبلات وفريدمان بصورة شبه دائمة في إسرائيل، وأبلغ غرينبلات فلسطينيين التقاهم أنه أحضر معه أولاده للإقامة في إسرائيل لمدة عام كامل، من أجل تعلم اللغة العبرية. وقال: "أولادي يعيدون تجربتي، فأنا جئت إلى إسرائيل قبل ثلاثين عاماً، وأقمت فيها لمدة سنة كاملة، تعلمت خلالها اللغة العبرية، وتعرفت إلى الدولة والمجتمع".
ويرافق غرينبلات في جولاته منسق الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية الجنرال يؤاف مردخاي. وغالباً ما يصدر غريبنلات تصريحات مماثلة لتصريحات مردخاي في هذه الجولات، خصوصاً عند حدود قطاع غزة. ودفعت مواقف وتصريحات الفريق الأميركي بالسلطة الفلسطينية إلى توجيه رسائل رسمية إلى جميع البعثات الديبلوماسية في فلسطين، دعت فيها دولهم إلى اتخاذ موقف من السياسة الأميركية الداعمة لإسرائيل "في عدوانها المتواصل على الشعب الفلسطيني".
وقال رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات إن السلطة طالبت هذا الدول العمل على "إنفاذ القانون الدولي، وفتح تحقيق دولي فوري في الجرائم الإسرائيلية في ظل استمرار السياسة الأميركية الداعمة بالمطلق لكافة انتهاكات سلطات الاحتلال". ويرى الفلسطينيون في مواقف إدارة ترامب وفريقه السياسي تشجيعاً لإسرائيل على مواصلة انتهاكاتها القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وأضاف عريقات: "في ضوء تصريحات غرينبلات حول قطاع غزة، وتصريحات منــــدوبة أميركا للأمم المتحدة نيكي هايلي التــــي استطاعت منع إصدار إدانة القتل العـــمد وجرائم الاحتلال من قبل مجلس الأمـــن، فمن الواضح أن الإدارة الأميركية التـــــي تستبيح قتل الفلسطينيين تصر على التفريق بين الفلسطيني والإسرائيلي"
أرسل تعليقك