أكد الرئيس السوري بشار الأسد، أن الوضع في سورية تحسن بشكل كبير لأن المجموعات المتطرفة وبشكل أساسي "داعش" و"النصرة" ومثيلاتهما، وهي مجموعات وهابية متطرفة في حالة تراجع، قائلًا في مقابلة مع قناة "ويون تي في" الهندية: "إن الوضع على الأرض بات أفضل بكثير مما كان ..من منظور عسكري.. لكن هذا لا يعكس الصورة كاملة لأن الأمر لا يقتصر على الصراع العسكري بل هناك أشياء مختلفة مثل الأيديولوجيا التي يحاولون نشرها في منطقتنا، والتي تشكل أخطر تحد يمكن أن نواجهه على المدى القريب وكذلك البعيد".
وأضاف الرئيس الأسد: "نكن احترامًا كبيرًا للموقف الهندي لأنه يستند إلى القانون الدولي وإلى ميثاق الأمم المتحدة والأخلاق العالمية وأخلاق الحضارات الإنسانية أولًا والحضارة الهندية ثانيًا أي لأخلاق الشعب الهندي"، مشيرًا إلى أنه رغم كل الضغوط الغربية على جميع دول العالم بما فيها الهند للانضمام إلى الحصار المفروض على الشعب السوري، فإن الهند لم تقلص علاقاتها مع سورية.
وأكد الرئيس الأسد: أن "الأمر يعتمد على الدعم الذي تتلقاه تلك المجموعات من دول إقليمية مثل تركيا، وقطر، والسعودية، ومن دول أوروبية وغربية مثل الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة المتحدة، بشكل رئيسي، وهذا يشكل سمة لحقبة جديدة في العالم يُستخدم فيها الإرهاب، أي نوع من الإرهاب، لتنفيذ أجندة سياسية، وهذا أمر أكثر خطورة من أي خطر آخر يمكن أن نواجهه في العالم المعاصر".
وأوضح الرئيس الأسد: "أنه إذا أردت أن أكون موضوعيًا، فإننا نقول دائمًا إنه إذا لم يكن هناك عيوبًا في مجتمعك، أو في بلدك، فإن تأثير العامل الخارجي سيكون محدودًا، ولذلك فإننا نتحدث دائمًا عن أخطائنا أو عن الثغرات أو العيوب الموجودة لدينا، لكن في المحصلة، لسنا نحن من أحضر الإرهابيين، ولسنا نحن من دعم الإرهابيين ولا من دعم هذه الإيديولوجيا، بشكل رئيسي، فإن من بدأ هذا الصراع كان قطر بإشراف ومباركة من الدول الغربية، لا سيما فرنسا وبريطانيا، فهذا ما كان في البداية".
وأضاف الرئيس الأسد: "لا نستطيع أن نتحدث عن فرنسا وبريطانيا بشكل منعزل لأنهما لا تجرؤان على فعل شيء دون إذن من الولايات المتحدة، كلنا نعرف أن الراعي الحقيقي هو الولايات المتحدة، لكنها تسمح لآخرين بلعب أدوار مختلفة، فإذا أردت أن تحمّل المسؤولية لمن دعم الإرهابيين ولمن بدأ بإراقة الدماء في سورية، فإن المسؤول هو الغرب وقطر، وفي وقت لاحق السعودية التي انضمت بعد عام من بداية الأزمة إلى هذا الجهد نفسه، ولا يسعنا بالطبع أن ننسى تركيا التي كانت اللاعب الرئيسي مع الإرهابيين في سورية منذ البداية".
وبشأن استعدادهم للدفع قدماً بتسوية سياسية تفاوضية قد تتعهدها روسيا أو دول أخرى أعضاء في مجلس الأمن، أبرز الرئيس الأسد: "بالطبع، لقد انضممنا أصلًا إلى هذه الجهود منذ عقد مؤتمر جنيف في العام 2014، لكن الأمر لا يقتصر على الانضمام إلى ذلك الجهد لأن ثمة حاجة إلى جهدٍ حقيقي ومنهجي من شأنه أن يحقق شيئًا في الواقع ويمكن أن يكون مثمرًا، حتى هذه اللحظة، لم نرَ أي مبادرة سياسية حقيقية من شأنها أن تنتج شيئًا، رغم أن أستانا حققت نتائج جزئية من خلال إقامة مناطق تخفيف التوتر في سورية، والتي شكلت تطورًا إيجابيًا في هذا الصدد، ولكن لا تستطيع أن تسمّي ذلك حلًا سياسيًا، إذ إن الحل السياسي يتحقق عند معالجة جميع أوجه المشكلة في الوقت نفسه، نحن اتخذنا المبادرة في التعامل مباشرة مع الإرهابيين في بعض المناطق لتحقيق المصالحة، بحيث يمكنهم التخلي عن سلاحهم وبالمقابل نمنحهم العفو، وقد نجح ذلك بطريقة فاعلة في سورية".
ونوه الرئيس الأسد: إلى أن "المشكلة في الولايات المتحدة تتعلق بالنظام السياسي برمته، وليس بشخص واحد فقط، فبعد انتخاب ترامب ثبت لنا، مرة أخرى، أن الرئيس يؤدي دورًا وحسب، وليس صانع قرار، إنه جزء من مجموعات ضغط مختلفة ومن الدولة العميقة، أو النظام العميق، كما يمكن أن نسميه، الذي ينفذ أو يملي على الرئيس ما ينبغي عليه فعله، والدليل على ما أقول هو أن ترامب، بعد أن أصبح رئيسًا، ابتلع معظم وعوده وكلماته التي كان يتبجح بها خلال حملته الانتخابية، لقد استدار بزاوية 180 درجة فيما يتعلق بجميع وعوده تقريبًا".
وبيَّن الأسد: "أن السبب هو أن الدولة العميقة لن تسمح له بالمضي في اتجاه معين، لذلك فإن التعامل معه كشخص هو أمر ممكن بالنسبة لي، لكن هل يستطيع ذلك الشخص أن يحقق شيئًا؟ لا. في الولايات المتحدة، لا يستطيع الرئيس أن ينجز شيئًا، فالدولة برمتها، أقصد الدولة العميقة، هي الطرف الوحيد الذي يمكنه أن يحقق شيئًا، وهذه هي المشكلة، فالدولة العميقة لا تقبل بوجود شركاء لها في العالم، إنها تقبل فقط بالدُمى، والأتباع والوكلاء، ونحن لا ننتمي إلى أي من هذه الفئات".
وبشأن الهجوم الكيمياوي الأخير، كشف الرئيس الأسد: أن "كل سياسي يمكنه أن يقول: "لا، لم نفعل ذلك"، سواء أخلاقيًا أو لأي سبب آخر، والمشاهد يمكن أن يقول: "لا، إنه ليس صادقًا"، لن أتحدث عن هذا بتلك الطريقة التقليدية، أقول دعونا نطرح السؤال الآتي: هل من المنطقي أن يتم استخدام تلك الأسلحة؟ – هذا إذا كنا نمتلكها – نحن لا نمتلك أسلحة كيميائية، لكن حتى لو امتلكناها وأردنا استخدامها، فلماذا نستخدمها في تلك الحالة؟ قبل أسبوع من ذلك الحادث المزعوم، كان الإرهابيون يتقدمون، ولم نستخدمها، لماذا نستخدمها عندما كان الجيش السوري يتقدم والإرهابيون يتراجعون؟ هذا أولًا".
وتابع الأسد: "وثانيًا، استخدمت تلك الأسلحة، كما قالوا، ونحن لا نعلم ما إذا كان ذلك صحيحًا أو لا، ضد المدنيين في إحدى المدن، فلو أراد الجيش السوري أن يستخدم ذلك النوع من الأسلحة، فلماذا لا يستخدمها ضد الإرهابيين الذين كانوا في الميدان، ويستخدمها ضد المدنيين؟ وبالتالي، فإن هذه الرواية ليست منطقية ولا واقعية. إذًا، من يقف وراء ذلك الحادث؟ إنها ببساطة الاستخبارات الأميركية والغربية العاملة مع الإرهابيين، لقد فبركوا هذه المسرحية فقط ليكون لديهم ذريعة لمهاجمة سورية، وهذا ما حدث بعد بضعة أيام عندما هاجموا أحد مطاراتنا، وقد كانوا يدعمون الإرهابيين فعليًا، لأن داعش شن هجوماً في نفس اليوم الذي شُنّت فيه الهجمات الأمريكية على هذا المطار، لقد أرادوا مرة أخرى إعادة شيطنة الدولة السورية والرئيس السوري، وذلك كان العنوان الوحيد الذي من شأنه أن يستقطب الجمهور والرأي العام في سائر أنحاء العالم".
وبخصوص امتلاك سورية اليوم أسلحة كيميائية، وهل قامت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بتدمير كل ما لديهم منها، وهل تحتفظ أو تخبئ بعض منها، لفت الرئيس الأسد: إلى أنه " في الواقع، فإن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أعلنت قبل بضعة أعوام أن سورية خالية تمامًا من السلاح الكيميائي، حتى جون كيري أعلن ذلك، وما كانوا ليفعلوا ذلك لو لم يكونوا متأكدين من هذا، وبكل الأحوال، لا، ليس لدينا أي أسلحة كيميائية، ولم تعد لدينا المنشآت اللازمة لها، حتى لو أردنا امتلاكها".
ومن ناحية أخرى، أشار الأسد: إلى أن "نحن نكنّ احترامًا كبيرًا للموقف الهندي، وذلك لأنه يستند إلى القانون الدولي وإلى ميثاق الأمم المتحدة والأخلاق العالمية، وأخلاق الحضارات الإنسانية أولًا، والحضارة الهندية ثانيًا، أي إلى أخلاق الشعب الهندي، وهذا أمر بالغ الأهمية ويشكل الاختلاف بين الدولة والنظام، حيث إن الدولة تبني كل شيء، رؤيتها وسياستها، على أخلاق شعبها. ونحن نحترم الموقف الهندي في هذا الصدد"
وأردف الأسد: "ثانيًا، لقد ذكرت أمرًا مهمًا جدًا يتعلق بالاستقلال، فرغم كل الضغوط الغربية على جميع دول العالم، بما فيها الهند، للانضمام إلى الحصار المفروض على الشعب السوري، فإن الهند لم تقلص علاقاتها مع سورية، ولا تزال بعض الاستثمارات التي تشارك فيها الهند مستمرة وفي مختلف القطاعات بفضل ذلك الموقف المستقل"
وبشأن كيفية استفادة الهند من تجربة سورية في محاربة داعش، قال الرئيس الأسد: "أعتقد أننا حصلنا على استقلالنا في الوقت نفسه، في حقبة الأربعينيات، قد تكون الجغرافيا مختلفة، وقد يكون سبب مواجهتنا للإرهاب مختلفًا، لكن في المحصلة فإن الإرهاب واحد، والأيديولوجيا التي نواجهها هي ذاتها، والأمر الأكثر أهمية هو أن الإرهاب استُخدم في الهند لأسباب سياسية، أو لتحقيق أجندة سياسية، والأمر نفسه في سورية، إن دعم التنظيمات الإرهابية لتحقيق أجندات سياسية هو أمر في غاية الخطورة، وهو يتجاوز الهند ويتجاوز سورية. لو نظرت إلى خريطة العالم الآن، إلى ليبيا واليمن، وما حدث مؤخراً في مصر، وفي فرنسا وبريطانيا فإن ذلك يظهر أن الإرهاب ليس له حدود".
وواصل الأسد: "بالتالي، ما ينبغي أن نفعله ليس فقط التعلم من تجربتينا، إذا كنا نتحدث عن سورية والهند، سنجد أنهما متشابهتان جدًا ويمكن أن نتعلم الكثير من بعضنا بعضًا، لكن الأمر أكبر من ذلك، علينا أن نشكل تحالفًا دوليًا حقيقيًا ضد الإرهاب، ويمكننا أن نتعاون، لكن التعاون لا يتعلق فقط بالأمور الاستخباراتية، بل يتعلق بالأيديولوجيا وبالسياسات التي دأبت على دعم هؤلاء الإرهابيين وهذا الإرهاب. الأمر يتعلق بكيفية عملنا معًا سياسيًا لمنع الإرهاب من الانتشار ومن أن يسود في العالم".
واستطرد الأسد: "أنه عندما قامت أسرة آل سعود بتأسيس المملكة، أسستها بالتعاون والتنسيق مع المؤسسة الوهّابية، وبالتالي فهي مؤسسة واحدة، المؤسسة الوهّابية والتطرف، أو المتطرفون، في السعودية يدافعون عن الدولة لأنها دولتهم، فالدولة والمتطرفون كيان واحد. لا يمكنك الحديث عن الإرهاب وأسرة آل سعود بوصفهما كيانين مختلفين، بمنتهى الصراحة، ولهذا فإنهم لا يتحاشون ذلك، بل إنهم صدّروا الإرهاب، أو التطرف، أو الأيديولوجيا الوهّابية لباقي أنحاء العالم، فكل “مدرسة” في آسيا وأوروبا، وكل مسجد، تلقى دعماً مالياً وأيديولوجياً عن طريق الكتب وبكل الوسائل الأخرى من المؤسسة الوهّابية، لهذا السبب أقول إنهم لم يتحاشوا الانتقاد، بل دأبوا على تصدير هذه المكونات".
وبشأن دور الهند في إعادة إعمار سورية، يرى الأسد "بالتأكيد، أولاً، إذا أردت أن تتحدث عن الشقّ السياسي، فإن العامل الأكثر أهمية بالنسبة لأي لاعب يريد أن يلعب أي دور في صراع معقّد كهذا، هو أن يحظى بالمصداقية، وقد كانت الهند عبر التاريخ تتمتع بالمصداقية، لم نلاحظ أي تقلبات في السياسات الهندية في عهود مختلف الأحزاب التي تسلمت السلطة فيها، لأنها تقوم على الأخلاق كما قلت. تشكل هذه المصداقية عاملًا بالغ الأهمية يمكّن الهند من لعب دور، ليس بالضرورة داخل سورية، لأن الصراع في سورية ليس صراعًا سوريًا صرفًا؛ حيث إن العوامل الرئيسية فيه ذات طبيعة إقليمية ودولية".
واستكمل الأسد: "الجزء الأكثر أهمية يتمثل في كيفية حماية القانون الدولي، وبالتالي، فإن الهند، بوصفها إحدى الدول الرئيسية في الساحة السياسية اليوم، ينبغي أن تفعل كل ما بوسعها لحماية القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة من خلال علاقاتها، إّ أن لها علاقات مع جميع دول العالم، ومن خلال جهودها وجهود حكومتها ومسؤوليها، يمكنها المساعدة في هذا المجال".
وأكمل الأسد: "أما إذا أردت الحديث عن إعادة الإعمار، فكما تعرف أنه في أي بلد عندما يكون هناك حربًا أدت لتدمير الكثير من بنيته التحتية، فإن القطاع الأكثر ربحية سيكون قطاع إعادة الإعمار، ونحن نرحب بالهند كي تلعب دورًا اقتصاديًا في إعادة إعمار سورية، وهو الذي بدأنا به أصلًا، لقد بدأنا هذا المشروع في دمشق ونقوم بتوسعته الآن في معظم المدن السورية، هذا طبعًا بعد تحريرها من داعش والنصرة وتلك التنظيمات الإرهابية. إننا نرحب بالطبع بأي شركة هندية".
أرسل تعليقك