باريس ـ مارينا منصف
يعتبر الرسام الفرنسي "بول سيزان" أبا للفن الحديث وملهما للفنانين من أمثلة بابلو بيكاسو وجورج براك. ووفقا لصحيفة "الغارديان" البريطانية، كان هناك في باريس إبان القرن الـ20، جيل من الفنانين الشباب الذين غيروا كل شيء؛ فقد زاروا صالات العرض المليئة بالغبار ومع ذلك تتسم بالسحر في نفس الوقت وتشمل متحف الاثنوغرافيا في تروكاديرو وبدأ بعضهم بعرض مجموعات فنية من الأقنعة الأفريقية.
وساعدهم هذا السحر مع الفن غير الأوروبي على كسر مئات السنين من التقاليد. وأكمل بابلو بيكاسو صورة لصديقه جيرترود شتاين بإعطائها قناعا بدلا من وجه، ثم رسم لوحة "ليه ديموزيلس دي أفيغنون" لمجموعة من البغايا المقنعين. ولد الفن الحديث في تلك السنوات الجريئة خلال فترة يشوبها العكوف على شرب الخمر وتعاطي المخدرات، حيث قضى بيكاسو وأصدقائه معظم الوقت في تعاطي الأفيون، وممارسة الجنس في منطقة مونمارتر.
ويقول محرر الصحيفة "بدأت شكوكي منذ بضع سنوات في المعرض الوطني في لندن. كنت أبحث في لوحة الرسام الفرنسي "بول سيزان" التي تحمل اسم "ليه غراندس بينيوسيس" ، التي بدأها في عام 1894. وكان في الخمسينيات من عمره ولم يستكملها حتى عام 1905، أي قبل عام من وفاته. وبالنظر إلى خطوط جريئة مائلة من المناظر الطبيعية وصور العراة التي تم جمعها تحت سماء بلورية، أدركت شيئا عن الوجوه؛ عيونهم هي ذات قطع حاد مظلم، أفواههم كذلك، فضلا عن أن أنوفهم مثل كتل جامدة من الخشب، هذه ليست وجوه إنهم مقنعين.
إن الفنان العظيم سيزان الذي أبدع في القرن الـ 19 هو من ابتكر كل شيء تقريبا نعزوه إلى ماتيس ، بابلو بيكاسو وجورج براك. فالحداثة التي نراها في لوحاتهم هي من نفذها سيزان في أوائل الثمانينات، لذلك يعتبر أبا للفن الحديث، وأستاذا للتكعيبية. وإذا كنت تشك في طبيعة مثل هذه الصور التي تشبه القناع، قم بمقارنتها مع صورة بيكاسو "جيرترود شتاين" لنرى كيف تطور وجهها المنحوت حجريا مباشرة من لوحات سيزان مثل لوحة "رجل مع أسلحة مطوية" (1899 )، ولكن إذا كان التفكك في شكل الوجه الإنساني والمتسم بالحداثة هو ما تقدم في فن سيزان، الذي يمكن التعرف عليه في ثمانينيات القرن التاسع عشر، فمن أين حصل عليه؟.
من خلال إمعان النظر في لوحة "مدام سيزان"، يطرأ سؤالا هل كان ينظر سيزان إلى الفن غير الأوروبي للإلهام، فالوجه يشبه تقريبا قناع المسرح الياباني. ومع ذلك، وكما يوحي تطور البورتريه الخاص به في هذا المعرض ، لم يكن سيزان بحاجة إلى النظر في الأعمال الفنية الموجودة في اليابان أو في أي مكان آخر لينتهل منه لأفكار، بل حصل على فكرته حول القناع من خلال النظر إلى الوجوه أنفسهم، مرارا وتكرارا، حتى يتمكن من تصويره في شكل هندسي بحت.
وكانت النتيجة أن رسم زوجته بدون شفاه، ورسمت صديقه مع تشوه في العمود الفقري، ورسم نفسه على أنه شبح في قبعة.
في الواقع إن صور بول سيزان الصارمة، والتي جاءت إلى بريطانيا في خريف هذا العام، لم تذهل بيكاسو وتلاميذه فحسب بل عكفت على تغيير الفن إلى الأبد.
أرسل تعليقك