أكدّ عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" وأمين عام المؤتمر الوطني الشعبي للقدس عثمان أبو غربية، أنَّ القيادة الفلسطينية ستتوجه إلى مجلس الأمن الدولي؛ لاستصدار قرار تحت البند السابع للاعتراف بدولة فلسطين على حدود الأراضي المحتلة عام 1967، آملًا في أن يكون لذلك القرار صفة إلزامية التنفيذ.
وأوضح أبو غربية في حوار مطول مع "العرب اليوم"، أنَّ عزم السلطة التوجه إلى مجلس الأمن يأتي بعد أن انفجر الخلاف الأميركي مع الاحتلال الإسرائيلي بشكل علني عقب تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال حملته الانتخابية بأنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية.
وشدَّد على أنَّ "المؤشرات والدلالات حتى قبل الظهور العلني للأزمة الأميركية مع الاحتلال تؤكد أنَّ هذا الاحتلال لا يريد أن يصل إلى حل"، مضيفًا "لهذا نحن وضعنا تصورًا وبرنامج عمل أستطيع تلخيصه في خمس نقاط".
وأضاف "أولها تتعلق بالمقاومة الشعبية وكيف لا نجعل هذا الاحتلال ينام على حرير احتلاله، ولا بدّ أن يدفع ثمن الاحتلال، وثانيًا تفعيل العلاقات الدولية الأوروبية الأميركية، وثالثًا التوجه إلى المنظمات الدولية بما فيها مجلس الأمن الدولي ومحكمة الجنائية الدولية، ورابعًا تحقيق المصالحة الوطنية، وخامسًا لا بدّ من ممارسة سياسة الحفاظ على الذات. وهذه العناوين تحتها الكثير من التفاصيل، والآليات المطلوبة".
وأضاف "إنّ الحديث في هذه العناوين تطور تدريجيًا مع تزايد وضوح الأحداث شيئًا فشيئًا إلى أن وصلنا إلى قناعة تامة بأن العملية السياسية مع هذا الاحتلال وصلت إلى طريق مسدود، توج بما أفرزته الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة".
وتابع أبو غربية "وأنا أقول هنا بأنه لا خلاف ما بين جميع الأطياف السياسية الإسرائيلية وبغض النظر عمن فاز في تلك الانتخابات وحتى لو فاز رئيس المعارضة الإسرائيلية هيرتسوغ، لن تخرج السياسة الإسرائيلية عن مخططها القاضي بإخراج قطاع غزة، وشطب القدس، والسيطرة على الأغوار وتقسيم ما تبقى من الضفة الغربية إلى كنتونات في الجنوب والشمال والوسط".
واستطرد قائلًا "لذلك سيتم التوجه إلى مجلس الأمن الدولي مرة أخرى، والجديد الآن هو خلاف الإدارة الأميركية مع الاحتلال، إذ أصبح هناك حديث فرص للطريق وهناك حديث عن مدى هذه الفرص وإمكان أن يقدّم الأميركيون مشروع قرار أو أن يسكتوا عن مشروع قرار في مجلس الأمن للاعتراف بدولة فلسطين".
وبشأن إذا ما كان هناك خشية فلسطينية أن يكون مشروع القرار الأميركي أقل من السقف السياسي الفلسطيني، قال أبو غربية "كل الاحتمالات واردة، الإدارة الأميركية الآن في معركة مع نتنياهو والمعركة أصبحت معروفة، لكن مشروع القرار الفلسطيني المقر من الأطر القيادية لمجلس الأمن هو زوال الاحتلال عن الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس، ونحن نطمح لتمرير المشروع تحت البند السابع في مجلس الأمن".
وأوضح أنَّ البند السابع ملزم، وملزم تنفيذه تحت باب العقوبات، ما يعني أنَّه يمكن أن تتخذ عقوبات في حال عدم تنفيذه، مضيفًا "نحن نأمل ونريد صيغة تؤمن زوال الاحتلال والاستيطان عن الأراضي المحتلة عام 1967 وتؤمن القدس وإطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى المعتقلين منذ ما قبل أوسلو وعدم بقاء أي تواجد أمني للاحتلال على أرض دولة فلسطين".
واستدرك "ولكن السؤال المطروح هو إلى أي مدى ستصل الولايات المتحدة الأميركية، هذا سيعتمد على معادلة الداخل الأميركي والصراع ما بين الحزب الجمهوري الذي يسيطر على الكونغرس والإدارة الأميركية وكم يستطيع أوباما أن يذهب بعيدًا عن السياسة المتبعة للولايات المتحدة".
وبشأن إمكان العودة إلى المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، أبرز أبو غربية "قصة العودة إلى العملية السياسية التي كانت سابقًا، هذه قصة انتهت إلى الأبد ونحن انتهينا منها سابقًا، فاتفاق أوسلو مات حتى وإن لم يتم إخراج شهادة وفاة له لغاية الآن، فنحن سنلجأ إلى المقاطعة الدولية والعقوبات بكل معانيها، والمقاومة الشعبية وإجراءاتنا المتعلقة بوقف التنسيق الأمني بناءً على قرارات المجلس المركزي في اجتماعه الأخير، وتلك القرارات ملزمة للتنفيذ بما فيها وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال".
واسترسل "إذا وجدنا كل الطرق مغلقة في وجوهنا، فشعبنا لن يستسلم، خيار الاستسلام لن يكون موجودًا، فالشعب الفلسطيني سيناضل بكل الوسائل المجدية التي تؤدى إلى تحقيق أهدافه، والمناسبة لظروف مرحلته بعد موت اتفاق أوسلو، لذلك شعبنا سيناضل بكل الوسائل وأعني بكل الوسائل".
وحول خيار حل الدولة ثنائية القومية، بيّن أبو غربية "يجب أن نعرف أنَّ هناك قناعة عند القيادة الفلسطينية بأن نتنياهو قتل حل الدولتين؛ لكن ما زال الوضع الدولي غير ناضج للإقرار بذلك، وما زال الوضع الدولي متشبثًا بفرص حل الدولتين، وأنا قناعتي بأن الوضع الدولي سيصل إلى طريق مسدود، فنتنياهو عندما يسقط حل الدولتين الأمر الطبيعي بالنسبة إلينا أن يجري الحديث عن الدولة الواحدة وهذا الأمر الطبيعي مرحليًا ما دام لا توجد هناك موازين قوى لتحقيق الهدف الأساسي لنا وهو التحرير".
وأشار إلى أنَّه من الطبيعي أن تكون هناك أصوات فلسطينية كثيرة وليست قليلة تنادي بحل الدولة الواحدة ويمكن بعد فترة أن يكون هناك إصغاء دولي لهذا الأمر؛ ولكن علينا أن نعلم كيف هم يفكرون، نتنياهو وحكومته، وبرأيي كل الأطراف الإسرائيلية حتى لو جاء هيرتسوغ سيكون في السياق ذاته ولن يخرج عنه".
وأشار عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، إلى أنهم "يفكرون بإخراج غزة ككيان منفصل لعشرين عامًا أو أكثر أو أقل وشطب القدس والسيطرة على الأغوار ثم إعطائنا كنتونات حكم ذاتي، ويكون في الضفة الغربية نظامين، نظام للمستوطنين وآخر للكنتونات الفلسطينية تحت ما يسمى مناطق الحكم الذاتي في الضفة التي يكون فيها نظام المستوطنين محفزًا لهم ونظام الفلسطينيين طاردًا لهم نحو الخارج، لاسيما الأردن كون الاحتلال يعتبرها "الأسفنجة" لاستيعاب الفلسطينيين، وهم للعلم ما يزالون يعتبرون الأردن الوطن البديل للفلسطينيين، ويريدون أن يكون هناك تابعية للفلسطينيين في الأردن، ونحن لن نقبل قطعًا والأردن لا يقبل بذلك".
وعلى صعيد المصالحة الفلسطينية وعدم تحقيقها لغاية الآن، أفاد أبو غربية "بكل صراحة هناك عوائق إقليمية، ففي العوائق الإقليمية قطعًا هناك الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يريد الوحدة ما بين الأرض الفلسطينية وهو يعمل بكل الوسائل لتجذير الانقسام، وحتى الولايات المتحدة الأميركية خلقت تعقيدات لمنع المصالحة، وهناك أيضا أطراف إقليمية مثل قطر وتركيا تميل إلى دعم جماعة "الإخوان" المسلمين، و"حماس" جزء من تلك الجماعة مما انعكست علاقة الحركة مع تلك الدول على استمرار حالة الانقسام".
ولفت إلى أنَّ "الفرص ضعيفة على قرب استعادة الوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة الفلسطينية، خصوصًا أنَّ هناك اتفاقات لم يتم تنفيذ بنودها مثل انتشار حرس الرئاسة الفلسطينية على المعابر، وللأسف أي تغييرات وأحداث في المنطقة تنعكس على القضية الفلسطينية مباشرة، فالمعطيات صعبة وعندما أنظر إلى طريق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية أجد الطريق محفوفًا بالألغام والتجاذبات التي لا تخدم المصالحة، لاسيما في ظل انعدام الوزن العربي في هذه المرحلة".
وبشأن فقدان الأطر القيادية الفلسطينية سواء الرئاسية أو التشريعية شرعيتها جرّاء تعطيل العملية الديمقراطية ومصادرة حق المواطنين في اختيار قيادتهم، ذكر أبو غربية "لا تستطيع أن تقول إن أطرنا مستمرة من دون شرعية، هناك شرعية الأمر الواقع؛ لأن القوانين لا تقبل الفراغ من دون شرعية، فلذلك إذا تعذّر تجديد الشرعية بالطرق التي تنص عليها القوانين فمعنى ذلك أنَّ الأطر القيادية تستمر في ملء فراغ الشرعية لحين تجديدها بالانتخابات والعودة إلى صندوق الاقتراع وتنظيم الانتخابات سواء الرئاسية والتشريعية، ونحن نتطلع للعودة لصناديق الاقتراع لأن عدم العودة إليها يجعل هناك فواصل ومسافات تزيد ما بين القيادة والشعب وتمنع التجديد وتمنع الأجيال من أن تأخذ حقها".
وبشأن المؤتمر العام السابع لحركة "فتح" وموعد انعقاده، أضاف "بالنسبة إلى موعد عقد المؤتمر هناك عقبات تحول دون تحديد موعده، فتجربة المؤتمر العام السادس التي جرت أثبتت فشلها في عملية التصويت عبر الهاتف التي جرت لأعضاء المؤتمر من قطاع غزة، ولا نريد تكرار تلك التجربة لثبات فشلها، ولهذا فإن عدم ضمان حضور أعضاء المؤتمر سواء من قطاع غزة أو من الخارج نتيجة لإجراءات الاحتلال وهو السبب الرئيسي في عدم تحديد موعد لعقد المؤتمر العام، ولكن اللجنة التحضيرية أنجزت متطلبات عقد المؤتمر وعندما تحين الفرصة لعقده سيعقد مباشرة".
وتابع "أما بشأن أن نرى وجوهًا شابة في اللجنة المركزية فهذا أكيد وأنا أعرف أنَّ الكثير من الأخوة في اللجنة المركزية الحالية لا يريدون ترشيح أنفسهم لعضوية اللجنة في المؤتمر السابع الذي نأمل بأن يكون مختلفًا عن المؤتمر الذي سبقه".
وحول إذا ما بات مطروحًا على طاولة البحث انتخاب نائب للرئيس الفلسطيني محمود عباس في المؤتمر العام السابع المرتقب، أوضح أبو غربية "نائب لرئيس الحركة نعم؛ ولكن نائب لرئيس منظمة التحرير ونائب لرئيس السلطة فهذه تخضع لقوانين السلطة وقوانين المنظمة، نحن الآن نتحدث عن "فتح"، علمًا بأنه لدينا نائب لرئيس "فتح" ولكنه لم ينتخب من قبل المؤتمر العام، وما سيجري هو انتخاب الرئيس ونائب الرئيس لحركة فتح من خلال أعضاء المؤتمر".
وبشأن القدس وما تتعرض إليه من تهويد إسرائيلي ذكر أبو غربية "دعني أقول إنَّ الاحتلال يحدث تقدمًا في ملف القدس ونحن لدينا تراجعات، نحن علينا أن نعترف بأن هناك تقصيرًا وطنيًا فلسطينيًا تجاه القدس، وربما يرجع جزء من ذلك التقصير إلى تراجع الإمكانات المادية المتاحة وطنيًا وهي قليلة جدًا، وهناك تقصير عربي إسلامي ومسيحي وهذا التقصير في قضية القدس هو تقصير كبير ومؤثر، والذي يحمل قضية القدس الآن هم أهلها رغم معاناتهم المتعاظمة جرّاء ممارسات الاحتلال والتنكيل بهم والتضييق عليهم في محاولة لتهجيرهم في ظل الزحف الاستيطاني والتهويدي الذي بات يطال كل مدينة بمقاومتها التاريخية والتراثية في ظل صمت عربي وإسلامي مريب" .
وحول الأموال العربية التي كان يعلن عنها في القمم العربية السابقة لتعزيز صمود أهل المدينة وإذا ما وصلت فعلًا، أجاب أبو غربية "لم يصل من تلك الأموال إلا الشيء القليل الذي لا يذكر، رغم أنَّ القدس مرهقة ووضعها وصل إلى حافة الهاوية، وهذا يجب أن يعيه الجميع، ويعلم أن معيار وطنية العربي والمسلم الآن هو القدس وإذا سقطت القدس سقطت الكرامة العربية والإسلامية".
أرسل تعليقك