بغداد - نجلاء الطائي
يبدأ العراق مرحلة جديدة من المباحثات الداخلية والخارجية، لتمويل العجز الجاري في موازنته للعام المقبل، التي تبدأ مطلع 2017، بعد إقرارها من جانب مجلس الوزراء. ويشكل تراجع أسعار النفط، فضلاً عن تكاليف الحرب على تنظيم "داعش"، وإعادة بناء ما يسببه من خراب في المدن العراقية، وعبء الديون وفوائدها، وهي أمور تحاصر بقوة الموازنة العراقية، وتزيد من دائرة العجز فيها. وقدرت قيمة الموازنة العراقية التي تنتظر موافقة مجلس النواب، بـ102 تريليون دينار (85 مليار دولار)، بينما بلغت قيمة العجز للعام الجاري، بعد تنفيذ التقشف في النفقات، بـ32 تريليون دينار (26.6 مليار دولار).
واعتبر صندوق النقد الدولي أن حجم العجز في موازنة العراق لعام 2017 كبير ويصعب تغطيته، فيما شدد على ضرورة تخفيضه الى النصف، واقترح ضرورة تحديد سعر بيع النفط بـ ٤٣ دولارًا للبرميل، بدلاً من السعر الحالي في الموازنة، وأكد خبير اقتصادي أن تعديل سعر برميل النفط في الموازنة المالية لعام 2017 من 35 دولارًا إلى 43 دولارًا "أكثر واقعية". وقال محافظ المصرف المركزي، علي العلاق، للصحافيين، على هامش اجتماعات الوفد العراقي مع بعثة الصندوق، الجارية في عمان، إن المناقشات تدور حول محورين أساسين، الأول يتعلق بالمراجعة الدورية لاتفاقية الاستعداد الائتماني، والإجراءات التي اتخذها العراق خلال الفترة التي تلت الاتفاقية، والثاني يركّز على مناقشة موازنة العراق لعام ٢٠١٧، ودراسة بنودها، وحجم النفقات والإيرادات، والعجز المتوقع فيها، مبينا أن الوفد العراقي قدم تقريرًا عن الإجراءات المتخذة خلال الفترة الماضية.
وبيّن "العلاق" أن الصندوق وجد أن حجم العجز في موازنة 2017، البالغ 34 تريليون دينار، يمثل عجزًا كبيرًا يصعب تغطيته، ويجب تخفيضه إلى أكثر من النصف. ولفت محافظ المصرف المركزي إلى أن وجهة نظر البنك ترى هذا العجز يحمل مخاطر كبيرة، وأن هناك ضرورة لتخفيضه، لاسيما أن موارد تغطيته المقترحة في مشروع قانون الموازنة غير ممكنة وغير متيسرة، مما سيربك تنفيذ تخصيصات الموازنة العامة، ويكون تنفيذًا مشوهًا، ويضع وزارة المال في موقف صعب. وتابع بالقول: "إن حجم العجز سيرفع من الدين الحكومي العام إلى مستويات عالية جدًا، حيث ستبلغ الديون المحلية فقط على الحكومة، في نهاية العام الجاري، أكثر من ٤٠ تريليون دينار"، مشيرًا الى أن اقتراض الحكومة، وطلب شراء حوالات الخزينة من المصرف المركزي، أثر، وسيؤثر بشكل كبير على احتياطي المصرف المركزي من العملة الأجنبية، لأن ضخ الدينار العراقي دون وجود ما يقابله من الدولار يعني توليد طلب على الدولار أكثر مما يتسلمه المصرف من هذه العملة، من وزارة المال.
واشار "العلاق" إلى أن مقتضيات الحفاظ على الاحتياطي النقدي العراقي تستدعي عدم بناء الموازنة على عجز يفوق المستوى المؤثر على خدمة الدين العام والاحتياطي، لافتًا إلى أن الصندوق اقترح أن يكون سعر النفط المصدر في موازنة 2017 نحو 43 دولارًا، بناءًا على توقعه للأسعار في الفترة المقبلة، كما اقترح الصندوق إجراء تخفيضات أخرى على النفقات، وزيادة بعض الإيرادات، التي لازال البحث جاريًا بشأنها. وكانت وزارة المال قد أعلنت، عقب المشاورات الدورية التي أجرتها مع صندوق النقد الدولي، في العاصمة الأردنية عمان، أن المباحثات راجعت مسودة قانون الموازنة الاتحادية لعام 2017، وجرى الاتفاق على حساب سعر برميل النفط بـ 43 دولارًا، بدلاً من سعر 35 دولارًا، المقترح في مسودة الموازنة، وبطاقة تصديرية للنفط الخام تبلغ 3.6 مليون برميل يوميًا.
ومن المقرر أن يُعقد اجتماع غير رسمي في الجزائر، على هامش منتدى الطاقة الدولي، الذي يعقد في الفترة بين 26 و28 أيلول / سبتمبر، ومن المتوقع أن يسعوا خلاله إلى إحياء اتفاق عالمي على تثبيت مستويات الإنتاج. ويقول مظهر محمد صالح، مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون السياسات المالية، إن العجز في موازنة العام المقبل هو ثلث الموازنة، مبينًا أنه عجز مخطط، لكنه كبير، وسيتم اللجوء للاقتراض الداخلي، عن طريق وزارة المال والمصرف المركزي، والاقتراض الخارجي، عن طريق صندوق النقد الدولي. وأضاف "صالح" أن الجزء الأكبر من عملية الاقتراض سيكون داخليًا، ويشكل نسبة (60% – 70%) من عملية الاقتراض، وتتضمن إصدار حوالات خزينة وسندات عن طريق وزارة المال، ليتم تداولها في السوق.
ولفت المسؤول العراقي إلى أن النسبة المتبقية لتغطية العجز ستكون عبر الاقتراض الخارجي، عن طريق البنك الدولي، والبنك الإسلامي للتنمية، إضافة الى مصادر أخرى لم يحددها. ولجأت بغداد، خلال الأشهر الماضية، إلى استيراد أسلحة ومعدات قتالية من دول مختلفة، بطريقة الدفع بـ"الآجل"، كما طلبت من الكويت لعامين متتاليين تأجيل سداد نحو 4.6 مليار دولار، قيمة تعويضات الغزو العراقي للكويت عام 1990، بسبب الأزمة المالية.
وأكد الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان، أن تعديل سعر برميل النفط في الموازنة المالية لعام 2017 من 35 دولارًا الى 43 دولارًا، "أكثر واقعية". وقال إن تقديرات الحكومة لسعر برميل النفط عند 35 دولارًا في موازنة 2017 كان متشائمًا، ويخلق عجزًا كبيرًا في الموازنة، لكن صندوق النقد الدولي استقرأ أسعار النفط والأحداث العالمية، ووضع سعرًا أقرب للواقع، مبينًا أن النفط يباع اليوم بأكثر من 45 دولارًا، وأن رفع السعر غرضه تقليل العجز. وأضاف: "كما أن كمية تصدير النفط في الموازنة كانت ثلاثة ملايين و88 الف برميل في اليوم، بينما حدده صندوق النقد بثلاثة ملايين و600 ألف برميل، أي أنه خفض الإنتاج، مقابل رفع سعر البرميل، وهذا أكثر واقعية أيضًا".
ومن المقرر أن يتسلّم العراق نحو ملياري دولار قبل نهاية العام الجاري، من صندوق النقد الدولي، ضمن القرض المالي الذي اتفق على منحه لبغداد، والبالغ 5.3 مليار دولار، بنسبة فائدة 1.5% على مراحل، بعد أن تسلّم الدفعة الأولى، والبالغة 634 مليون دولار، في يوليو / تموز الماضي. ووفقًا للبنود الواردة في مشروع قانون الموازنة الاتحادية، فإن المصرف المركزي العراقي سيتكفل بإصدار سندات مالية بقيمة 12 تريليون دينار (نحو 10 مليارات دولار) لتغطية العجز.
وقالت ماجدة التميمي، عضوة اللجنة المالية في البرلمان العراقي، إن العجز المالي كبير في الموازنة، وسيكون هناك ضغط كبير على المصارف الحكومية الرئيسية في البلاد، الرافدين، الرشيد، والمصرف العراقي للتجارة. واضافت أن المصرف المركزي العراقي سيصدر سندات مالية بقيمة 12 تريليون دينار، لتغطية العجز المالي، مشيرة إلى أن الارقام في الموازنة غير قابلة للتغيير عند مناقشتها في البرلمان، لكن ذلك لا ينفي إمكانية إضافة مبالغ أخرى للموازنة ضمن ملحق.
ورغم نجاح بغداد في تموز الماضي في الحصول على نحو ملياري دولار من مؤتمر المانحين، الذي انعقد في العاصمة الأميركية واشنطن، مخصصة لإعادة إعمار المناطق المحررة من قبضة تنظيم "داعش"، فإن "التميمي" تؤكد أن حجم الأضرار يتطلب مبالغ مضاعفة.
أرسل تعليقك