الأغنية العراقية الحديثة موضع اهتمام الشبان ومحلّ انتقاد وغضب الفنّانين
آخر تحديث GMT10:33:28
 العرب اليوم -

مع هجرة العازفين وإسفاف المطربين وتدهور الذوق العام

الأغنية العراقية الحديثة موضع اهتمام الشبان ومحلّ انتقاد وغضب الفنّانين

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - الأغنية العراقية الحديثة موضع اهتمام الشبان ومحلّ انتقاد وغضب الفنّانين

الناقد الموسيقي العراقي المعروف عادل الهاشمي
بغداد – نجلاء الطائي :

ظهر جيل غنائي جديد في العراق بعد عام 2003 وفيه من التدهور الذوقي ما انعكس في الحياة العراقية التي صارت نهبا لتدهور المستويات الاجتماعية والاقتصادية بسبب الحروب والوضع الامني المتدهور . 

وبالرغم من بروز جيل جديد من الموسيقيين، امكن له سدّ النقص في "الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية" التي تأسست عام 1948 وكانت رائدة بين مثيلاتها العربيات، إلا ان هجرة ابرز عازفيها الى خارج البلاد ظلت واحدة من التحديات التي جعلت الفرقة تخرج عن تأثيرها الفني الناضج في الحياة الثقافية العراقية، فقائد الفرقة السابق الفنان محمد عثمان صديق ومجموعة من عازفيها يعملون حاليا في "اوركسترا المعهد الوطني الاردني للموسيقى" كما ان عددا منهم توزعوا دول الشتات العراقي في الولايات المتحدة واستراليا وهولندا، بينما عازفون اوائل فيها اليوم وعلى مختلف الآلات في الفرقة يتقاضون اجورا شهرية لا تتجاوز ما قيمته عشرة دولارات، تبدو اشبه بالنكتة السوداء إزاء خبراتهم وجهودهم التي تواصلت منذ اكثر من ثلاثين عاما.

عازفو الفرقة الموسيقية في "المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون " هاجروا هم ايضا الى دولة الامارات العربية المتحدة وقسم آخر منهم انتظم في الفرقة الموسيقية المصاحبة للمطرب كاظم الساهر، وغياب كهذا جعل الاعمال الغنائية العراقية المعاصرة تعتمد في تنفيذ الحانها على تقنيات "الكيبورد" و "السيكوينسر " ما أثّر في تدني مستوياتها، ولتبدو الاغنية العراقية في اسوأ مراحلها فنيا.

وبين هذا الرأي وذاك نلتقي بشريحة مثقفة من أدباء وفنانين وصحفيين ليدلوا برأيهم حول ظاهرة الأغنية الشبابية السريعة.

وعن أبرز اسماء هذا الجيل الغنائي يقول الناقد الموسيقي العراقي المعروف عادل الهاشمي، انها اسهمت في "تشكيل مرحلة انحطاط الاغنية العراقية واسفافها"، لافتا الى ظاهرة انحسار الاصوات الغنائية العراقية، فاعتبر ذلك عائدا الى "تحول الغناء من التعبير الى النداء الغريزي الفاضح" متناسيا العامل الحاسم في الظاهرة، الا وهو انسحاب الدور الانساني الحي للمرأة العراقية، ففي الاربعينات والخمسينات من القرن الفائت كانت الاصوات النسائية العراقية تعادل الاصوات الرجالية ان لم تتفوّق عليها كما ونوعا في مؤشر على انفتاح اجتماعي وفكري في العراق لم يعد قائما اليوم. 

وعن موجة اعادة اغنيات ام كلثوم، بحسب صوت المطرب قاسم السلطان يقول الناقد الهاشمي ان هذا "تعبير عن افلاس الاصوات الداخلة عنوة الى الغناء العراقي وعجزها".
كما ان من بين ابرز المغنين في الغناء العراقي اليوم هناك هيثم يوسف الذي يعتبره الهاشمي صاحب صوت "من الاصوات الصغيرة والفقيرة، وهو صوت هوائي لا يمكن ان يكون صوتا غنائيا لفقدانه التأهيل العلمي والعملي"، وصوت المطرب حاتم العراقي بحسب آراء الهاشمي "صوت غجري يفتقر الى عنصر البلاغة الادائية وسلامة الإلقاء الغنائي لأن التركيبة اللسانية عنده ليست مهذبة"، وصوت حبيب علي "صوت نسائي يفتقد الى رصانة الاداء"، والمطرب كريم منصور الذي عرف ببعض الاغنيات الجيدة "قتله الغرور لكنه يمتلك صوتا جيدا، وفي ادائه يتعالى على الجمهور ولا يكون جزءا منه ".

هذه الحال في الغناء العراقي تأتي بعد ان نالت الشيخوخة الجسدية والفكرية من اصوات حسين نعمة وياس خضر وفاضل عواد (استاذا للادب العربي في احدى جامعات)، وبعد محاولات للتجديد لم تظهر تأثيراتها جلية عند سعدون جابر، ونمطية قاتلة في اداء حميد منصور، وبعد تحوُّل رضا الخياط الى عروض غنائية لاهية لا احتراما واضحا لجدية الغناء وتعبيريته فيها، وخفوت اغلب الاسماء التي واكبت ظهور المطرب كاظم الساهر ومن بينها : احمد نعمة وكريم محمد، إلا ان علامتين طيبتين في الغناء العراقي ما تزالان قادرتين على تقديم اغنيات بمستوى فني لافت، وهما المطرب محمود انور والمطرب مهند محسن، والاخير يتوفر اضافة الى موهبة الاداء المفعم بروحية صادقة، على موهبة التلحين مستعيد بثقة خطوات المطرب – الملحن كاظم الساهر ولكن بشخصية.

ويقول الناقد والباحث شكيب كاظم "صراحة أنا لا استمع إلى هذه الأغاني الشبابية إلا ما ندر وبالمصادفة، ولا أميز بين هذا المطرب أو ذاك وأرى أنهم كلهم متشابهون بالوجوه والأسماء والأغاني ذات الكلمات الهابطة التي لم اسمع مثلها حتى في أغاني الحفلات الشعبية التي تقام في بيوتات المحلة بين الأهل والمعارف والأصدقاء أو في قاعات الحفلات، في الأعراس والمناسبات السعيدة.

ومن جانبها، انتقدت الفنانة ساهرة عويد الأغاني الشبابية التي عدتها "مفسدة للذوق العام وإساءة للشباب وللعائلة العراقية فالأغنية لها رسالة ورسالتها تهذيب الأذواق والنفوس وأن الطرب يهدف إلى طرب الروح والقلب".
واعتبرت أن "هذه الأغاني لا تصل إلى الروح أو القلب وهي مثل فورة تنبثق بسرعة وتنتهي دون أن تحقق الهدف الذي يرمي إليه الغناء بمعناه السامي الذي شهدناه خلال عقود سابقة من خلال أغانينا الجميلة".

وأضافت "من حق أي شاب أن يسعى ليصبح مطربا ولكن ليس عن طريق الكلمات البذيئة وهذه (الكليبات الفاضحة) التي تجرح مشاعر الأسرة، فالمطرب يتغنى بمشكلة عاطفية فما علاقة الفتيات العاريات يتقافزن ويرقصن ويتمددن ويتلوين، ولو ادرك مؤدوها انه لو كان لأغنيته نصيب من النجاح فان هذه الكليبات التي يراها فئة من الجمهور دون غيره ستقضي على ما لديه من فرص النجاح.

وتمنّت أخيرا على المطربين الشباب الذين يطمحون إلى النجاح والشهرة والنجومية "أن يقتدوا بالشباب الذين سبقوهم مثل كاظم الساهر وعبد فلك واحمد نعمة وغيرهم، فهم شباب أيضا ولكنهم استطاعوا أن يغنوا ويطربوا ويحققوا نجاحات باهرة ولكن ليس بعيدا عن خط الطرب الأصيل وأتمنى على مؤلفي الكلمات أن يهذبوا كلماتهم ويراعوا أن هناك بنات شابات يستمعن لهذه الأغاني التي خرجت عن الذوق والأدب والتقاليد والأعراف التي يؤمن بها مجتمعنا. لماذا نحن نقلد أغاني الغرب بانحلالها وإسفافها وعدم مراعاتها الحشمة والحياء؟". 

الفنان محمود شنيشل قال: يفترض بكلام الأغنية أن يكون مفهوما وقريبا من الناس وذائقتهم كي تبقى الأغنية في الذاكرة مهما امتدت بها السنون، أما كلام مثل بس بس نيو وما شابهه فهو لا يصنع أغنية حقيقية ولا يساهم في بلورة تربية فنية وذوقية للمستمع مثلما حققته أغان لمطربين كبار جاؤوا بمرحلة قبلهم واحتلوا الساحة الفنية فتركت أغانيهم ومازالت أثرا لا يمحى في الذاكرة.

الشاعر والصحافي باقر جعفر العلاق قال: كنت مسؤول الاغنية العراقية في جمعية الشعراء الشعبيين للمدة بين 1993 حتى عام 2003 ولو تحدثنا عما افرزته الساحة الفنية من اغان شبابية أرى أن هذه الأغاني لا ترتقي الى الحد الادنى من المستوى المطلوب  لأسباب كثيرة بسبب افتقاد عناصرها الثلاثة من كلام ولحن واداء.

فالكلام يتحمل مسؤولية رداءة الاغنية العراقية اذ ان الشاعر الغنائي يكتب وفق ماتطلبه الجهة المنتجة او المطرب باستخدامه مفردات افرزت اغنية رديئة جدا ومفسدة للذوق فرضت علينا من قبل فضائيات ذات مستوى مترد في الوقت الذي نجد ان المفردة السابقة كانت افضل بكثير من المفردة الحالية والسؤال الذي نسأله: هل يمكن للاغنية الحالية ان تكون تراثية مستقبلا والجواب كلا لكونها تتضمن كلمات لا تليق بسمعة الاغنية الاصيلة التي تمتاز بالكلمات الجميلة واللحن الجميل والاداء النابعة من موهبة حقيقية، أما الآن نسمع كلاما سخيفا ولحنا واحدا وصوتا واحدا شوهت سمعة الأغنية العراقية الاصيلة وتركت فكرة ان هذه هي الاغنية العراقية واقول ان الاغنية الشبابية فقاعة صابون ستنتهي عاجلا ويبقى الطرب العراقي الاصيل متسيدا ساحة الغناء العراقي.

القاص عبد الستار ابراهيم قال: لم اكن منتبها لهذا الغناء الذي يدعونه بالشبابي وحين اطلعت على بعض القنوات رأيت سيلا متدفقا من الاغاني السخيفة يحوطها صخب يطغى على لحنها وكلماتها وصوت مطربها، هذا الصخب متمثل بمشاهد تستفز المشاهد الذي يحترم نفسه واسرته وتحفز الغريزة الجنسية لدى الشباب، فتيات شبه عاريات يرقصن بإيحاءات خادشة للذوق ومحرجة لحياء المشاهد. وأتعزى بان هذه الغمامة الفنية ستمر ولا يبقى لها أدنى اثر وستعود الأغنية العراقية التي ناء بها مطربون اصلاء مثل ناظم الغزالي وسيتاهاكوبيان وحضيري أبو عزيز ومائدة نزهت وكاظم الساهر وحسين نعمة وحميد منصور وياس خضر .

وتوقّع الفنان ياس خضر أن الطرب الأصيل سيعود إلى تألقه بعدما بدأ جمهور الغناء يدرك أن لا غناء إلا الغناء العراقي الأصيل الذي تبلوّر على يد جيل الأربعينات والخمسينات والستينات مثل حضيري ابو عزيز وداخل حسن وعباس جميل وعبد الحميد محمود ورضا علي وصديقه الملايه ومنيرة الهوزوز وزهور حسين ووحيدة خليل ونرجس شوقي وأحلام وهبي وغيرهم وعلى ايدينا نحن جيل السبعينات والثمانينات مثل حسين نعمة وحميد منصور وياس خضر وفاضل عواد وعارف محسن ورياض احمد ومائدة نزهت وسيتاهاكوبيان وامل خضير واديبة وغيرهم ومن أتى بعدنا مثل كاظم الساهر واحمد نعمة ورضا العبد الله ومهند محسن وماجد المهندس وحاتم العراقي ..الخ. اجل ستعود الاغنية العراقية وهذا ما لمسناه خلال الحفلات التي نقيمها نحن جيل السبعينات من حماسة الجمهور وإقباله المنقطع النظير.

يذكر ان "دائرة الفنون الموسيقية" في وزارة الثقافة العراقية قررت تشكيل "الفرقة القومية للغناء والموسيقى" لتصبح صورة العراق الموسيقية في التظاهرات والمهرجانات الموسيقية والفنية، فيما اعيد إحياء "اللجنة الوطنية العراقية للموسيقى" التي كانت تولت تخطيط الحياة الموسيقية في العراق والاشراف على مؤسساتها وتقديم المشورة لـ"لفرقة السيمفونية الوطنية العراقية " و "معهد الدراسات الموسيقية" و "بيت المقام العراقي" و "مدرسة الموسيقى والباليه" التي اصبح اسمها حاليا "مدرسة بغداد للموسيقى والرقص التعبيري ".

وبدأ هذا السعي لتحسين حال الموسيقى العراقية رد فعل لايقاف موجة الاسفاف التي ينتظم فيها الغناء العراقي، ولإيجاد حل ما لظاهرة هجرة أبرز الموسيقيين العراقيين إلى خارج البلاد.
وخلو الساحة الموسيقية والغنائية في العراق من فرقة رصينة بعد افول نجم "فرقة الانشاد العراقية" التي شكلها اوائل السبعينات الملحن الراحل روحي الخماش، دفع القائمين على الحياة الموسيقية الى تشكيل الفرقة الجديدة لتكون علامة في الحفاظ على الموروث الغنائي والموسيقي العراقي باشكاله الريفية والبدوية والمدنية ( الغناء الحديث والمقام العراقي )، كما ان عدم نضوج تجارب لفرق غنائية وموسيقية : " فرقة بابل" و "فرقة مغني الريف" ادى على ما يبدو في ايجاد فرقة كبيرة تتوفر على فهم موسيقي وغنائي اعمق وعلى عناصر لها من الخبرات والموهبة ما يمكنه الاحاطة بالوان الموروث العراقي.                     

الى ذلك اعيد احياء ( اللجنة الوطنية العراقية للموسيقى ) التي كانت تأسست عام 1971 وانتهى دورها فعليا بعد مغادرة رئيسها الفنان منير بشير للبلاد عام 1991، وجاء في اسباب اعادة تشكيلها انها ستتولى المهمة الاستشارية للمؤسسات الموسيقية وتوجيه الانشطة والتجارب والتظاهرات فضلا عن التعاون مع المؤسسات الموسيقية العربية والدولية. 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأغنية العراقية الحديثة موضع اهتمام الشبان ومحلّ انتقاد وغضب الفنّانين الأغنية العراقية الحديثة موضع اهتمام الشبان ومحلّ انتقاد وغضب الفنّانين



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 10:33 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض
 العرب اليوم - تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض

GMT 09:35 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

طريقة طهي الخضروات قد تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب

GMT 08:59 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

خاسران في سورية... لكن لا تعويض لإيران

GMT 08:06 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«بنما لمن؟»

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 06:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab