أكد رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق يان كوبيش اليوم أن الأغلبية من الكتل السياسية العراقية ترفض إصلاحا جذريا للعملية السياسية، وعد اقتحام الصدريين للبرلمان "أنهى احتجاجات سلمية دامت لأشهر"، ودعا إلى تحويل الحوار بين بغداد وإربيل إلى "شراكة حقيقية"، وكشف العثور على أكثر من 50 مقبرة جماعية في المناطق المحررة من تنظيم "داعش" في العراق.
وقال كوبيش في تقرير قدمه لمجلس الآمن، ورد لـ"العرب اليوم" نسخة منه، إن "أزمة سياسية عميقة اجتاحت بغداد والبلد تسببت في شلل وجمود أعمال الحكومة ومجلس النواب، بعد أن أخفقت حكومة العراق والطبقة السياسية في التوصل إلى اتفاق وتنفيذ الإصلاحات التي من شأنها تحسين إدارة الحكم، والمساءلة وتحقيق العدالة للجميع على قدم المساواة، وتوفير الوظائف والخدمات وقطع دابر الفساد، كما يطالب بذلك الشعب العراقي، ولا سيما في بغداد والمحافظات الجنوبية الشيعية منذ شهر آب من العام الماضي".
وأضاف أن "ذلك دفع المتظاهرين إلى طلب إصلاح الحكومة بأسرها وكذلك العملية السياسية، والمطالبة بالتخلي عن نهج الحصص العرقية والطائفية التي ما برحت مترسخة في النظام السياسي العراقي منذ عام 2003"، مبينا أن "مؤيدي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر انضموا إلى مزيج من المحتجين من المجتمع المدني". وتابع أن "رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي ونتيجة لتلك الضغوط، حاول الإسراع في تقديم برنامجه للإصلاح والاستعاضة عن مجلس الوزراء المشكل على أساس الانتماء الحزبي أو العرقي أو الطائفي بما يسمى حكومة مؤلفة من أشخاص تكنوقراطيين، كما طالب بذلك الصدر، من بين آخرين"، مشيرا إلى أن "تلك الحكومة وبالنسبة لغالبية المحتجين العراقيين، لازمة لسن إصلاحات حقيقية، تخلص البلد من نظام المحسوبية القوي، وتحقيق النجاح في مكافحة الفساد.
وأكد كوبيش أن "الأغلبية من الكتل السياسية العراقية ترفض إصلاحا جذريا للعملية السياسية، وتعد هذه المحاولات عبارة عن جهود ترمي إلى نزع الشرعية ليس عن الحكومة أو مجلس النواب فحسب، بل أيضا عن النظام السياسي برمته، وتعد أيضا عمل الصدر محاولة لتولي السلطة ارتكازا على الخلفية الشيعية"، لافتا إلى أن "الوعد بإيجاد حل للجمود السياسي تمخض بعد شهور من الجدل وأسابيع من الشلل السياسي وانقسام في مجلس النواب، عن بعض التعيينات الوزارية الجديدة في الاجتماع البرلماني المنعقد في 26 نيسان".
وعد أن "ذلك الأمل تعرض لانتكاسة كبيرة في الـ 30 من نيسان، بعد أن اتضح أن التصويت لن يتم على مجموعة أخرى من المرشحين للوزارات من التيار الصدري"، مشيرا إلى أن "المتظاهرين من التيار الصدري ومن المجتمع المدني اخترقوا على إثر ذلك نقاط التفتيش في المنطقة الخضراء واقتحموا مبنى البرلمان".
واعتبر أن "أعمال التخريب والهجمات على بعض أعضاء البرلمان أنهت ممارسة من الاحتجاجات السلمية دامت لشهور عديدة"، موضحا أن "المحتجين انسحبوا من المنطقة الخضراء في اليوم التالي، إلا أنهم تعهدوا بالقيام بمزيد من العمل في سلسلة من الخطوات التصعيدية، وهي رفض القادة الدستوريين الثلاثة في البلد، إجراء انتخابات مبكرة، وتتوج تلك الخطوات، إذا اقتضى الأمر، بشن الهجمات على مقر السلطة، والعصيان المدني، أو القيام بإضراب عام، ما لم تقم الحكومة والبرلمان بإحراز تقدم سريع في موضوع الإصلاحات".
وأشار رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى أن "هذه المرحلة لا يزال من غير الممكن التنبؤ بها رغم أن الحالة هدأت، ويمكن أن تتبدى مظاهرها في اتجاهات مختلفة عديدة"، ودعا "الحكومة والقادة الدستوريين والسياسيين والمجتمع المدني إلى العمل معا في حوار بناء، لن يؤدي فقط إلى حل المأزق السياسي، بل يعطي منظورا واضحا لمستقبل أفضل للشعب، أي حوار يوحد أبناء الشعب العراقي وقادتهم".
وبين أن "الشعب يريد تغيرا حقيقيا يحسن من ظروف حياته"، عادا أن "من الحتمي استئناف العمل في مجلس النواب، وتأكيد قيام حكومة قادرة على تعزيز إصلاحات حقيقية، ولديها الاستعداد للقيام بذلك".
وشدد على ضرورة أن "تتعاون المجموعات السياسية العراقية معا لإيجاد حل سياسي يرتكز على الدستور والقانون والمبادئ الديمقراطية من أجل تلبية حاجات الناس، وإنهاء الانقسام والشلل في البرلمان، ويمكن من الإسراع في سن الإصلاحات اللازمة، واتخاذ تدابير لمكافحة الفساد، والسير السلس لعمل مؤسسات الدولة من دون تهديد أو تخويف"، داعيا الحكومة العراقية إلى "العمل على اتخاذ خطوات محددة لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية كجزء من عملية الإصلاح". وكشف في تقريره أن "أكثر من 50 مقبرة جماعية اكتشفت في الرمادي ومناطق أخرى شمال وغرب العراق، من ضمنها العثور على 3 مواقع دفن لجثث في ساحة لملعب كرة قدم في مدينة الرمادي".
وأوضح أن "3 قبور تضم رفاة نحو 40 شخصا عثر عليها في ملعب لكرة القدم في مدينة الرمادي في الـ19 من شهر نيسان/ أبريل الماضي"، داعيا المجتمع الدولي إلى "اتخاذ خطوات لضمان إخضاع مقاتلي تنظيم داعش للمساءلة". وأكد أن "الأزمة الإنسانية تزداد سوءا في العراق، وهناك معاناة لثلث نفوس العراق تقريبا أو ما يعادل 10 مليون نسمة، وهم بحاجة لمساعدات عاجلة، وهو ضعف العدد الذي كان عليه في العام الماضي"، متوقعا "نزوح مليوني شخص آخر في العراق بحلول نهاية هذا العام مع تواصل الحملة العسكرية الجديدة الرامية لطرد تنظيم داعش من الموصل". واعتبر استئناف الاتصالات والحوار أخيرا بين بغداد وإربيل ينبغي أن يتحول إلى "شراكة حقيقية للتعاون ذي المنفعة المتبادلة ومن الضروري تسوية الخلافات والعمل معا".
وطالب كوبيش العالم بأن "يعترف أن العراق عند هذا المنعطف الحرج بحاجة إلى زيادة الدعم الدولي لا تقليصه لأنه يكابد العديد من التحديات وينأى بنفسه عن تركة الماضي المتمثلة في سوء الحكم والفساد". ورحب بـ "التقدم المحرز خلال مفاوضات العراق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهو تقدم ينبغي أن يوضع في صيغته النهائية خلال جولة أخرى من المفاوضات تجري في عمّان في منتصف أيار ولا بد أيضا من تحقيق نتائج إيجابية لتعزيز قضية العراق في مؤتمر القمة المقبل لمجموعة السبعة الذي سيعقد في اليابان".
أرسل تعليقك