يستغرب بعض العراقيين وجود ظاهرة "الختان" في مجتمعهم ويعدونها تلفيقًا، وأنهم لم يسمعوا بمثل هذا إلا في أفريقيا ودول أخرى، لكن الحقائق التي يَخْفى قسم منها على البعض تؤكد هذه الظاهرة، لاسيما في المناطق المحافظة ومناطق الريف.
ويتخوف العراقيون من الحملات التي وضعت حداً لانتشار ختان الإناث في مجتمعهم والتي تواجه حملات مضادة من المتشبثين بالتقاليد ، بالإضافة إلى تنظيم "داعش"، خصوصاً أن التقارير تشير إلى إصدار هذا التنظيم من الموصل فتوى بختان "كل النساء في العراق".
ووفقا لتقرير نشرته مؤخرا منظمة "وادي" الألمانية الناشطة في كردستان العراق والتي تهتم بحقوق الإنسان والأسرة، أثار ما ورد في التقرير بخصوص ختان الفتيات العديد من التساؤلات حول هذه الظاهرة التي لم يعرفها العراق من قبل. حيث يؤكد التقرير تعرض نسبة كبيرة من إناث المنطقة للختان.
وتعطي بيانات منظمة (وادي) للمجتمع المدني دليلاً قويًا للفرضية التي تقول إن الختان للإناث سائد في أرجاء العراق بين مختلف الطوائف والقوميات، وهي سائدة في المناطق الكردية والعربية على حد سواء. وتفيد البيانات أن النساء في إقليم كردستان هنّ الأكثر عرضة للختان وبنسبة 65.4% بينما تقل النسبة بين النساء العربيات حيث تبلغ 25.7% وبيت القومية التركمانية بنسبة 12.3%.
وفي الوقت الذي يصعب فيه الحديث مع فتاة تعرضت للختان، فإن الطبيب سعيد الطريحي يؤكد الظاهرة ويشير في حديثه إلى أنّ نحو عشر حالات عايشها في عام 2011، بسبب مضاعفات صحية سببها الختان ما اضطر اهالي الفتيات الى عرضهن على الطبيب. وبحسب الطريحي فقد تعرضت احدى الفتيات الى التهاب حاد في اعضائها التناسلية، ما اضطرها الى دخول المستشفى.
ويتحدث المضمد الصحي حسين الزبيدي من قضاء المحمودية ( 15 كلم جنوب بغداد) عن الكثير من حالات ختان الاناث في منطقة المحمودية وأريافها.
وبحسب الزبيدي، فإن أغلب عمليات الختان تتم على أيدي نساء لهن تجربة (كما يدَّعون) في هذا المجال لكنهن لا يمتلكن أية دراسة أكاديمية أو مؤهل صحي.
لكن الحقائق تتضح أكثر حين تستطلع في الارياف عن تفاصيل عايشها اناس، ففي الحقيقة تبدو في نصفها غائبة بسبب التكتم المتعمد على الظاهرة. ويكشف الشيخ ابو عصام الجلابي ويسكن شمال المحمودية عن وفاة فتاة تعرضت الى التهاب في اعضائها التناسلية بعد شهر من ختانها.
ويخمن أبو عصام عدد الفتيات اللواتي تعرضن لهذه العملية في قريته التي تضم نحو سبعين اسرة وبيتاً الى عشر فتيات خلال عام. ويقول: هناك امرأة متخصصة في هذا المجال تأتي الى القرية وتقوم بختان الاناث بطرق بدائية جدا.
*عمليات سرية
والشيخ ابو عصام يؤكد انه حتى في الارياف فإن العملية سرية، ويفضل الأهل إجراءها بعيدة عن الغرباء وغالبا ما تتم في أجواء من عدم السعادة، عكس ختان الذكور الذي تصاحبه الأفراح والحفلات.
ويرجع أبو عصام سبب لجوء البعض إلى ختان الإناث لاعتقادهم أنهم بهذا العمل يقللون من الدوافع الجنسية عند الفتيات. ويقول أبو عصام رغم أن الظاهرة موجودة لكن هناك مبالغة في انتشارها.
من جانبه لا يؤيد رجل الدين قادر الكيلاني ختان الاناث ويقول: إنها عادة جاهلية يرفضها الدين الإسلامي. ويتابع: يحاول البعض ايجاد مبررات شرعية لها لكن هذا الامر بلا وجه حق.
وبحسب منظمات حقوق الانسان العالمية، فإن ختان الإناث ينتشر في أنحاء العالم المختلفة حيث يقدر عدد الفتيات المختونات حوالى 130 مليون أنثى.
وفي منطقة ابو صخير في النجف (160 كم جنوبي بغداد) يشير ليث الجزائري الى اصابة فتاة بمرض نفسي بعد ختانها مرغمة من قبل اهلها. ويؤكد ان بعض الحالات تعرض على المستشفيات بسبب مضاعفات يسببها الختان.
*تشويه للأعضاء التناسلية
لكن الباحثة الاجتماعية والناشطة النسوية آمال البياتي تستعرض الكثير من حالات ختان الاناث في المناطق الريفية على وجه الخصوص لكنها لا تستثني المدن من ذلك.
وتصف البياتي إحدى حالات الختان التي شهدتها وتمت عن طريق شفرة حادة استخدمتها امرأة لها تجربة سنوات في ختان الفتيات، وكانت تستعين بامرأة اخرى تمسك الفتاة التي ستُخْتن.
وتعتبر الطبيبة نداء جواد ختان الاناث (تشويها للاعضاء التناسلية الانثوية) وما يجره ذلك من حالات نفسية معقدة قد تصاب بها الفتاة، وغالبا ما يتم الختان وسط صراخ الفتاة وبكائها الشديد مع تكتم شديد من قبل الاهل على المشهد الذي غالبا ما ينتهي باستسلام الفتاة الى قدرها. وبحسب احصاءات فان حالات الختان بين الفتيات في كردستان اكثر مما هي في المناطق الاخرى من العراق.
لكن هناك من العراقيين من ينكر حدوث ختان الاناث في العراق ومنهم محمد امين وهو مدرس حيث يقول إنه لم يعايش هذه الحالة لكنه يعرف ان هذه الظاهرة تنتشر في اقليم كردستان. ويضيف: مناطق وسط وجنوب العراق لا تعرف هذه الحالة، واذا وجدت فهي بصورة نادرة جدًا.
ويقول فلاح مراد خان، منسق المشاريع لمنظمة "وادي" الألمانية في العراق في حديث لإذاعة هولندا العالمية، إن "هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة بل أنها موجودة في منطقة الشرق الأوسط منذ زمن، ولكن الانفتاح الذي يشهده العراق يعطي فرصة للحديث عنها."
وأضاف مراد خان: "نعمل منذ 18 سنة في كردستان العراق ولدينا العديد من الفرق التي قامت بزيارة 335 قرية والتقت فيها بـ10608 أنثى.
ومن مجموع تلك القرى وجدنا أن نساء منطقة كرميان في ديالى، منطقة رانية على الحدود الإيرانية العراقية واربيل والسليمانية هن الأكثر تعرضا لعملية الختان. فقد أشارت نتائج البحث الذي قمنا به إلى أن نسبة 67% من إناث هذه القرى تعرضن لعملية الختان، أي ما يعادل 8171 أنثى
. كما تتعرض الإناث في المدن أيضا لهذه العملية وليس في القرى وحدها."
ويؤكد المتحدث أن "هناك بحثا مماثلا قد أنجزته المنظمة عن تعرض الإناث في المدن إلى عملية الختان لم ينشر بعد. وقد قامت المنظمة فيها بمسح 2000 حالة في 190 منطقة غنية وفقيرة داخل المدن، ومازالت المنظمة تعمل على استكماله، وقد تظهر نتائجه في هذا الشهر."
وقال منسق المشاريع لمنظمة وادي الألمانية انه "في الماضي لم يكن الرجال يتحدثون عن هذا الموضوع حتى لو كانت زوجته مختونة، ولكن الآن يتصدى الرجل بنفسه لمنع عملية الختان."
وأشار المتحدث إلى جملة الصعوبات التي واجهت فريق العمل من اجل إنجاز هذا البحث بسبب امتناع الأهالي عن التحدث بهذا الخصوص أو عدم موافقتهم على إخضاع بناتهم إلى الفحص على أيدي الطبيبات اللاتي يعملن لصالح المنظمة. وأن المنظمة قد استغرقت وقتا طويلا من اجل بناء جسور الثقة بينهم وبين الناس في تلك القرى، حسب قول مراد خان.
ويعزو السيد مراد خان هذه الظاهرة إلى أسباب دينية من جهة والى التقاليد المتوارثة في المجتمع من جهة أخرى. وفقا للبحث الذي أجرته المنظمة فان "معظم من يخضع بناته لعملية الختان يعتقد أن الدين الإسلامي ألزم المرأة بالختان."
حسب وصف المتحدث مراد خان الذي أكد أن "حملة مناهضة الختان التي قامت بها المنظمة قد اشترك بها علماء الدين الإسلامي في العراق لإثبات عكس ذلك. لقد قمنا بإنتاج فيلم تعليمي نحث الناس فيه على نبذ هذه العادة السيئة التي تضر بمستقبل الفتيات الجنسي. أظهرنا فيها نصائح عدد من رجال الدين الذين يؤكدون أن أصول هذه العملية غير دينية."
تشير العديد من الروايات إلى وجود عملية الختان في المنطقة من عهود ما قبل الإسلام. على الرغم من إطلاق العديد من الناس على عملية الختان في منطقة كردستان العراق بـ"سُنّتْ" والتي تعني السنة في الدين الإسلامي، إلا أن معتنقي الديانات الأخرى كانوا يقومون أيضا بهذه العملية، كمعتنقي الديانة الايزدية ولكنهم، حسب المصادر، قد تركوا هذه العادة منذ ما يقارب نصف قرن. أما معتنقي الديانة المندائية أي الصابئة، فهم لا يقومون بعمليات الختان لبناتهم.
أشارت بعض المستشفيات في الإقليم إلى تلقي حالات مماثلة ولإناث صغيرات في السن بين السابعة والثامنة من العمر يعانين من تلك الحالات. إضافة إلى الضغط النفسي الذي قد تتعرض له المرأة جراء الختان.
تشير المصادر إلى رغبة بعض الإناث في الختان وهم في عمر الـ18 عشر عاما لأسباب اجتماعية تتعلق بنبذ الزوج لهن أو المجتمع لعدم تعرضهن لعملية الختان. ففي بعض القرى من كردستان العراق، حسب التقرير، يتم "رفض الأكل والشرب من أيدي امرأة غير مختونة."
وتقول التقارير ان الالاف من العراقيين عربا واكرادا يقصدون العراق سنويا لختان بناتهم، لان الدول الاوروبية لا تسمح بذلك.
هذا وتسعى التنظيمات المتطرفة لختان 2 مليون أنثى في الموصل ، تزامنا مع الفتوى التي أصدرها المتشددون ، متوقعين أن تشمل نحو أربعة ملايين امرأة وفتاة من تكريت والرمادي وديالى.
يذكر ان الأمم المتحدة قالت في وقت سابق إن التنظيم المتطرف أمر بخضوع جميع الفتيات والنساء في مدينة الموصل بشمال العراق وحولها للختان.
وقالت جاكلين بادكوك في جنيف من خلال مؤتمر عبر دوائر تلفزيونية مغلقة من أربيل انه يحتمل أن تشمل هذه الفتوى التي أصدرها المتشددون المسلحون السنة نحو أربعة ملايين امرأة وفتاة.
وقالت "هذا أمر جديد تماما على العراق لا سيما في هذه المنطقة ويدعو للقلق الشديد ولابد من التعامل معه."
وذكر صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن أكثر من 125 مليون من الفتيات والنساء يتعرضن لهذه الممارسة في 29 دولة سجلت فيها النسب الأعلى من الختان. وأشارت إلى أن كثيرا منهن يعانين حالة صحية غير مستقرة بسبب خضوعهن لهذه العملية. معلوم أن مجلس النواب العراقي كان حثَّ على سن قانون يجرم ختان الإناث.
أرسل تعليقك