اعتبر رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام أنه لم يعد من الممكن استمرار العمل في مجلس الوزراء اللبناني على قاعدة "الفيتو" الوزاري، والتوافق بين أعضاء الحكومة لاتخاذ القرارات، في ظل الشغور الرئاسي المستمر منذ 8 أشهر بعد فشل البرلمان المتكرر في انتخاب خلف للرئيس المنتهية ولايته ميشال سليمان.
وأشاد سلام بالحوار الدائر بين تيار المستقبل الذي يرأسه الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري وحزب الله، معتبرا أن عمليات التفجير التي شهدها لبنان كانت تهدف إلى زرع الفتنة بين السنة والشيعة لزعزعة الوضع الداخلي. ورأى سلام أن موضوع مشاركة حزب الله في الحرب السورية "يحتاج إلى الكثير من العناية والمعالجة في مقاربته، "لأننا تبنينا في حكومتنا سياسة النأي بالنفس تجاه الأحداث في سوريا".
واستهل الرئيس سلام حديثه بالإشادة بكلام خادم ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز عما مرت به السعودية منذ أيام عبد العزيز إلى اليوم، من تداول السلطة بين ملوك تسنى لهم خدمة المملكة وخدمة العرب والمسلمين، معتبرا أن ما يجير "هو تكريس وتثبيت للخط المستمر منذ مئات السنين في المملكة". وقال: "من جهتنا نزيد تعلقنا وتمسكنا بالمملكة وقيادتها، التي لم تبخل يوما في دعم قضايا العرب والمسلمين وبالأخص في دعم قضيتنا في لبنان، والمحطات البارزة معروفة لهذا الدعم ومشكورة وهي لا تعد ولا تحصى، فنتمنى للمملكة ولخادم الحرمين المزيد من التقدم والنمو بما يفيد السعودية وشعبها وكل العرب والمسلمين، وبما يزيد ويوطد العلاقة بين لبنان والسعودية"، مشيرا إلى أنه لن يقصر "عندما تحين الفرصة لزيارة المملكة وتوطيد العلاقة في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز".
وأضاف "نحن مقبلون بعد أيام على مرور سنة كاملة على تشكيل الحكومة، وفي هذه السنة كان هناك وضعان مختلفان. وضع في البداية كان بحضور ووجود رئيس الجمهورية، وبعدها، في الأشهر الثمانية الأخيرة، في ظل شغور رئاسي، ومعاناة كبيرة في البلد، سواء كان على المستوى الأمني أو الاقتصادي والاجتماعي. التصدي لهذا الوضع، بالتالي، يتطلب جهوزية ومعالجة مميزة، علما أنه في البداية (ضمن الوجود الرئاسي) كان الإقبال على المعالجة متقدما وناجحا، وأعطى نتائج كبيرة وإيجابية فورية، لكن في ظل الشغور الرئاسي دخلنا في مرحلة المعاناة في تيسير أمورنا، وتطلب الكثير من المقاربات وتفعيل التواصل مع القوى السياسية من أجل تفعيل دور مجلس الوزراء، وقيام الحكومة بمستلزمات تسهيل أمور البلاد".
وأبرز "الحكومة نجحت في إدارة البلاد وتحصين الوضع الداخلي بالحد الأدنى المقبول، ولكن هذا ما يفرض علينا متابعة انتخابات رئاسة الجمهورية بشكل حثيث. وهناك الكثير من التقدير الذي نسمعه داخليا وخارجيا، لأداء الحكومة وتمرير هذه المرحلة الصعبة، لكن هذا لا يمنع من الاعتراف بأن الشغور في مركز رئاسة الجمهورية له انعكاس سلبي قد لا نحصد أضراره اليوم، لكنه ولا بد سيترك تبعات على المدى الطويل إذا ما طال الموضوع، ولم نتمكن من انتخاب رئيس، لأن أي جسم دون رأس، لا يكون مكتمل القدرات أو سليما. هذا أمر يجب أن يحصل بالأمس قبل اليوم لنستكمل التزامات تحصين الوطن، بل أيضا لدفعه إلى أوضاع أفضل تبعا للمستجدات التي تترك أوزارها في لبنان، وأبرزها موضوع النزوح السوري الذي يبقى عبئا كبيرا على لبنان."
وتابع "أنا أفضل كثيرا أن تكون مستلزمات جسمنا الديمقراطي مكتملة، من انتخاب رئيس للجمهورية، إلى إجراء انتخابات نيابية عامّة وأن يكون مجلس الوزراء يتعاطى مع صلاحياته بحسب الدستور، وليس من خلال ما توصّلنا إليه على مستوى التعايش السياسي داخل مجلس الوزراء بضرورة التوافق على كل شيء. هناك موضوعات حياتية وموضوعات إنمائية وإدارية في حاجة إلى أن نمضي بها، ويتم تحقيقها حتى وإن اعترض أحد الوزراء أو اعترضت إحدى القوى السياسية. لكن اليوم هذا التوافق المطلوب، يعرقل المضي فيها وهذا شيء مزعج جدا".
ولفت إلى أنه "مواجهة التدفق غير المنضبط والعفوي والمتكاثر والمتزايد على مدى سنوات، والذي أوصل الأمر إلى أن أصبح هناك ما يقارب مليونا ونصف المليون نازح سوري في لبنان، ذهبنا إلى تنظيم هذا الأمر وضبطه في طبيعة السوري الذي يأتي إلى لبنان. فمنهم من يأتي عابرا بغرض السفر إلى الخارج بسبب عدم توفر الرحلات من مطار دمشق إلى كثير من بلدان العالم، وهناك السوري الذي يقيم في لبنان منذ زمن، وهناك السوري الذي يعمل في لبنان، ومنهم من يأتي للاستشفاء، وبعضهم من لديه استثمارات في لبنان، والبعض يأتي إلى زيارة عادية. فهذا ما يتطلب منّا معرفة طبيعة هذا السوري الذي يدخل إلى الوطن، فالأمر ليس سائبا. من هنا، اتخذنا قرارا ببدء التدقيق بطبيعة كل سوري يريد دخول لبنان، علما أنه تبين لنا أن عددا لا بأس به من السوريين الذين أتوا كنازحين اقتصاديين، أي من مناطق بعيدة جدا عن لبنان، وكان يجب أن يذهبوا إلى دول مجاورة لمناطقهم وليس إلى لبنان، لكن لأن لبنان يوفر جوا من الحرية والديمقراطية وواحة من العمل والإنتاج، فيأتون إلى لبنان".
وتحدث عن المجتمع الدولي بقوله "يسعى ويعقد مؤتمرات ويرسل وفودا ويقيم هيئات، لكن ما زال بعيدا جدا عن الاستحقاقات المطلوبة. منذ سنة تقريبا كان البنك الدولي قد شخّص الخسارة اللبنانية من جراء النزوح السوري بنحو 7 مليارات ونصف المليار دولار، واليوم وصلت المساعدات إلى مليار ومائة مليون كحد أقصى، خلال فترة النزوح إلى اليوم. وهناك خطة طريق وضعتها المنظمات الدولية على رأسها الأمم المتحدة لتأمين ما يقارب مليارين ومائة مليون دولار في السنتين المقبلتين لمساعدة لبنان، ونأمل أن توضع مكان التنفيذ للاستفادة منها".
وشدد على أن "مواجهة المتطرفين في السلسلة الشرقية أمر تطلب الكثير من الاستنفار والتجهيز والعناية، خصوصا في دعم الجيش والقوى الأمنية، ولا بد من تسجيل الدعم السعودي المميز، ودعم خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، عندما قرر بشكل غير مسبوق أن يكون هناك دعم على مستوى دولة بحجم لبنان بقيمة 3 مليارات دولار للجيش اللبناني، مما أعطانا الكثير من المعنويات، بالإضافة إلى مليار إضافي فيما بعد، وهذا أمر تشكر عليه السعودية التي احتضنت لبنان ماديا ومعنويا ووطنيا، إذ لم توفر مناسبة للتأكيد على حرصها على لبنان".
وقال إن "المواجهة مع المتطرفين قائمة على قدم وساق، والجيش اللبناني يتصدى ويواجه ببسالة وجرأة رغم سقوط العديد من الشهداء من قبل مجموعات لا تملك لا عقلا ولا دينا في حروبها. ويجب ألا ننسى أن هناك لا يزال حتى اللحظة نحو 26 عسكريا لبنانيا أسرى ومحتجزين عند الإرهابيين، أعدموا منهم 4 (اثنين ذبحا واثنين قتلا بدم بارد) ويهددون من وقت إلى آخر".
أرسل تعليقك