توفي الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل، الأربعاء ، بعد معاناة مع المرض عن عمر يناهز 93 عامًا.
وكان الكاتب الكبير تدهورت حالته الصحية خلال الأسابيع الماضية، وأجرى العديد من الفحوصات والأشعة كونه يعاني من "فشل كلوي"، واستلزم إجراء عميلة غسيل كلى أكثر من مرة، خلال الأسبوع الماضي.
وولد هيكل عام 1923، بقرية باسوس إحدى قرى محافظة القليوبية، واشتغل في الصحافة منذ عام 1942، بالتحاقه بقسم الحوادث في صحيفة "الإيجيبشان جازيت"، ثم عمل بصحيفة الأهرام حتى تولى رئاسة تحريرها في عهدي الرئيس جمال عبد الناصر وأنور السادات.
وعقب ثورة يوليو 52 وجد هيكل ضالته ونجح فيما فشل فيه اثناء حكم الملك وأصبح الصحافي المقرب من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بل إن عبد الناصر "وهذا نادرًا ما كان يحدث" كان يزور هيكل في مكتبه بالأهرام.
الصحافي محمد حماد يفند علاقة هيكل بناصر ويشرح سبب قوتها فيقول: "إن هيكل راح يتعقب القوة البازغة في الجيش وهي تتحرك لقلب الأوضاع، ولم يكن وجوده في يوم 18 يوليو سنة 1952 في منزل محمد نجيب إلا نوعا من هذا التحسس للخطى، بعدها رمى أوراقه كلها مع القوة الجديدة في الجيش، وتابع الرجل الأقوى منذ اللحظة الأولى وهو عبد الناصر واقترب منه عمداً وبإصرار، يملؤه طموح بلا حدود للعب "دور.
أتقن هيكل لعبة الصحافي في خدمة السياسي، كما أتقن فن أن يكون السياسي في خدمة الصحافي، وفي هذا السياق يتابع الصحافي محمد حماد: عرف هيكل مبكرا جدا ما يحتاج إليه رجل في موقع ومكانة عبد الناصر من أفكار وأخبار واتصالات، وأدى المطلوب على خير وجه، وعبر عن الزعيم بصورة كان يقول عنها عبد الناصر: "هذا بالضبط ما كنت أريد أن أقوله".
كان قرار هيكل منذ البدايات الأولى أن يقترب من السلطة، بل ويلتصق بها، وكان يردد دائماً ومبكراً جداً، وربما في الأيام الأولى من الثورة، أن "الحاكم يحتاج لصحافي يعبر عنه"، وكان يؤكد بقناعة مطلقة: "وسأكون أنا هذا الصحافي".
وصلت العلاقة بين هيكل وعبد الناصر إلى حد شعر هيكل معه انه هو من يفكر للزعيم ولا احد غيره، وان ناصر لايتخذ قرارا إلا بعد مشورته. وكانت هناك 4 روايات ووقائع تجسد تلك العلاقة بين الطرفين. .
الواقعة الأولى رواها صحافيون نقلا عن الأديب الراحل يوسف إدريس الذي دخل مكتب هيكل للقائه فقالت له السكرتيرة وكان اسمها نوال المحلاوي: الاستاذ مشغول ولن يستطيع مقابلتك اليوم؟ فغضب الاديب الكبير وقال لها أنا يوسف ادريس من انت لكى تتحدثى نيابة عن هيكل. فقالت له: انا نوال المحلاوي اعتبرني رقم 3 في مصر. فاستغرب ادريس الإجابة وسالها كيف لمثلك أن تكون رقم 3، فقالت من يحكم مصر، رد ادريس: عبد الناصر، فأجابت: وعبد الناصر في جيب الاستاذ هيكل والاستاذ في جيبي. واختتمت قائلة تفضل وساحدد لك موعدا. ولم يرجع الاديب الكبير لمكتب هيكل مرة اخرى.
الرواية الثانية يرويها الكاتب الصحافي محمد حماد وكانت فى عام 1968، حيث كان أنور السادات رئيسا لمجلس الأمة، وذهب للقاء هيكل بمكتبه فى الأهرام لكن هذا اللقاء لم يتم. وانتظر السادات 45 دقيقة فى قاعة الضيوف الملحقة بمكتب هيكل، رغم وجود موعد سابق. وبعد أن تكرر إلحاح السادات للسكرتيرة بأن تسأل الأستاذ إذا كان يرغب فى تأجيل الموعد إلى يوم آخر، دخلت السكرتيرة وخرجت بعد ثوان، لتقول للسادات: "اليوم الأربعاء، والأستاذ مشغول بكتابة المقال. سيحدد لسيادتك موعدا آخر، إن شاء الله". وكانت تلك غصة في حلق السادات ذكّر هيكل بها فيما بعد. .
الرواية الثالثة - ويرويها حماد ايضا - كانت المحلاوى سكرتيرة هيكل تصل إلى مكتبها فى ساعة مبكرة من الصباح، طوال فترة عملها مع هيكل، وحدث ذات صباح أن تأخرت عن موعدها، فقالوا : تأخرت.. وبعد قليل أصبح الأمر أكثر من مجرد تأخير وسرى الخبر سريانا سريعا، حتى خارج مبنى مؤسسة الأهرام، مصحوبا بتكهنات وشائعات مختلطة، كانت من بينها شائعة واحدة صحيحة: لقد اعتقلت السيدة، ووضعت فى السجن، بأمر الرئيس عبد الناصر شخصيا.
وكانت سكرتيرة هيكل قبل أيام قليلة تقضى السهرة بصحبة زوجها، مع الكاتب اليسارى المعروف لطفى الخولى وزوجته ولأن الجلسة لا تضم غرباء، فقد تحدث الجميع على راحتهم. وتطوعت المحلاوى بطرح معلومات قيل إنها من الأسرار العليا جدا، وفى مصر كلها لم يكن يعرف عنها شيئا، باستثناء اثنين: عبد الناصر وهيكل.
وبالطبع لم تكن هى ولا من معها يتصور أن أجهزة التسجيل قد سبقتهم إلى حيث سيقضون سهرتهم الوديعة، وبعد إجراء التحقيق معهم جميعا، أودعوا في السجن، حتى تدخل هيكل لدى عبدالناصر فأمر بالإفراج عن السكرتيرة، التى عادت إلى الأهرام، ولكن فى موقع آخر بعيدا عن خزائن الأسرار، فقد ألحقت بقسم الترجمة الذى يختص بترجمة الكتب العالمية،عن مختلف لغات العالم.
الرواية الرابعة : كتب المحرر البرلماني في "الأهرام" ما لم يعجب السادات، وكان وقتها رئيساً لمجلس الأمة، فطلبه إلى مكتبه وعنفه، ويكاد يكون طرده من المكتب بطريقة غير لائقة، وذهب المحرر إلى هيكل طالباً نقله إلى عمل آخر، وعندما استفسر عن الأسباب ذكر له ما حدث، فلم يكن من هيكل إلا أن طلب منه أن يخرج من مكتبه مباشرة إلى مكتب السادات قائلا: اذهب إليه الآن، وسوف يعتذر لك.
لم يكد الصحافي يصل إلى أول شارع مجلس الأمة، وقبل دخوله بوابة المجلس، وجد من يبلغونه أن السادات يطلبه، ويسأل عنه، وما إن وصل إلى مكتب السادات حتى بادره قائلا: "دا كلام رايح تشتكيني للأستاذ هيكل، أنت صدقت يا سيدي أنا أعتذر لك".
كل هذه الروايات تعكس قوة علاقة بناصر وخشية من هم حول ناصر من قوة هيكل وقربه من الزعيم ويكفي انهم شاهدوا بانفسهم ماذا حدث لمصطفى أمين استاذ هيكل عندما غضب عليه هيكل، ووجد الكاتب الكبير نفسه متهما بالتخابر والجاسوسية واودع السجن سنوات عديده حتى افرج عنه السادات وكان السبب في ذلك كله وشاية من هيكل لناصر.
لكن ما سبب قرب هيكل من ناصر وتوتر علاقته مع السادات فيما بعد. في الشهور الأولى لثورة 23 يوليو سنة 1952 راهن هيكل على عبد الناصر، وكان محمد نجيب في تلك الآونة هو الرجل الأول "رسمياً"، ولكن هيكل رأى في عبد الناصر قائد الثورة "الحقيقي"، وكانت الوقائع أمامه تشير إلى أنه الرجل الأقوى في النظام الجديد.
سار هيكل وراء حدسه بأن عبد الناصر هو الرجل القادم في مصر وكسب الرهان وكسب دوره .وبعد رحيل عبد الناصر، راهن هيكل على أنور السادات، ولم تكن الوقائع تشير إلى أنه سيكون الرجل القوي في النظام الجديد، وكان قادة نظام عبد الناصر يمسكون بدفة الأمور في البلاد، وكسب هيكل الرهان من جديد ولكنه كاد يخسر نفسه هذه المرة، فقد فوجئ هيكل بالرجل الذي راهن عليه ودعمه وانحاز إليه في مواجهة خصومه، يطيح به في أقرب فرصة، وعند أول خلاف حقيقي، لم يطق السادات الخلاف معه، وخرج هيكل، ثم عاد واستعاد نفسه من جديد بعيدا عن قمة السلطة.
كان هيكل في ظل عبد الناصر واحداً ممن يستمع إليهم عبد الناصر، حتى أصبح اللسان البليغ في التعبير عن أفكار الزعيم، وأصبحت مقالاته مقروءة ومؤثرة، وأدى مهمته على خير وجه، وعبر عن أفكار الرئيس بصورة كان يقول عنها عبدالناصر: "هذا بالضبط ما كنت أريد أن أقوله".
ويضيف حماد: "كان السادات يحسد هيكل على قربه من عبد الناصر. وكان يعرف، بل ويقول لهيكل: "لولا هذا الخط المباشر بينك وبين الراجل الكبير لكانت رقبتك طارت من فوق جسدك"، وكان السادات يذهب إليه في مكتبه، وينتظر، حتى يفرغ من أحاديثه مع الرئيس في التليفون."
وعندما أصبح السادات رئيسًا، بتخطيط مشترك مع هيكل، اختلفت طبيعة العلاقة مع السادات، فلم يكن هيكل يريد أن يواصل العمل في خدمة "سيد" جديد، بل أراد أن يكون شريكاً حقيقياً كان قد خرج من قمقم "التابع"، الذي ظل حبيساً داخله طوال 18 عاماً في ظل سلطة رجل استثنائي، وبدأ مسيرة علاقة دراماتيكية.
منذ البداية كما يقول حماد لم يكن السادات يستريح لهيكل، ولكنه كان في حاجة إليه، وتصورها هيكل فرصته لكي يستخدم السادات ولكن في النهاية ظهر أن السادات هو الذي استخدم هيكل فالسادات لم يكن سهلا، وكان يشعر بالدونية تجاه هيكل، ولم يقصر هيكل في ترسيخ هذا الشعور داخله خلال فترة عبد الناصر وحسب شاهد عيان فقد كان يعامل السادات معاملة "درجة ثالثة".
كان هيكل قد شارك في صناعة شرعية السادات في أكتوبر سنة 1970، وأصبح مهندس تكريسها في مايو سنة 1971، ثم هو الذي صاغ أساس الشرعية الجديدة في أكتوبر سنة 1973، بعدما أطلق على السادات: "صاحب قرار أكتوبر العظيم"، ومع ذلك، لم يكن أمامه من خيار بعد 4 أشهر، إلا أن يرضى بهيكل الجديد، هيكل الملتزم، أو أن يحمل عصاه ويرحل بعيداً في الظل.
وفي العام 1977، وبعد استقرار الامور للسادات أراد أن يقتلع هيكل من الذاكرة العامة حتى أمر بحبس هيكل مع الآلاف التي امتلأت بهم ساحات السجون في عام 1981 فيما سمي حملة سبتمبر الشهيرة.
في عهد مبارك بدت العلاقة بين هيكل ومبارك عادية لكن مبارك كان يعلم أن هيكل لايكن حبا له بسبب قربه من السادات واختيار السادات له نائبًا فضلاً عن إن مبارك اختار أن يبحث عن رجال جدد له وليسوا محسوبين على الانظمة السابقة وبالطبع هو ما يعني أن هيكل لن يكون صحافيا مقربا للنظام الجديد أو له دور استشاري كما كان يرغب مما اضطره أن يبتعد رويدا رويدا وينسحب من الحياة السياسية في عهد مبارك حتى عام 94.
في تلك الاثناء كان هناك حوار دائر حول مؤتمر مزمع عقده بالقاهرة عن حقوق الاقليات في الوطن العربي والشرق الاوسط ومن بينهم أقباط مصر. وهنا كتب هيكل مقالا نشرته أحدى الصحف المصرية اثار غضب السلطات المصرية ومبارك شخصيا وبعدها باعوام قليلة كتب هيكل مقالا هاجم فيه مبارك بطريقة غير مباشرة وطالب برحيله عن الحكم وووصفه " سبلطة شاخت في مواقعها وفي العام 2002 أعلن هيكل في محاضرة ألقاها فى الجامعة الأميركية أن هناك مخطط واضح لتوريث الحكم، كما زعم هيكل أن مصر حصلت على 100 مليار دولار في أعقاب حرب الخليج،وان نظام مبارك ورموزه حصلوا عليها كل هذا ازعج مبارك من هيكل لكنه لم يمنعه من الكتابة أو أمر باعتقاله كما فعل السادات بل أن نجلي هيكل نجحوا في تكوين ثروات طائلة خلال عهد مبارك ولم يتعرض لهما أحد وبعد ثورة يناير بدأت السلطات في محاسبتهما بتهم فساد مالي وهرب أحمد إلى الخارج هربا من تلك الملاحقات.
الخلاصة أن هيكل أعلن عن تأييده الشخصي لمبارك في البداية، ودعا كل المواطنين لمساندته لينجح في أداء مهمته اونتهي به المطاف للهجوم على مبارك في كتابه "مبارك.. من المنصة إلى الميدان"واتهامه لمبارك بتكوين ثورة تقدر بنحو 70مليار دولار ولما طلب منه المدعى العام المستندات الدالة على صحة اتهاماته أنكر وقال انها عبارة عن تقارير نشرتها صحف أجنبية وليس متاكدا منها.
خلال حكم حكم مرسي ظهر هيكل في حلقات أسبوعية بعنوان "مصر أين؟ خلال فضائية الـ"سي بي سي"، وظل خلال تلك الحلقات ينتقد كافة ممارسات نظام مبارك ويدعو للنظام الجديد بقيادة الإخوان وكان الرئيس المعزول محمد مرسي يستدعيه للقصر للحصول على مشورته ومساندته ومساندة جماعته واستغل هيكل الفرصة للعب دور الصحافي المقرب من جديد ولكن جاءت ثورة 30 يونيو لتجهض أحلامه وتحبط مخططه. .
علاقة هيكل مع عبد الفتاح السيسي، بدات في مارس ٢٠١٠ عندما تولى السيسي رئاسة المخابرات الحربية، تفقد تحدث عنه هيكل وأشاد بكفاءته وقدراته، وبعد ثورة 30يونيو 2013 قال هيكل إن المعلومات التي وصلته عن السيسي مبشرة، وينتظره مستقبل كبير ويري فيه ناصر أخر في مصر بل يراه اكثر الاشخاص المؤمنين بافكار عبد الناصر.
هيكل سر كثيرا عندما سمع كلمات السيسي عنه وشعر بالفرصة تأتيه من جديد وفي أرذل العمر عندما أبدى السيسى إعجابه الشديد به ، وقال إنه قرأ كل كتب هيكل، ووافق السيسي على مقابلة هيكل والجلوس معه ، واستمر اللقاء ٣ ساعات، كان هيكل فيها هو المستمع، والسيسي هو المتحدث وكانت تلك هي اخر مقابله بينهما فقد كان السيسي وزيرا للدفاع وقتها وبعد وصوله للرئاسة اختقى هيكل من قائمة المحيطين بالرئيس ولايعلم أحد حتى الأن ما سر الفتور الذي أصاب العلاقة بينهما ؟ لكن الأمر المؤكد أن السيسي هو من قرر الابتعاد عن هيكل فقد تغير الزمن ولم يعد الصحافي المقرب من الرئيس فكرة تجد دعما أو رغبة وقبولا من السيسي
أرسل تعليقك