ألقى وزير الخارجية المصري سامح شكري، كلمة افتتاحية خلال فعاليات مؤتمر المعارضة السورية، تحت عنوان "من أجل الحل السياسي في سورية"، محذرًا من تجمُّد العملية السياسية لفترة طويلة، وأن تصاعد العمليات العسكرية أصبح أكثر جذبًا للجهود الدولية والإقليمية على حساب التسوية السياسية، ومطالبًا بوجود تصور سوري وطني خالص للحل السياسي، الذي أصبح أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
ووصل إلى القاهرة، صباح الاثنين، وفود المعارضة السورية قادمين من تركيا، والعراق، ولبنان، وفرنسا، وسويسرا؛ للمشاركة في فعاليات المؤتمر وبحث الأزمة السورية.
وأكد شكري في كلمته: شعب مصر وسورية كان وسيظل شريان العروبة وقلبها النابض، وإن كان التاريخ قد جمع بيننا في حقبة لم تخل من التحديات، فإنه لمن الطبيعي، بل لمن الواجب علينا، أن نوحد جهودنا اليوم وغدًا لمواجهة المخاطر العاصفة الذي تحيط بأمتنا العربية وتهدد مستقبلها، بل وتهدد بقاء دولها وشعوبها، حديثي إليكم اليوم غير مبني علي مواقف مسبقة، ولا يجول بذهننا كمصريين، شعبًا ودولة، رؤية تتأسس علي شخصيات أو قوي بعينها أيًا كانت توجهاتها، بل إن وجودنا معكم اليوم وغدًا وفي المستقبل، يتأسس على دعم شعب شقيق ورعاية خياراته وتطلعاته وطموحاته المشروعة للتغيير وبناء دولة ديمقراطية تعددية تساوي في الحقوق والواجبات بين كل السوريين أيًا كانت انتماءاتهم، دولة مؤسسات، موحدة، وذات سيادة علي جميع الأراضي السورية".
وأوضح أن التجارب أثبتت في المنطقة منذ اندلاع الثورات العام 2011، أن الكلمة الأخيرة ستظل للشعوب العربية، وأن بقاء تلك الشعوب ليس رهنًا بحاكم أو بقوي خارجية أيًا كانت، وأن الديمقراطية ليست حلمًا بعيد المنال، بل هدف قابل للتحقيق بالتعاون الجدي بين الشعب والدولة، وبالتوازي مع الحفاظ على الاستقرار والمؤسسات.
وتابع: انطلق الحراك الشعبي السوري في مارس/ آذار 2011، حراكًا سلميًا يتطلع للتغيير، إلا أن النهج الأمني العنيف، وعدم إدراك طبيعة المرحلة، أدى إلى ازدياد حدة الاحتجاجات والمواجهات وسقوط الأبرياء، فتدهورت الأوضاع على مدار الأعوام الأربعة الماضية، وزادت التدخلات الخارجية في الشأن السوري بصورة غير مسبوقة، وسمح للجماعات المسلحة والمقاتلين الأجانب والسلاح بالعبور للداخل السوري للقتال في صف طرف أو آخر، فقضي على الحراك السلمي، وتحولت الأوضاع إلى صراع مسلح بالوكالة، وتحولت الأراضي السورية ملاذاً آمنًا ومرتعًا للمتطرفين من كل حدب وباتت سورية رهينة لطائفية بغيضة تعمق أزمتها وتباعد بينها وبين الحل السياسي.
وأضاف محذرًا: فاتورة مأساة سورية لم يتحملها سوى أبناء الشعب السوري، قتلاً وتدميرًا وتهجيرًا غير مسبوق في التاريخ الحديث، ورغم عبارات وحملات التعاطف من قِبل المجتمع الدولي، لم تزل الأزمة قائمة، ولم يزل الشعب السوري يعاني، ولم تزل المصالح الضيقة والطائفية تتحكم في حاضر سورية وتهدد بتدمير مستقبلها، لم ينجح المجتمع الدولي حتى الآن في الخروج بتوافق حول صيغة تنفيذية للتسوية السياسية في سورية بناءً على الوثيقة الوحيدة المتفق عليها وهي وثيقة جنيف، ولست هنا في معرض الحديث عن أسباب ذلك، إلا أنه يتعين علينا الوقوف على واقع الأمور على الأرض، فالعملية السياسية جمدت لفترة طويلة، والعمليات العسكرية المتصاعدة أصبحت أكثر جذبًا للجهود والإمكانيات الدولية والإقليمية على حساب التسوية السياسية.
واستطرد: لذلك، فإن وجود تصور سوري وطني خالص للحل السياسي أصبح أكثر أهمية وإلحاحًا من أي وقت مضى، فالسوريون هم الأحق والأكثر قدرة على صياغة مستقبل بلدهم، وعلى وضع رؤية شاملة تكون بمثابة المشروع الوطني الذي يحظى بقبول الشعب السوري بكافة أطيافه وانتماءاته، وبحيث تصبح تلك الرؤية المحرك والدافع الرئيسي لشحذ الجهود الدولية والإقليمية من أجل وقف العنف والتدخلات وإنفاذ الحل السياسي.
وتابع: من هذا المنطلق، عملت بعض القوى والشخصيات الوطنية السورية على تشجيع دور مصر وطلب دعمها ورعايتها لجهد سوري وطني خالص، وجاءت استجابة مصر لهذه الجهود تأسيسًا على حرصنا الطبيعي على الحفاظ على سوريا، واستجابةً لمتطلبات الأمن القومي العربي، ومن خلال البناء على مصداقية سياسة مصر تجاه الأزمة منذ بدايتها، فمصر لم تتدخل ولن تتدخل يومًا في شأن شعب عربي شقيق، فمصر لم تسع لتطويع الثورة السورية أو توظيفها تحقيقًا لمصالحها وأهدافها، وستظل دومًا على استعداد لتقديم يد العون والرعاية لأشقائها العرب".
وأوضح أن عملية تقريب وجهات نظر قوى وشخصيات المعارضة الوطنية السورية التي بدأت في القاهرة في كانون الثاني/ يناير الماضي، أثمرت حتى الآن عن "نقاط 10" تم التوافق عليها، وتطورت تلك العملية بالارتكاز على جهودكم لنلتقي هنا اليوم في مؤتمر موسع يستهدف صياغة تصور يتأسس علي تلك النقاط التوافقية، ويتضمن رؤية واضحة لمستقبل سورية، وصيغة تنفيذية لوثيقة جنيف، وبحيث يتم طرح هذا التصور علي الشعب السوري والمجتمع الدولي من أجل الحل السياسي.
وأكد قائلاً: دعوني أؤكد لكم أن جهودكم لن تنتهِ بانعقاد هذا المؤتمر، فخروجكم اليوم وغدًا بمقترح لإنفاذ الحل السياسي هو البداية، وسنعمل سويًا من أجل حمل رسالتكم ورؤيتكم لسورية والعالم، واعتقادنا أن التصور الذي سيخرج عن هذا المؤتمر سيكون مفتوحًا لجميع الأطراف والفصائل والتجمعات السورية لتبنيه، فقوة ونجاح جهودكم منذ البداية ارتكنت على تطلعات مجمل الشعب السوري، ولم تقتصر يومًا على أطراف دون أخرى.
وتابع: سيطرة الطائفية وانتشار الفوضى والتنظيمات المتطرفة في معظم الأراضي السورية، هو أمر يهدد مستقبل المنطقة برمتها ولا يمكن السكوت عليه، أو القبول به باعتباره أمرًا واقعًا، كما أن التجربة أثبتت أن مواجهة خطر تلك التنظيمات وإعادة توحيد الأراضي السورية، لن تتحقق دون التوصل لتسوية سياسية، تسوية مبنية على وثيقة جنيف، تبدأ بإنشاء هيئة حكم انتقالية تتمتع بكافة الصلاحيات التنفيذية، وتكتسب شرعيتها من الشعب السوري ومن الاعتراف الدولي بها باعتبارها صيغة توافقية مدعومة من قِبل المجتمع الدولي، وبحيث تتمكن تلك الهيئة بمؤسساتها المختلفة من إدارة عملية عودة المهجرين وإعادة الاستقرار وإنفاذ القانون، وتتمكن من جذب الدعم الداخلي والخارجي مواجهة القوى المسلحة الرافضة للتسوية ولكي تتمكن هيئة الحكم من ممارسة السيادة على كافة الأراضي السورية".
بينما أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، الدكتور نبيل العربي، أن تفاقم الأزمة السورية وحجم ما خلفته من دمار وحمام دم يفرض ضرورة تتبع ما تم اتباعه من سياسات، وأن الجميع أدرك أنه لا حل إلا سياسي للأزمة، مطالبًا بتضافر جميع الجهود، والعمل الجاد لابتكار صيغة مناسبة لتفعيل نقاط بيان جنيف العام 2012.
وأوضح العربي، في كلمته أمام مؤتمر المعارضة السورية المنعقد في القاهرة، أن الانتقال الديمقراطي ووضع آلية لكيفية تحقيق ذلك هي نقطة البداية، محملاً النظام السوري تداعيات الأزمة من خلال اللجوء للحل العسكري مما تسبب في سقوط الآلاف من الأبرياء، مشيرًا إلى أن ذلك أدى إلى انتشار المنظمات المتطرفة في البلاد مما أثر على أمن الدولة السورية وعلى استقرارها، مؤكدًا أن الحل في سورية لابد أن يكون سلميًا وبإرادة سورية سياسية.
وأشار العربى إلى أن جامعة الدول العربية فتحت اتصالًا مع المعارضة عقب اندلاع الثورة السورية، وأنه عقد مؤتمر للمعارضة في الجامعة لأكثر من 200 شخصية لتوحيد جهود المعارضة السورية، وإلى أن رعاية الجامعة لهذا المؤتمر في ذلك الحين تبني وثيقتين رئيسيتين؛ أولهما الرؤية السياسية لحل الأزمة والثانية وثيقة العهد الوطني، وأعرب عن أمله عن يتم الاستفادة منهم والاعتماد عليهم.
كما أعرب عن أمله في أن ينجح المؤتمر في توحيد الجهود وأن تسهم الاجتماعات في رؤية سياسية شاملة للأزمة، مؤكدًا أن منذ 4 أعوام لجمع المعارضة السورية حول رؤية واضحة ولم يتم النجاح في ذلك، مناشدًا كافة القوى والفصائل المعارضة أن تتوحد لحل الأزمة.
وأكدت مصادر دبلوماسية إلى "مصر اليوم" أن "المؤتمر سيشارك فيه نحو 200 قيادي من ممثلي أطياف المعارضة السورية، بهدف العمل على إنهاء الأزمة ووقف إراقة الدماء والحفاظ على وحدة الشعب السوري".
وأوضحت المصادر أن "أطياف المعارضة وضعت نقاط عدة لحل الأزمة السياسية في البلاد، ووضعت خارطة طريق سياسية تتضمن مرحلة الانتقال الديمقراطي وفق آليات ونقاط محددة، تتضمن عدم وجود مستقبلي للمنظومة الحاكمة في سورية، وإنجاز دستور ديمقراطي للدولة، إضافة إلى إلزام الأطراف المتصارعة وتحديدًا العناصر الأجنبية المسلحة الخروج من الأراضي السورية التي تقاتل مع الرئيس بشار الأسد أو ضده".
وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية بدر عبدالعاطي، في بيان سابق له، أن مؤتمر المعارضة السورية من أجل الحل السياسي في سورية سيكون بحضور مختلف أطياف وشخصيات المعارضة السورية، وأن وزير الخارجية المصري سامح شكري سيشارك في الجلسة الافتتاحية.
كان المجلس المصري للشؤون الخارجية وجَّه 220 دعوة إلى شخصيات معارضة لحضور مؤتمر المعارضة في القاهرة.
واتخذت مصر إجراءات لمنع سفر المصريين إلى سورية وتركيا والعراق إلا بمنح موافقة أمنية، كما حذرت المواطنين من السفر إلى سورية كجهة مرور إلى بلدان أخرى.
أرسل تعليقك