الطريقة الوعظيّة في نقد الثورات العربيّة

الطريقة الوعظيّة في نقد الثورات العربيّة

الطريقة الوعظيّة في نقد الثورات العربيّة

 العرب اليوم -

الطريقة الوعظيّة في نقد الثورات العربيّة

بقلم : حازم صاغية

لا يماري إلّا الغلاة في أنّ الثورات العربيّة تستحقّ الكثير من إعمال النقد وأعمال المراجعة. بل الغلاة وحدهم مَن لا يرون ضرورة هذا النقد ولا يهتمّون بإلحاحه. وبالفعل تعرّضت تلك الثورات لأنواع لا حصر لها من النقد، تداخل فيه القمح والزؤان، مثلما تداخل الرأي الحرّ والغرض، أو الظاهر الأيديولوجيّ الحديث والباطن العصبيّ القديم.

وهذه جميعها صيغٌ من النقد وجدت بدورها من ينتقدها، أو يسجّل ما رآه فيها نواقص وقصوراً. وعلى العموم، جاء نقد النقد يحمل ما حمله النقد من تفاوت وخلائط.

بيد أنّ لغة سهلة وواسعة الانتشار ظهرت مع بداية الثورات العربيّة، هابّةً من بيئات ثقافيّة حصراً، لتشهد الآن، مع هزيمة الثورات، انتعاشاً لافتاً يكاد يجعلها قولاً مأثوراً. واللغة هذه لئن تعرّضت لطعن الكثيرين ممّن استهدفوا مضمونها، فإنّ شكلها نادراً ما استوقف النقّاد، علماً أنّ شكلها ذاك هو هو مضمونها، أو أنّ المضمون غالباً ما يتبدّى محاكاةً لذاك الشكل المتعالي ونسجاً عليه.

وأمّا لغة النقد المذكورة، المتجدّدة والمتوسّعة، فمفادها أنّ لا ثورة إلّا بفصل الدين عن الدولة أو العلمنة.

ولا يمكن للمرء أن يوافق أكثر، فالموافقة هنا تشبه الموافقة على دوران الأرض حول الشمس أو على ضرورة الغذاء والماء لاستمرار الحياة. والثورة، بعد كلّ حساب، ليست مجرّد فعل سياسيّ حتّى لو افتُتحت بفعل كهذا.

لكنّ المثقّف في زمننا «الحديث» ليس من يقرّر أفضليّة مثل هذا الفصل بين الدين والدولة على ربط الدولة بالدين. ذاك أنّ معظم من سُمّوا كتّاب عصر النهضة وأدباءه، منذ منتصف القرن التاسع عشر، سبق لهم أن زوّدونا بمثل هذه الحقيقة في أبهى حللها الإنشائيّة. أمّا اليوم فالمطلوب صوتٌ يقول لنا كيف يتمّ ذاك الفصل، وأيّة قوى اجتماعيّة تحمله، وفي ظلّ أيّ من الظروف والمنعطفات يمكن ذلك، وما الذي يُصنع لتغليب كفّة الفصل على كفّة الوصل؟ هنا ملعب الثقافة والمثقّفين.

فحين لا تُطرح أسئلة كهذه، ومثيلات لها، لكي يُكتفى بالتعميم والبداهات، نكون حيال وعظ أخلاقيّ لا يغني ولا يسمن من جوع.

واقع الحال أنّ قيمة هذا النقد كامنة، أوّلاً وأساساً، في دلالته هو نفسه على ذاته. فعلى الجناح المهيض لوعظٍ كهذا، نهوي في حفرة الثقافة بمعناها السابق على الثقافة الحديثة، أي حين كان المثقّفُ رجلَ الدين أو العارف بالغيب، أو في أحسن الأحوال معلّم القرية، مثلما كانت الحكمة أو الخطبة «العصماء» هي الشكل الثقافيّ الطاغي.

وفي هذا، يقيم من الاتّباع والثبات والتقريريّة، إن لم نقل النكوص، ما يكفي لتوسيع المسافة الهائلة التي تفصلنا عن حداثة يعظنا الوعظ باعتناقها. فإذا بنا، والحال هذه، نؤسّس للقدامة فراديس جديدة فيما الهدف المرتجى توسيع مملكة الحداثة.

والوعظ تعريفاً قول آتٍ من خارج التجربة والانخراط، والواعظ، لهذا السبب، وحتّى لو كان كارهاً للاستبداد، لا يملك الكثير يقدّمه لصراع راهن ومحتدم. أمّا حين يأتي الوعظ ممّن لم يعرفوا من الأحزاب والأفكار إلّا استبداديّها وتوتاليتاريّها، فهذا ما يزيد جرعة السمّ في وعظ الواعظين. وهناك في منطقتنا اليوم سمّ كثير تسبّب به، قبل أن يظهر السمّ «الداعشيّ»، السلاح الكيماويّ والبراميل وطلعات الطيران الروسيّ.

وإذا ما تجاوزنا عن الشهادات التي تقدّمها أجساد البشر، بقي بيننا الأرشيف الذي هو أيضاً واحد من أعمال الحداثة.

arabstoday

GMT 03:12 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

حرب نتنياهو: خصوصيّات غير خاصّة

GMT 00:39 2024 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

كي لا نكون ضحايا الرواية ذات الفصول الأربعة

GMT 00:32 2024 الأحد ,16 حزيران / يونيو

مأساة السودان وثقافة إنكار النزاع الأهلي

GMT 00:33 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اللاجئون والمهاجرون بعد الانتخابات الأوروبيّة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطريقة الوعظيّة في نقد الثورات العربيّة الطريقة الوعظيّة في نقد الثورات العربيّة



نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:37 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

سوناك يقر بالهزيمة في انتخابات بريطانيا
 العرب اليوم - سوناك يقر بالهزيمة في انتخابات بريطانيا

GMT 14:42 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

الزواج سم قاتل مسلسل هنا الزاهد فى رمضان 2025
 العرب اليوم - الزواج سم قاتل مسلسل هنا الزاهد فى رمضان 2025

GMT 11:08 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

عقار "الفياغرا" قد يساعد في الوقاية من الخرف

GMT 08:55 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

ارتفاع كبير في حالات حمى الضنك من حول العالم

GMT 06:08 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

الحل في ليبيا بإخلائها من الميليشيات

GMT 23:59 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

ليون الفرنسي يُبرم أغلى صفقة في تاريخه

GMT 10:43 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

جوجل يحتفل بالذكرى الـ 62 لاستقلال الجزائر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab