عبد الباري عطوان
في مقال كتبه في صحيفة اسرائيلية طالب كمال اللبواني احد ابرز المعارضين السوريين وعضو الائتلاف الوطني السوري سابقا، اسرائيل بالتدخل عسكريا في سورية كرد على تصاعد الدعم العسكري الروسي للنظام، واقامة منطقة حظر جوي في الجنوب، وقال انها ليست مرغمة على استقبال لاجئين سوريين، ولكن عليها ان ترسل مساعدات انسانية الى الجانب السوري من الحدود، وان تلعب دورا دبلوماسيا اكبر من فرض حل سياسي في سورية.
ومن المفارقة ان مقال اللبواني هذا تزامن مع اعتصامات شبابية على طريق مطار بيروت، بدأت ويوم الاثنين الماضي، لمنع نقل جثمان الجنرال انطوان لحد قائد جيش لبنان الجنوبي العميل لاسرائيل الى مسقط رأسه في الشوف، وقال متحدث باسم المعتصمين “ان هدفهم ان تعود الطائرة التي تحمل جثة لحد ادراجها من حيث اتت (باريس)، هؤلاء يعدون ان يفترشوا الارض باجسادهم حتى لا تمر الجيفة الى الشوف، وحتى لا تكون مقابر لبنان مطامر”.
لا نعرف ما اذا كان السيد اللبواني قد تابع هذه الحملة الشبابية والغضب اللبناني عموما تجاه اي محاولة من قبل الحكومة لدفن رجل خان بلاده، وتعاون مع المحتل، وقتل المئات من رجال المقاومة في ارض لبنان، ولكن نتمنى عليه، وكل الذين يؤمنون بنهجه، ويتبنون افكاره، التي عبر في احداها عن استعداد “المعارضة” للتنازل عن هضبة الجولان لاسرائيل مقابل اسقاط الرئيس الاسد، ان يتابعوا هذه الانتفاضة اللبنانية ضد الجنرال لحد وجثمانه، وان يعودوا لقراءة ايام الجنرال التي قضاها في تل ابيب بعد انسحاب القوات الاسرائيلية مهزومة من جنوب لبنان على ايدي رجال المقاومة عام 2000، حيث افتتح (الجنرال) مطعما وملهى ليليا، بينما اضطر رجاله للتسول في الشوارع، بعد ان نبذتهم السلطات الاسرائيلية وتخلت عنهم.
وسائل الاعلام الاسرائيلية لم تكتب سطرا واحدا نعيا له، ولم يؤبنه اي مسؤول اسرائيلي، وكان الوحيد الذي ذكره في تغريدة له على موقعه في “الفيسبوك” هو افيغدور ليبرمان، اليميني العنصري المتطرف، حيث اعرب عن اسفه لان حكومته تخلت كليا عن هذا الجنرال ورجالاته في حياته وفي مماته.
اسرائيل تحتقر عملاءها، مثل كل الدول الاخرى، وتقذف بهم في المزابل بعد ان ينتهي دورهم، وهناك موقف ينسب الى نابليون بونابارت، عندما رفض مصافحة احد الجواسيس الذي قدم معلومات قيمة لجيشه ساعدت في انتصاره في ميادين المعركة، وعندما سئل عن سبب ذلك قال “انا لا اصافح رجلا خان بلاده، اعطوه مالا ولكن مصافحته لا”، وهذا ما فعلته اسرائيل، مع الجنرال لحد، ومع العملاء الفلسطينيين في الفضة الغربية وقطاع غزة، حيث وضعتهم في قرية صغيرة قرب الحدود مع فلسطين المحتلة عام 1948 (الذهنية) لتوفير الحماية لهم، ثم اخذتهم معها بعد انسحابها مهزومة من القطاع، ورفضت جميع قرى اهلنا في مناطق احتلال عام 1948 توطينهم فيها.
من حق المعارضة السورية ان تعارض النظام في دمشق، فقد ارتكب اخطاء كارثية، اعترف بارتكابها على اعلى المستويات على صعيد مصادرة الحريات واستخدام القبضة الحديدية مع معارضيه السلميين المطالبين بالحد الادنى من حقوق الانسان، ولكن هذه المعارضة يجب ان ترتكز على ثوابت وطنية، ليس من بينها التعاون مع الاحتلال الاسرائيلي، او اي قوى استعمارية اخرى.
الجنرال لحد قدم خدمات جليلة للاحتلال الاسرائيلي منذ عام 1984 عندما تولى جيش لبنان الجنوبي خلفا للجنرال سعد حداد، وانتهى جثة في باريس، لا مكان لها في لبنان، او حتى على ارض فلسطين المحتلة الطاهرة مقبرة الغزاة.
هل سيأتي اليوم الذي يعتصم فيه السوريون على ابواب مطار دمشق لرفض دخول جثامين من تعاونوا مع الاحتلال الاسرائيلي من ابناء جلدتهم؟
لا شيء مستبعد.. والتاريخ غالبا ما يعيد نفسه.