خلل في تقدّميّة التقدّميّ وفي ثوريّة الثورة

خلل في تقدّميّة التقدّميّ وفي ثوريّة الثورة

خلل في تقدّميّة التقدّميّ وفي ثوريّة الثورة

 العرب اليوم -

خلل في تقدّميّة التقدّميّ وفي ثوريّة الثورة

حازم صاغية

مفهومٌ، بل مرغوب بمعنى ما، أن تناهض الجماعات التابعة لإيران الثورة السوريّة منذ يومها الأوّل. ذاك أنّ الأخيرة تصدم، في وقت واحد، المنظومتين الإستراتيجيّة والفكريّة للممانعة كما تقودها طهران، وتستبطن للمنطقة نصاباً من المعقوليّة التي أطاحها ثنائيّ التمدّد الإيرانيّ والتقلّص العربيّ.

ومفهومٌ أن تقف الشُلل اليساريّة المبعثرة، المسكونة بعداء ماهويّ للولايات المتّحدة، ضدّ الثورة السوريّة بوصفها غيّرت خريطة التناقضات والأولويّات، جاعلةً مسألة الحرّيّة والاستبداد في الداخل تتقدّم على سائر الاعتبارات التي فُرضت عقداً بعد عقد على الشعوب العربيّة ترهيباً وترغيباً.

مع هذا، ثمّة مسألة لم يعد جائزاً إنكار وجودها، أو التقليل من أهميّتها وأهميّة دلالاتها، والاكتفاء بمعالجة لها تقوم على الكتمان والتحايل: إنّها مشكلة الثورة السوريّة مع أطراف تقدّميّة عريضة خارج سوريّة. فهذا ما رأيناه منذ أيّام الثورة الأولى، ليشتدّ لاحقاً، في كلّ من تركيّا وتونس وسواهما.

والحال أنّها مشكلة كان ينبغي، مبدئيّاً ونظريّاً، ألاّ تنشأ أصلاً، إلاّ أنّ ما أنشأها، في آن واحد، هو أزمة تقدّميّة التقدميّين خارج سوريّة وأزمة ثوريّة الثورة في سوريّة نفسها.

فتقدّميّة التقدّميّين لا تنجو من الطعن والتشكيك حين لا ينتبه أصحابها إلى الألم السوريّ، وحين يُخرجون من أجندتهم الحداثيّة والتقدّميّة موضوعةَ الطغيان ومسألةَ الحقّ في الثورة على استبداد كذاك الأسديّ الممتدّ والتوريثيّ والعميق في آن. فكأنّ العلمنة ومساواة المرأة بالرجل وسائر المكتسبات المطلوبة قابلة للتحقّق بمحض منحة من الأعلى السلطويّ أو الأعلى الفكريّ، في معزل عن حركة المجتمع التي لا تضمن صحّيَّتها ولا تحميها إلاّ حرّيّتُها. وفي المقابل، تكون ثوريّة الثورة ناقصة حين تستطيع قوى كـ «داعش» و»النصرة» أن تتحوّل إلى أهمّ قواها وأكثرها فعلاً وتأثيراً. وهذا إذا جاز البحث عن بعض أسبابه هنا وهناك، في موقف دوليّ وإقليميّ أو في هجرة جهاديّين أجانب أو في إطلاق سراح تكفيريّين كانوا في السجون، فإنّه لا يُغني عن رؤية السبب الرئيس وهو الاستعدادات المجتمعيّة التي خصّبتها عشرات السنين من حكم أمنيّ رهيب. فالتكفيريّون طاردون تعريفاً للدعم والحلفاء، لا في الخارج فحسب بل أصلاً في الداخل الذي كان آخر ضحاياه دروز قرية قلب لوزة. والتكفيريّون لئن قام خطابهم على أنّنا نحن الأكثريّة، ويحقّ لنا بالتالي أن نفعل ما نشاء، فإنّ تتمّة الخطاب ليست اعترافاً بأنّ الأخيرين أقلّيّات، بمن فيهم السنّة الذين لا يشاركونهم آراءهم. فهم إذاً «أكثريّة» في مقابل لا شيء، أي في مقابل قوى كافرة أو منحرفة مصيرها العادل والمحتوم الموت والاجتثاث.

يقال هذا وفي البال الانتخابات التركيّة الأخيرة التي أظهرت بوضوح تنافر مزاج الثورة السوريّة ومزاج الديموقراطيّين والتقدّميّين الأتراك. وإذا كانت اعتبارات عمليّة تتعلّق بوجود السوريّين النازحين في تركيّا، أو ما يتّصل بالحجم العلويّ الوازن ضمن الكتلة التركيّة التقدميّة، من العوامل التي تفسّر التعاطف مع أردوغان، فماذا يقال في هذا التنافر إيّاه بين المزاج العريض للتونسيّين التقدّميّين والمزاج العريض للثورة السوريّة؟

وتركيّا وتونس، كما نعلم، بين أوّل بلدان الشرق الأوسط إطلالاً على الحداثة وعلى النزعة الدستوريّة، ومن أشدّ بلدان المنطقة امتلاكاً لطبقة وسطى ذات تقاليد. لكنّ تركيّا أيضاً تخوض اليوم تجربة ديموقراطيّة شهدت لمصلحتها الانتخابات الأخيرة، وإن كانت المخاوف لا تزال ماثلةً في أفقها، بينما تونس تخوض، هي الأخرى، تجربة ديموقراطيّة ليس مضموناً أن لا تخفق وتنتكس، إلاّ أنّها لا تزال الأنجح في سجلّ ثورات «الربيع العربيّ».

وهذا التنافر بين المزاجين مُقلق على الجبهتين، يقول الكثير عن قوّة الثورات المضادّة داخل ثوراتنا الضعيفة، وعن حجم المحافظة داخل تقدّميّاتنا الساعية إلى التغيير.

arabstoday

GMT 19:26 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

مواعيد إغلاق المقاهى.. بلا تطبيق

GMT 19:24 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

المطلوب

GMT 19:24 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

البابا فرنسيس والسلام مع الإسلام

GMT 19:23 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

الإحساس في كلام عبّاس

GMT 19:23 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

خيار الفاتيكان القادم: الكرازة أم التعاليم؟

GMT 19:21 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

السوداني والإخوة الحائرون

GMT 19:21 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

... والجامعيون أيضاً أيها الرئيس!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خلل في تقدّميّة التقدّميّ وفي ثوريّة الثورة خلل في تقدّميّة التقدّميّ وفي ثوريّة الثورة



نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 08:52 2025 السبت ,26 إبريل / نيسان

قادة العالم يشاركون في جنازة البابا فرنسيس
 العرب اليوم - قادة العالم يشاركون في جنازة البابا فرنسيس

GMT 17:37 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

أقصر الطرق إلى الانتحار الجماعي!

GMT 04:47 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 25 إبريل / نيسان 2025

GMT 17:02 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

صعود طفيف لأسعار النفط بعد انخفاض 2%

GMT 10:33 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

GMT 17:34 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بقايا «حزب الله» والانفصام السياسي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab