من ريمون اده إلى ميشال عون كل هذا السقوط

من ريمون اده إلى ميشال عون.. كل هذا السقوط

من ريمون اده إلى ميشال عون.. كل هذا السقوط

 العرب اليوم -

من ريمون اده إلى ميشال عون كل هذا السقوط

خيرالله خيرالله

نشهد حاليا فصلا آخر، وليس الأخير، من السقوط المسيحي في لبنان. في الوقت الذي يكرّم اللبنانيون مجددا العميد ريمون اده عن طريق تسمية جادة في جبيل باسمه، يسعى ميشال عون النائب المسيحي للتأكيد أنّه كان رجل فكر وأنّ لديه ما يتركه.

يختزل الفارق بين رجل كبير مثل ريمون اده، الذي وقف في وجه اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969، وشخص مثل ميشال عون، انتهى أداة لدى “حزب الله” مأساة المسيحيين في لبنان.

كان من أطرف ما شهده لبنان أخيرا الإعلان عن “مؤسسة” هدفها “القيام بنشر فكر العماد ميشال عون في لبنان والعالم”، و“تثقيف الشباب اللبناني لتعزيز الديمقراطية لديهم”.

في أساس المؤسسة التي وافقت وزارة الداخلية اللبنانية على قيامها، وفقا للقوانين المرعية، كلمتا “فكر” و“ديموقراطية”. إذا كان ميشال عون اشتهر بشيء، فهو اشتهر بغياب أي نوع من أي فكر لديه واحتقاره الديمقراطية، أي ديمقراطية. لم يقبل النائب المسيحي، ذو الثقافة جدّ المتواضعة، والذي يراهن على الغرائز لدى الطبقة المسيحية دون المتوسطة، تطبيق الديمقراطية حتّى داخل تيّاره. فرض أن يكون خليفته صهره الذي صار بين ليلة وضحاها صاحب ثروة كبيرة ووزيرا، علما أنّه سقط سقوطا ذريعا في كلّ مرّة ترشّح كي يكون نائبا. ترشّح الصهر وسقط في منطقة تتحكّم بها الأصوات المسيحية.

المعيب في الأمر أن بنات ميشال عون اللواتي يقفن وراء “المؤسسة”، لا يمتلكن ما يكفي من الشجاعة للقيام بعملية نقد للذات. تنطلق هذه العملية من أنّ ميشال عون ليس ديمقراطيا ولا يعرف شيئا عن الديمقراطية. فكيف يريد نشرها وتعزيزها؟

أمّا بالنسبة إلى الفكر، فحدّث ولا حرج. هناك رجل قادر على الانتقال من الإعجاب بفكر صدّام حسين في أواخر ثمانينات القرن الماضي… إلى الإشادة بفكر بشّار الأسد بعد العام 2006، وصولا إلى السقوط في حضن حسن نصرالله، أي في حضن “الحرس الثوري” الإيراني ولا شيء آخر غير ذلك.

في الطريق إلى قيام “مؤسسة ميشال عون”، جمع النائب المسيحي الذي صنع له “حزب الله” كتلة كبيرة في مجلس النوّاب اللبناني، بين كل التناقضات. اتكل في كلّ وقت على أن مناصريه لا يمتلكون الحدّ الأدنى من النضج السياسي والوعي الوطني. إنّه يفكّر عنهم ويفرض عليهم ما يجب قوله وما لا يجب قوله. وعندما يأتي سياسي معقول يمتلك منطقا مثل الوزير بطرس حرب ويسأله كيف يوفّق بين مجلس للنواب يعتبره “غير شرعي” وبين طلبه من هذا المجلس تعديل الدستور، لا يمتلك ميشال عون سوى الصياح للتهرّب من التعاطي مع المنطق، في حدّه الأدنى.

لا يرى ميشال عون عيبا في أن يعدل مجلس النوّاب “غير الشرعي” الدستور اللبناني كي يصبح انتخاب رئيس للجمهورية من الشعب مباشرة، معتقدا أن أصوات “حزب الله” الذي يستطيع الإتيان بجمهوره إلى صناديق الاقتراع عبر الفتاوى التي يصدرها، سيمكّنه من الوصول إلى رئاسة الجمهورية.

ليس عيبا أن يكون أي ولد معجبا بوالده، حتّى عندما يكون هذا الوالد مسؤولا عن تهجير مئات آلف المسيحيين من لبنان. العيب في الهرب من الواقع، عن طريق ممارسة لعبة الهرب إلى الأمام من دون تقدير للنتائج المأساوية لهذه اللعبة.

إذا كانت هناك من خدمة تستطيع بنات ميشال عون تأديتها، فهذه الخدمة تتمثّل في إقناعه بتمضية الأيام الأخيرة من حياته في حديقة منزله في الرابية، وليس في حارة حريك طبعا، يعتني بالورود، بدل العمل على تهجير مزيد من المسيحيين من لبنان.

يبقى أنّ هناك ما هو أبعد من الفكر العقيم وغياب أي ثقافة ديمقراطية لدى شخص مثل ميشال عون. يكشف الرجل، بما يمثّله، جانبا من الأزمة التي يعاني منها قسم كبير من المسيحيين في لبنان. في أساس هذه الأزمة العجز عن استيعاب ما يدور في المنطقة والتعاطي مع الأحداث الإقليمية، بما يخدم مصلحة لبنان واللبنانيين جميعا، مسيحيين ومسلمين.

في العام 1969، لم يوجد في لبنان سوى زعيم سياسي واحد وحيد، هو العميد ريمون اده اعترض على اتفاق القاهرة المشؤوم. أدرك ريمون اده معنى بداية التخلي عن السيادة والنتائج التي ستترتب على ذلك. كان هناك خطأ كبير ارتكبه المسلمون، خصوصا زعماء السنّة وقتذاك، الذين ضغطوا على رئيس الجمهورية شارل حلو، كي يقبل الاتفاق الذي ما لبث أن حظي بموافقة مجلس النوّاب.

كذلك، كان هناك نوع من الانتهازية لدى الزعماء المسيحيين، خصوصا الأقطاب الموارنة، الذين كان كل منهم يطمح إلى رئاسة الجمهورية. وحده ريمون اده، الذي يمكن أن تكون عليه مآخذ كثيرة، خصوصا بسبب موقفه من الشهابية، رفض أن يكون أسير عقدة رئاسة الجمهورية. وضع مصلحة لبنان فوق مصلحته الخاصة.

كان ريمون اده رجلا عظيما. عندما يسمّى شارع باسمه، أكان ذلك في بيروت أو جبيل، فإن رفع اسمه في مكان عام يشرّف بيروت وجبيل.

يكفي ريمون اده رفضه الدائم اللجوء إلى السلاح في كلّ وقت من الأوقات وفي كلّ ظرف.

رفض الدخول في لعبة الميليشيات المسيحية التي قاتلت المسلحين الفلسطينيين في لبنان. كان قتال الفلسطينيين وقتذاك ضروريا، لو انضم مسلمون إلى هذه المعركة، بدل تسهيل الميليشيات، على أنواعها، عملية إدخال البلد في حرب ذات طابع طائفي. كان وراء هذه الحرب في كلّ وقت النظام السوري.

أراد حافظ الأسد، وقتذاك، استخدام المسيحيين في لعبة إخضاع الفلسطينيين من جهة وإدخال المسيحيين في لعبة حلف الأقليات التي بات يؤمن بها ميشال عون من حيث يدري أو لا يدري من جهة أخرى. كان الأسد الأب يرسل السلاح إلى الجانبين، إلى الفلسطينيين والمسيحيين، كي يوافق الأميركيون في نهاية المطاف، بضوء أخضر إسرائيلي، على وضع اليد السورية على لبنان… على مسلميه ومسيحييه.

كلّ ما فعله ميشال عون في خريف العام 1990، أنّه استكمل عملية وضع اليد السورية على البلد عندما أوصل الجيش السوري إلى قصر بعبدا ووزارة الدفاع.

هناك بكل بساطة، لدى ميشال عون ومن على شاكلته، عقل عقيم يستخدمه حاليا “حزب الله” ومن خلفه إيران في تدمير ممنهج للبنان ومؤسساته. يستخدم ميشال عون حاليا في منع انتخاب رئيس للجمهورية، خدمة لإيران لا أكثر.

الخدمة الوحيدة التي تستطيع عائلة ميشال عون تقديمها للبنان واللبنانيين تتمثل في إنشاء مؤسسة ترعى ميشال عون في شيخوخته، مؤسسة تتولى تقديم الاعتذار تلو الآخر عن الإرتكابات التي استهدفت لبنان واللبنانيين، منذ كان ميشال عون مجرّد مستشار من بين مستشاري الرئيس الشهيد بشير الجميّل، وهو بين ضحايا النظام السوري في لبنان الذي يعتبره اليوم ميشال عون حاميا لمسيحيي الشرق.

تكمن مشكلة ميشال عون والمؤمنين بفكره وديمقراطيته، أي بشيئين غير موجودين، في أن لا مكان لديهم للاعتذار ومراجعة الذات. وحدهم الكبار في هذا العالم يعتذرون. وحدهم الكبار يمتلكون من العلم والمعرفة والتواضع، ما يكفي للقيام بمراجعة نقدية للذات. على سبيل المثال فقط، وقف نهاد المشنوق، بصفة كونه وزيرا للداخلية، ليقول في تكريم ريمون اده في جبيل قبل أيّام “كم كنت على حقّ حين رفضت بعناد اتفاق القاهرة، وهو الاتفاق الذي شرّع البلاد أمام تجربة السلاح الفلسطيني وأنا من جيل ينتمي إلى هذه الخطيئة بحقّ لبنان واللبنانيين. كم نحتاج إلى صلابتك ورؤيويتك لتهدئة أهل السلاح اليوم…”.

في الاعتذار، والاعتذار فقط، يمكن لميشال عون أن يكرّم نفسه… أو أن يجد من يكرّمه في حال كان مطلوبا أن يكون كبيرا بين الكبار، حتّى لا نقول أكثر من ذلك.

ولكن ما العمل، عندما يكون قدر مسيحيي لبنان هذا السقوط المروع إلى درجة بات ميشال عون يعتقد أنه مؤهل ليكون رئيسا للجمهورية بعد كل الحروب التي خاضها وأدّت إلى تهجير أكبر عدد ممكن من المسيحيين من لبنان.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

GMT 04:14 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

صيحة سلمان الداية... لها وعليها

GMT 04:11 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بريطانيا... الحكومة العمالية بين فكي رحى

GMT 04:08 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الخامس والأربعون والسابع والأربعون

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من ريمون اده إلى ميشال عون كل هذا السقوط من ريمون اده إلى ميشال عون كل هذا السقوط



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 03:09 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريل يعترف بعجز الاتحاد الأوروبي عن بناء بنية أمنية جديدة
 العرب اليوم - بوريل يعترف بعجز الاتحاد الأوروبي عن بناء بنية أمنية جديدة

GMT 14:56 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أداة ذكية لفحص ضغط الدم والسكري دون تلامس

GMT 01:33 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقالات جديدة في أحداث أمستردام وتجدد أعمال الشغب

GMT 13:05 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مهرجان آفاق مسرحية.. شمعة عاشرة

GMT 06:21 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

مفكرة القرية: الطبيب الأول

GMT 10:50 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

سبيس إكس تعيد إطلاق صاروخ Falcon 9 حاملا القمر الصناعى KoreaSat-6A

GMT 20:05 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

انضمام بافارد لمنتخب فرنسا بدلا من فوفانا

GMT 16:04 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يكشف طبيعة إصابة فاسكيز ورودريجو في بيان رسمي

GMT 07:23 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أزياء ومجوهرات توت عنخ آمون الأيقونية تلهم صناع الموضة

GMT 08:47 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يتألق في حفل حاشد بالقرية العالمية في دبي

GMT 14:12 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يفقد أرنولد أسبوعين ويلحق بموقعة ريال مدريد

GMT 22:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ليوناردو دي كابريو يحتفل بعامه الـ50 بحضور النجوم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab