بقلم : جهاد الخازن
اليوم تكمل تيريزا ماي شهراً في رئاسة الوزارة البريطانية، وإذا كان لي أن أعطيها علامة على عملها، فرأيي أنها تستحق ثمانية أو تسعة على عشرة.
يكفيني من عملها أنها خلفت ديفيد كامرون الذي اعتبرتُه دائماً آخر المحافظين الجدد وصديق اسرائيل حتى وهي ترتكب جرائم يومية ضد الفلسطينيين. غير أن رأيي هذا شخصي وأعرف أن قراء كثيرين يشتركون معي فيه، فأنتقل الى السياسة.
تيريزا ماي تشبه المستشارة الألمانية انجيلا ميركل أكثر من أول رئيسة وزراء لبريطانيا مارغريت ثاتشر، فهي مصلحة اجتماعية أكثر منها قائدة. هي ركزت دائماً على العدالة الاجتماعية، وحاولت جهدها وهي وزيرة للداخلية ست سنوات. بعد أن أصبحت رئيسة للوزراء سمعنا حديثاً عن تأييدها رفع الحظر على مدارس تموّلها الحكومة ويستفيد منها أولاد الفقراء، وبعضهم ينتقل منها الى الجامعة.
بريطانيا أم الديمقراطية الحديثة، إلا أنها تظل طبَقية في نسيجها الاجتماعي، والثري يستطيع أن ينتقل بأسرته الى بيت قرب مدرسة ثانوية ناجحة يتعلم فيها أبناؤه. الفقير لا يستطيع ذلك، كما لا يملك المال لتعليم أبنائه في مدارس خاصة، لذلك كانت المدارس الحكومية خطوة لمساعدته على توفير التعليم العالي للقادرين من الأبناء.
قرأت أن تيريزا ماي تواجه «مهمة مستحيلة» في الحكم ولا أرى هذا. كان الاستفتاء في 23 حزيران (يونيو) خطأ ستدفع البلاد ثمنه، إلا أن رئيسة الوزراء سلمت رموز الانسحاب مناصب وزارية مهمة، وكان هؤلاء تحدثوا عن زيادة تمويل الخدمات الصحية والحدّ من الهجرة، إلا أنهم في الحكم لم يعودوا يتحدثون عن هذين الهدفَيْن اللذين ربما كانا أقنعا عدداً كيبراً من البريطانيين بالتصويت «ليعود قرار الحكم» في بريطانيا الى أيدي مواطنيها.
ما حدث حتى الآن أن الجنيه الإسترليني سقط، وكنت أذكر أنه في الماضي القريب كان يعادل دولاراً ونصف دولار أو أكثر، وهبط دون 1.20 للدولار، وهو الآن في حدود 130 سنتاً.
الانسحاب فتح احتمال استفتاء آخر على خروج اسكتلندا من بريطانيا، أو المملكة المتحدة، والاقتصاد يعاني وكذلك التجارة الخارجية، بل إن إيسلندا هزمت إنكلترا وأخرجتها من بطولة اوروبا في كرة القدم.
تيريزا ماي أعصابها متينة، وهي تعالج المشكلات التي تسبب بها خيار الانسحاب بموضوعية وذكاء، وتعمل كما وعدت بأن تكون رئيسة وزراء لجميع البريطانيين وليس للطبقة العليا فقط. هي وعدت بهذا مع أنها ابنة قسّ وخريجة جامعة اكسفورد.
وكنت احترت ازاء اختيارها بوريس جونسون، رئيس بلدية لندن السابق، وزيراً للخارجية، ثم وجدت أنها ستعلمه درساً لا ينساه بعد أن قاد حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي. كان جونسون صحافياً وكاتباً، قبل السياسة، وكان ولا يزال طويل اللسان قليل الأدب فقد قال يوماً عن باراك اوباما إنه ربما يكره بريطانيا بسبب ماضيها الاستعماري وأصله كابن رجل من كينيا. هو قال عن هيلاري كلينتون إن لها نظرة صلبة مثل ممرضة قاسية في مستشفى للأمراض العقلية. وكتب يوماً قصيدة ساخرة في الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وعطف على آخرين من دون أن يقدّر أنه سيأتي يوم يضطر فيه الى التعامل مع هؤلاء الناس.
خطوات تيريزا ماي كلها حتى الآن عكست فهمها صعوبة الوضع وقدرتها على اختيار حلول تناسب العدالة الاجتماعية التي تنادي بها، وأرجح أنها ستنجح في تخفيف حجم الخسائر بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ثم في وضع بريطانيا في الطريق الصحيح للتعافي الاقتصادي.