ما بين الهند وإسرائيل هل يمهّد لشرق أوسط جديد

ما بين الهند وإسرائيل هل يمهّد لشرق أوسط جديد؟

ما بين الهند وإسرائيل هل يمهّد لشرق أوسط جديد؟

 العرب اليوم -

ما بين الهند وإسرائيل هل يمهّد لشرق أوسط جديد

بقلم : هدى الحسيني

في الرابع من يوليو (تموز) 2014 أطل البغدادي (الإطلالة) الوحيدة على العالم من مسجد النوري التاريخي في الموصل، وحث المسلمين في العالم على طاعته باعتباره زعيمهم!

وفي الرابع من يوليو 2017، كان «داعش» البغدادي يخوض آخر معاركه في الموصل قبل أن يتقهقر، وكان بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل يستقبل ذلك اليوم رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي قائلاً: «لقد انتظرناك وقتاً طويلاً، في الواقع نحن ننتظر منذ ما يقرب من 70 سنة». ولم يتأخر مودي في «احتضان» نتنياهو منادياً إياه: «يا صديقي»، والتزم الزعيمان بـ«علاقات هندية - إسرائيلية نابضة بالحياة». وبفضل كل ما حصل ويحصل في الدول العربية، فإن هذه الزيارة تشكل انعطافاً حاداً عن النهج الهندي السابق الذي كان يتعارض مع إسرائيل على الساحة العالمية. النهج السابق كان تكتيكاً يهدف إلى كسب تعاطف الأقلية المسلمة الكبيرة في الهند، والدول العربية، وحركة عدم الانحياز بأكملها، لكن وراء الستارة كانت العلاقات بين الهند وإسرائيل تنمو، كانت وثيقة وحتى حميمة، لكن نيودلهي آثرت حتى نفيها عند الاضطرار، إذ كانت تدرك أن الاعتراف بتلك العلاقات سيكون مكلفاً للغاية، لذا ظل البلدان متكتمين. لكن منذ اللحظة التي أصبح فيها مودي رئيساً للوزراء صارت آفاق التحول الدبلوماسي الجذري واضحة. قبل أشهر من وصوله إلى ذلك المنصب وصفه صحافي هندي بأنه «أفضل صديق لإسرائيل في جنوب آسيا». هذه المشاعر كان يشاركه فيها أغلب قياديي الحزب الهندوسي اليميني (بي جي بي) مذ كان مودي الوزير الأول لولاية غوجارات النابضة بالحياة الاقتصادية. ارتبط النمو في تلك الولاية بالصلات القوية مع إسرائيل، في كل عام يسافر آلاف المزارعين منها إلى إسرائيل لتعلم تقنيات جديدة. وفي غوجارات أنشأت إسرائيل ثلاثة مرافق تعليمية حيوية تسمى «مراكز الامتياز»، ويبدو أن مودي يريد تكرار تجربة غوجارات على المستوى الوطني كله.

تشاركت الدولتان باستمرار في سمات مهمة، وتنظر كل منهما إلى نفسها كنظرة الثانية، تعتبران أنهما جزر للديمقراطية في بحر من الديكتاتوريات، نشأت كل منهما بعد تقسيم الأراضي التي كانت تحكمها الإمبراطورية البريطانية، ثم إن كلا منهما تعتبر نفسها دولة قومية لشعب قديم. يحكم مودي دولة 15 في المائة من سكانها مسلمون مقارنة مع نسبة المسلمين الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل، وكل منهما تعتبر نفسها تعيش نزاعاً إقليمياً، وتشتركان في مصالح استراتيجية وآيديولوجية واقتصادية.

بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1992، لكنها ازدهرت عندما تسلم الحزب «بي جي بي» الحكم عام 1998، وعندما اشتبكت الهند وباكستان عام 1999 في ما سمي بـ«حرب كارجيل»، وفرت إسرائيل للهند، وبصورة كتومة، صور الأقمار الصناعية، إضافة إلى معدات ذات تكنولوجيا متفوقة. وعام 2003 زار إرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك الهند ومن بعدها نمت العلاقات على كل الأصعدة وتضاعفت التجارة من 200 مليون دولار سنوياً إلى 5 مليارات على الأقل الآن.

بيد أن قوة العلاقات وترسخها برزت مع مودي في غوجارات حيث أغدق المستثمرون الإسرائيليون مليارات الدولارات في توسيع مجالات التعاون، وأدى موقف مودي المثير للجدل خلال أعمال الشغب عام 2002 ضد المسلمين في غوجارات إلى عزله على المسرح العالمي، لكنه وجد ترحيباً في إسرائيل، واتخذت غوجارات مكاناً فريداً في العلاقات الثنائية، وفيها طورت التكنولوجيا الإسرائيلية طرقاً لتحقيق أقصى قدر من الإنتاج الزراعي وفي قطاعات أخرى.

قبل أن يغادر مودي يوم الخميس الماضي زار ونتنياهو مقبرة حيفا حيث دفن الجنود الهنود الذين قتلوا من أجل تحرير المدينة الفلسطينية خلال الحرب العالمية الأولى. كما توقف رئيسا الوزراء على الشاطئ لمتابعة عرض لتحلية المياه، إذ تأمل الهند من إسرائيل التي تعتبر رائدة في تقنيات إدارة المياه، المساعدة في تحسين إمكانية حصول المناطق الأكثر جفافاً في الهند، على المياه.

منذ قيام إسرائيل وقادتها يعملون على تطوير ما يعتبرونه تحالفاً طبيعياً، ولم يكن ذلك ممكناً حتى تغير المشهد الإقليمي. إن تقارب الهند المتزايد من إسرائيل جاء جزئياً بسبب الاضطراب في العالم العربي الذي شوه في الحقيقة تصور كتلة متماسكة تمارس السلطة والنفوذ السياسي والاقتصادي. صحيح أن الزيارة الأولى لرئيس وزراء هندي إلى إسرائيل هي تتويج لعملية وجهد طويلين، لكنها تؤكد سلسلة من الاتجاهات الجيوسياسية التي أعادت تشكيل الشرق الأوسط، مما جعله منطقة غير قابلة للتعرف عليها عما كانت منذ ما يقرب من عشر سنوات، ومن المؤكد أنها مقبلة على تغييرات أكثر، بعيدة المدى في المستقبل.

في زيارته إلى إسرائيل قدم مودي دليلاً مهماً على التحول الإقليمي، لم يقم بزيارة إلى رام الله عاصمة السلطة الفلسطينية، على الرغم من أن نيودلهي استقبلت محمود عباس رئيس السلطة قبل فترة، بحرارة. هذا الإغفال المتعمد يدل على أن مودي لم يجد ضرورة لتقديم مبادرة رمزية للفلسطينيين تعادل احتضانه لإسرائيل.

إن قرار تجاهل زيارة رام الله يدل على أن الهند صارت تنظر إلى إسرائيل من خلال عدسة أصبحت مختلفة جداً، وواسعة وذات تركيز أكبر بكثير بحيث تتجاوز حدود النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، وكان لافتاً أن مودي قام بزيارة غير مقررة إلى مقبرة ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة. دليل آخر لهذا التصرف، هو أن الحروب المتعددة التي تعصف بالشرق الأوسط أسقطت القضية الفلسطينية من قائمة أولويات الدول العربية. وفي الواقع، تتزايد الدلائل على أن التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية ومع «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، يدفع بعض الدول إلى النظر إلى إسرائيل في سياق أبعد من القضية الفلسطينية، وقد زاد من هذا التوجه الصراعات التعجيزية الفلسطينية الداخلية. هناك صرخة بأن السفينة العربية تغرق، وقد حان وقت دق كل أجراس الإنذار والخطر. إننا نقترب من الحضيض الأخير.

تشكل زيارة مودي إلى إسرائيل وما تضمنته وحوته، نقطة تحول رئيسية في الدبلوماسية العالمية. ومن المؤكد أن إسرائيل ستواصل بيع المعدات العسكرية إلى الهند حيث التنافس متصاعد بينها وبين باكستان، ومؤخراً وقعت الهند على صفقة دفاع صاروخي مع إسرائيل بقيمة ملياري دولار. ومن المحتمل أن تطور الهند علاقات استخباراتية أوثق مع إسرائيل مع التركيز على مكافحة الإرهاب. ما يجدر مراقبته هو خيارات تصويت الهند في المحافل الدولية بشأن قرارات تدين إسرائيل، لقد تلاشت حركة عدم الانحياز لكن الهند لا تزال قوة رئيسية تؤيد حل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين.

المعروف عن مودي أنه زعيم شبه قارة يقدم على خطوات جريئة إنما محسوبة. أوقف الفساد والسرقة بقرار إلغاء القطع الكبيرة للعملة الهندية وما كان أحد يتصور ذلك، والزيارة الجريئة والناجحة التي قام بها إلى إسرائيل يمكن أن تشجع بلداناً أخرى على تحسين العلاقات مع إسرائيل علناً. إن لم تبحث الدول عن استقرار وازدهار اقتصادي وتقدم تكنولوجي وتجارة، وإيجاد فرص عمل، عمد أهلها وآخرون على تدميرها وتفتيتها. ليس بالضرورة أن تبحث عن هذا في إسرائيل، المهم أن تجده وتطبقه. لم يعد لدى الشعوب العربية ما تخسره. قريباً يتم دحر «داعش»، وقريباً على إيران أن تتوقف عن التهويل بالتكفيريين، ولتلتفت هي إلى شعوبها، وتترك الشعوب العربية تعيش لمستقبلها، لقد شبعت هذه الشعوب عقيدة و«أمجاداً» وهزائم.

المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

arabstoday

GMT 03:28 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

حان وقت إعادة لبنان إلى مواطنيه

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 00:21 2024 الخميس ,20 حزيران / يونيو

اقتصاد إيران يئن جراء تدخلاتها العسكرية!

GMT 00:25 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

لبنان ساحة تقاطع بين أميركا وإيران!

GMT 00:59 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

الخلافة تتقدم على الانتخابات في إيران!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بين الهند وإسرائيل هل يمهّد لشرق أوسط جديد ما بين الهند وإسرائيل هل يمهّد لشرق أوسط جديد



GMT 00:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

لبنان يتعهد بالتعاون مع "الإنتربول" للقبض على مسؤول سوري
 العرب اليوم - لبنان يتعهد بالتعاون مع "الإنتربول" للقبض على مسؤول سوري

GMT 21:53 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025
 العرب اليوم - زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025

GMT 20:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 02:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

النيران تلتهم خيام النازحين في المواصي بقطاع غزة

GMT 17:23 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنتر ميلان الإيطالي يناقش تمديد عقد سيموني إنزاجي

GMT 16:59 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يتوعد الحوثيين بالتحرّك ضدهم بقوة وتصميم

GMT 17:11 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة الجزائري يوقف حكمين بشكل فوري بسبب خطأ جسيم

GMT 02:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 ركاب وإصابة 12 في تحطم طائرة في البرازيل

GMT 06:45 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

انفجار قوي يضرب قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية

GMT 17:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

.. قتلى في اصطدام مروحية بمبنى مستشفى في تركيا

GMT 11:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab