هدى الحسيني
في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، انعقدت القمة العربية الخامسة والعشرون. كان يمكن لهذه القمة ألا تنعقد، وكان السبب مقنعا، فأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح كان أجرى للتو عملية جراحية، ولكن كما قال وزير الإعلام الكويتي الشيخ سلمان صباح السالم الحمود الصباح، فإن الأمير لم يصر على انعقادها على أساس واجب، بل وهو صاحب الخبرات السياسية الطويلة والتجارب العربية والدولية أصر على عقدها كجزء من التزاماته وتطلعاته المستقبلية. أمير الكويت يقبل بالاختلاف في الرأي، لكنه لا يؤمن بالخلافات، وأشار إلى ذلك في كلمته الافتتاحية. الكويت حساسة دائما تجاه علاقاتها مع كل الدول، في القمة كانت تعرف جيدا عمق الخلافات، فآثرت تجنبها، رغم أنه مع الاستعدادات للقمة، عبّر سياسيون وبرلمانيون كويتيون عن حماسهم لأن تحقق الكويت مصالحات بين القادة العرب، لكن مع انطلاق أعمال القمة باجتماعات وزراء الخارجية العرب، تحول الحماس إلى صمت في وجه ما تبين أنه مهمة شاقة مع تغيب قادة دولتين خليجيتين، فكان ذلك إشارة واضحة إلى عدم قدرة أي دولة تفكر في الوساطة أن تنجح في تليين المواقف. لهذا كان محقا وزير الخارجية الكويتي صباح خالد الحمد الصباح بالإعلان مسبقا عن أن أول قمة عربية تعقد في الكويت ستنجح في تعزيز التطور الاقتصادي بين الدول العربية. صحيح أن المنطقة واحدة، لكن دولها كما يثبت المرة تلو المرة ليست كتلة واحدة، إنما هي عبارة عن بلدان لكل منها تحديات خاصة بها، ومصالح متضاربة مع الأخرى، وفي حالات عدة خصومات مريرة مع دول أخرى في المنطقة.
في قمة الكويت اتفق القادة على أن القضية الفلسطينية تجمعهم، لكن حتى هذه القضية استعملت لكشف اختلافات وحساسيات معينة.
اللافت في المواقف غير الملتقية ما بين العرب والأمم المتحدة، أن ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز رأى أن «الخروج من المأزق السوري يتطلب تحقيق تغيير في ميزان القوى على الأرض»، وطالب أحمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني السوري «بالضغط على المجتمع الدولي من أجل الالتزام بتعهداته حول التسليح النوعي لثوارنا»، أما رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التي ألقاها الأخضر الإبراهيمي فطالبت بوقف تدفق الأسلحة إلى كل الأطراف المتقاتلة في سوريا.
انعقدت القمة في الكويت بينما هناك تغيير جذري للنظام العالمي، وقد يطال هذا التغيير لبنان. في المؤتمر قال لي أحد الدبلوماسيين العرب، وهو يتحدث عن اللاجئين السوريين في لبنان الذين يزداد عددهم يوميا، «إن الخوف أن نسمع في المستقبل الفلسطينيين يطالبون بحق العودة، والسوريين في لبنان يطالبون بحق البقاء»!
وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل اعترف بأن أزمة اللاجئين السوريين تهدد الكيان اللبناني، ومن جهته أكد بان كي مون في رسالته تعرض لبنان بشكل خاص للخطر في أرضه ووحدة مجتمعه وأمنه واستقراره. لذلك شدد بيان الكويت على دعم وحماية الجيش وقوى الأمن في لبنان.
برز في القمة شعور بأن للتوتر الأميركي - الروسي المتعلق بأوكرانيا تأثيرا غير مباشر على العرب، رغم أن أولويات الرئيس الأميركي باراك أوباما ليست سوريا أو ليبيا أو فلسطين أو اليمن، بل أوكرانيا وإيران التي من المؤكد أنها كانت تتابع جلسات القمة.
عندما افتتحت القمة جاء في الآية الكريمة «فأصبحتم بنعمته إخوانا»، قد يتحقق ذلك إذا ركزت الدول العربية على تفعيل الاقتصاد والمشاريع المشتركة بحيث تصبح ملاحقة الشعوب لمصالحها الاقتصادية وسيلة لدفع القادة إلى تجاوز خلافاتهم. ظهر الأمر واضحا مع أزمة أوكرانيا، إذ ضغطت الشركات التي يشارك في رأسمالها أثرياء روس لكبح جماح الدول الأوروبية في فرض عقوبات على روسيا كي لا تتأثر هي، وبالتالي يتأثر العاملون فيها.
التنمية مهمة. الدول العربية فقيرة وكثيفة السكان ونسبة البطالة فيها مرتفعة لكن لا قرار فيها بالانفتاح، وبالتالي ثقافة الانفتاح غير موجودة، ومثلا لدى الكويت ودول الخليج خبرة كبيرة في الاستثمار، إلا أنها تصطدم في الدول العربية بحواجز موروثة، ولا يوجد من يتخذ قرار إزالتها.
الوضع في سوريا لا بد أن ينتهي ولو وجد هناك موقف عربي موحد لكان له ثقل نوعي عالمي.. تردد في أوساط القمة أن بعض المشاركين كانوا غير واثقين من تغيير النظام في سوريا، فبدا كأن العرب ليسوا بتناغم مع حقائق العالم والتحديات، وإن كان في بيان قمة الكويت وردت عبارة «نستنكر التحديات»، ولم يوضح البيان معنى كلمة «استنكار» هنا، وعما إذا كان يحل المشكلات. التقى القادة على دعم القضية الفلسطينية وتشديد الشروط، مع العلم أن حل هذه القضية لن يكون عادلا، إنما قد يتضمن الحد الأدنى من تخفيف الظلم، لذلك يحتاج محمود عباس إلى دعم علني، وليس المزايدة عليه، أو تحريك محمد دحلان ضده، كي يكون قادرا على اتخاذ الخطوة التاريخية التي ينتظرها الشعب الفلسطيني.
أما الإرهاب فإنه يحتاج إلى اتخاذ موقف عربي وبالذات خليجي لوقف الدعم المالي والتحويلات، لأنه كما قال ولي العهد السعودي: «من أهم ملامح ظاهرة الإرهاب بروز بعض المنظمات والمجموعات المتطرفة وما تدعيه بطلانا باسم الإسلام والمسلمين»، وهذه الظاهرة الباطلة لا تشد العرب المسلمين فقط بل تشد المسلمين من الشيشان وتركمانستان وباكستان.
في أروقة القمة كان تفكير بأن الحل السوري سيوضع على طريق سالكة «عندما» تتدخل تركيا لمواجهة تحديات تنظيم «داعش». صحيح أن أنقرة ترى أن «داعش» يطرح تهديدا أكبر على أمنها من تحرشات النظام السوري، لكن الواضح جدا أن تركيا لن تقوم بأي عملية من دون دعم المجموعة الدولية، وبالذات الولايات المتحدة.
لوحظ أن هناك شعورا بأن الإيرانيين يتبنون السياسة الناعمة من حيث الكلام، لكنهم في الواقع متشددون. وقال لي سياسي عربي، إنه تمنى لو أن القمة شددت على عدم وجود فجوة بين ما تقوله إيران وبين ما تفعله. كما تجاوزت القمة الإشارة إلى رفض إحدى الدول استقبال رئيس وزراء العراق نوري المالكي، مع إدراكها أن المالكي مستأثر بالسلطة، والسلطة هناك متأثرة بإيران، وإيران «تلعب» في العراق وسوريا ولبنان وتحاول أن تؤجج الخليج، ومحاولاتها عبر «البعض» تأخير قرارات خليجية جماعية مثل قرار محاربة الإرهاب.
لم يغب عن القمة في دعمها أي من الدول، فهي قالت في بيانها: نؤكد رفضنا احتلال فرنسا جزيرة مايوت ونطلب إعادتها إلى جزر القمر. أما روسيا فأكدت حرصها على العلاقة مع الجامعة العربية (في اليوم الثاني للقمة قالت شركة غازبروم الروسية إنها تبحث مع الكويت في توسيع تعاونهما في قطاعي الغاز والنفط)، كما أكدت الصين من ناحيتها على التعاون الاستراتيجي مع الدول العربية فدقت على باب النفط الخليجي. في مقابلة مع تلفزيون الكويت تحدث الرئيس التونسي المنصف المرزوقي عن ضرورة إحياء اللغة العربية، وهذه نقطة هامة جدا كان يجب أن يتضمنها بيان القمة بسبب تدني المستوى، إن كان في الكتابة أو في الحوارات.
وتبين في القمة أنه في القضايا السياسية العربية سيكون هناك تعاون سعودي - خليجي، ومصري - أردني يقود المستقبل نحو الاعتدال في السياسة، والانفتاح في التنمية. ومباشرة بعد انتهاء أعمال القمة أعلن المشير عبد الفتاح السيسي ترشحه لمنصب الرئاسة المصرية، وقد وعدت القمة بدعم مصر معنويا وماديا. يبقى أن تدرك الدول العربية أن مصالحها الاستراتيجية تتطلب منها التوافق، وأن الاستقرار هو مصلحة مشتركة للجميع.