شاع في العاصمة العراقية، بغداد، ظاهرة زواج القاصرات، وسط انعدام القوانين القضائية الرادعة وانتشار الفقر والوعي الاجتماعي، وأظهر المسح الاجتماعي للعام 2007 بأن 21% من الفتيات العراقيات تزوجن قبل بلوغن الـ19 عامًا، بينما تباينت آراء سكان بغداد بشأن شيوع تلك الظاهرة.
وأكد أحد المواطنين أن زواج القاصرات أمر صحي، معتبرًا زواج الفتيات في سن صغيرة الأفضل لهن، بينما ذكر آخر أن الشريعة الإسلامية تسمح بتزويج القاصرات، لكن في العصر الحديث، يؤدي الزواج المبكر غالبًا إلى الطلاق، ومن المفترض أن تكون الأسر واعية ومنتبهة لآثار هذا الزواج.
ولاتزال بعض مناطق العاصمة يسودها العرف العشائري، لاسيما التي يزداد فيها الفقر، ليُصبح زواج القاصرات ظاهرة تقترب من كونها "واقعًا"، بعدما ازدادت أعداد هذه الزيجات، وصارت حدثًا عاديًا لا يدهش المواطن من سماعه، وبينما كان العراق أقل الدول العربية في ظاهرة زواج القاصرات حتى أعوام قريبة، فإنه اليوم يتعادل معها في العدد، حيث تتمدّد الظاهرة من القرى إلى المدن بشكل مثير.
وفي العراق طفلات صغيرات حُرمن من متعة الألعاب وبراءة الطفولة، ليتحولن بين ليلة وضحاها إلى سيدات في منازل، لم يتجاوزن سن الـ18 بعد، لكنهن يتحملن مسؤولية تسيير بيت الزوجية، بعضهن تأقلمن مع الوضع وتعايشن مع حياتهن الجديدة، ومنهن من رفضن ذلك وأعلن الثورة على الزواج القسري، وقمن بالهرب من بيت الزوج إلى أماكن مجهولة.
زهراء (12 عامًا) لم يكن زواجها خارج محكمة أحوال البياع جنوب العاصمة بغداد، إلا لكونها قاصراً، إذ يحرص أصحاب العلاقة على إتمام زواجها من دون الجهر به باعتباره سلوكًا لا يتوافق مع القانون العراقي، وهي واحدة من القصص التي يشيب لها الولدان كونها من منطقة شعبية وتتبع العادات والتقاليد، بعدما أجبرتها الظروف على الزواج مبكرًا، وأضافت "أجبروني أهلي على الزواج من ابن عمي ليسرقوا حلمي الوحيد هو الدراسة، وبعد الزواج وإنجاب طفلين بدأت المشاكل بيني وبين أهل زوجي ليصبح القرار الوحيد هو الانفصال، وبعدما توفي والدي، أنا لا أملك شهادة دراسية لأعمل لذا قررت العمل خادمة في بيت جارتي لتربية أولادي، تعرضت للكثير من المضايقات من زوج جارتي ولا أستطيع البوح بها، لكن ليس أمامي أي خيار آخر سوى الاستمرار في عملي.
وتستعد الطفلة نورس (10 أعوام) للزواج بعد شهرين ومن رجل يكبرها بـ15 عامًا٬ في زواج جديد ومثير للجدل، والمثير في قصة الزيجة الجديدة أن والد الطفلة يخشى من والد زوج ابنته أن يسلم المحكمة وصول ائتمان كان قد استلفها منه أخيرًا ولا يستطيع الإيفاء بها في الوقت الراهن، وذكر والد نورس "ليس زواج ابنتي خوفاً من السجن إنما أخشى "العنوسة" لذا قررت أن أزوجها وهي صغيرة، لكي لا تعاني من نظرة المجتمع القاسية عندما تكبر من دون زواج.
وأوضحت دكتور صحة المجتمع والشباب المراهقين، انتصار العبيدي، أن زواج القاصرات أصبح ليس له عمر معين ووقت مميز وليس فقط القاصرات حتى البالغات؛ لأن العراق قد قطع شوطًا من عدم الاستقرار في جميع النواحي، وهذا أدى إلى التذبذب العاطفي والنفسي والاجتماعي وسوء الاختيار وبالتالي سيؤدي إلى حالات طلاق عدة، الظروف التي مرت بها البلاد أثر أولاً على النساء بسبب هجرة وسفر الشباب، إضافة إلى تفكك العوائل.
وأكدت محامية جمعية نساء بغداد، إيمان عبدالرحمن، خطورة وضع عقوبات مقيدة للحريات, كالسجن مثلاَ لأنها تساهم في تفكيك الكيانات الأسرية بشكل تام, بل دعت إلى ضرورة وضع حلول بديلة, والعقوبات المادية هي الأكثر فاعلية في حالات مشابهة, على أن تشمل العقوبة رجل الدين كذلك، وأضافت: نظمنا جلسات توعوية في مدينة الصدر وفوجئنا بالكم الهائل من الأكشاك التي تبرم العقود الشرعية وأمام أنظار المسؤولين, وعملت وزارة حقوق الإنسان على منع الأكشاك في منطقة الكاظمية لمدة, لكنها توقفت من دون معرفة الأسباب الحقيقية لذلك التوقف.
وأكدت الناشطة خيال الجواهري أن الظاهرة تزداد يومًا بعد يوم وعند الكشف عن حالات زواج القاصر تتبين أسباب مشتركة، وهي نقص الوعي الثقافي للأسرة وأيضًا الأوضاع الاقتصادية للبلاد، والتي لها تأثير على هذه الظاهرة والمستوى العلمي لدى الأسرة أيضًا، ولا توجد إيجابيات لهذا الرباط المقدس لأن المرأة سابقًا كانت رغم صغر سنها قوية وذكية واعية أسريًا تتحمل المسؤولية وعالمة بأمور الزواج والعائلة وكيفية إنشاء أسرة متكاملة.
وتابعت: ما نجده حاليًا في زواج القاصرات فقط السلبيات التي تؤثر بشكل سلبي ومباشر على المجتمع والضحية دومًا هم نتاج هذا الزواج الأطفال، فكيف نرجو من الأم أن تكون نصف المجتمع وهي ناقصة الأهلية؟
وكشفت إحصائية لجمعية حقوق المرأة أن النسبة تختلف بحسب المكان من ريف إلى حضر، ففي الريف تكبر تلك النسبة وتصل إلى 56% من جملة العقود وتكون في الحضر 42%، وتلك النسبة في الحضر تعد ضخمة وهي ترجع إلى الانحراف الأخلاقي الذي يدفع الآباء إلى تزويجهم خوفًا من الفضائح، وأيضًا زواج البنات الريفيات من أصحاب الأموال وخاصة العرب الذي يسعون إلى الزواج من فتيات صغيرات ودفع مبالغ كبيرة للآباء لمباركة الزيجة.
ويشترط قانون الأحوال الشخصية في أهلية الزواج "العقل، وإكمال الثامنة عشر عامًا، عندها لا يصح العقد لمن كانت أو كان أحدهما دون هذه السن، ويعطي التقدير للقاضي وبرضا الوالدين في تزويج الفتاة بين الـ15 و18 عامًا، لكن هذا القانون يظل حبرًا على ورق طالما تظل الأعراف الاجتماعية والدوافع الاقتصادية أقوى منه.
أرسل تعليقك