القاهرة وتوحش المدينة 34
آخر تحديث GMT17:18:45
 العرب اليوم -

القاهرة وتوحش المدينة (3-4)

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - القاهرة وتوحش المدينة (3-4)

العرب اليوم

ويبقى للقاهرة وضع خاص، لا يعرفه غيرها من المدن، وهو «سُكنى المقابر»، إذ فى مصر، التى قدست الموت وقدرت الموتى منذ آلاف السنين، يمكن للأحياء أن يعيشوا مع الأموات فى مكان واحد. نظراً لتفاقم أزمة السكن، ومع تميز المقابر المصرية بالامتداد الأفقى الكبير، علاوة على أن مناطق المقابر مهندسة ومنتظمة حيث الشوارع المتقاطعة الوسيعة، بما تحرم منه العشوائيات، فضلاً عن تشجيرها، بما جعلها منطقة جذب بالنسبة للطبقات الفقيرة، لا سيما بعد أن أحاطت المبانى الحديثة بمناطق «القرافات»، وأصبح بعضها أقرب إلى قلب المدينة من أحياء كثيرة، ترتفع فيها أسعار الشقق، ولا يستطيع تملكها إلا القادرون. وهناك مدن عربية عرفت ظاهرة «المخيمات» التى يقطنها اللاجئون، والمخيم، حسب تعريف الأونروا، هو «قطعة من الأرض، تكون إما حكومية أو فى أغلب الحالات استأجرتها الحكومات المستضيفة من الملاك المحليين، ووضعتها تحت تصرف الأونروا لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين فى تسهيل احتياجاتهم الأساسية، ولا يمكن لسكان المخيمات تملك هذه الأراضى، ولكن لهم الحق فى الاستفادة منها للسكنى فقط». وتعد «المخيمات الفلسطينية» الموجودة فى لبنان والأردن والضفة الغربية لفلسطين مثالاً واضحاً على ذلك، وهى تعانى من كثافة سكانية كبيرة، وفقر مدقع، وقلة فى الخدمات، وتراجع مستوى البنى التحتية. وإثر تحول الثورة السورية إلى حرب أهلية نزح ملايين السوريين إلى الأردن وتركيا ولبنان، وقطنوا مخيمات جديدة. وقد انشغل الأدباء بهذه التجمعات السكانية البائسة، سواء كانت عشوائيات أو قرافات، ليبحثوا فيها عن قصص غير عادية لا تعرفها المدينة. وفى وقت مبكر تنبه يوسف إدريس إلى سكان مثل هذه الأحياء فكتب روايته القصيرة «قاع المدينة»، لكن الجيل الجديد من الروائيين المصريين أعطى لهؤلاء مساحة واسعة فى إبداعه القصصى والروائى، ولعل رواية «فاصل للدهشة» لمحمد الفخرانى، هى الأبرز فى هذا المضمار. وعلى المنوال ذاته سارت السينما، فبعد عقود من الحديث عن الواقعية التى بدأت بفيلم «العزيمة» جاء مطلع الألفية الثالثة ليجد السينمائيون أمامهم نماذج اجتماعية جارحة لا يمكن إغفالها، فولد فيلم مثل «حين ميسرة» وما على شاكلته. والتوزع المعمارى لأحياء المدن، المتفرق على عتبات التاريخ، يعكس الصراع الاجتماعى الضارى بين الطبقات، ويرسم ملامح سكان المدينة، وطبيعة المشكلات التى يعانون منها مثل الجريمة المنظمة والفردية، حيث السرقة دوماً، والنهب والسلب أحياناً، وتفشى البطالة الجارحة، ووجود الآلاف من المشردين الهائمين على وجوههم وتحت الجسور سواء من أطفال الشوارع أو بعض المرضى النفسيين الذين لفظهم أهلهم أو هربوا هم منهم ولا يجدون لهم مكاناً فى المصحات المكتظة بنظرائهم، وانتشار ظاهرة الإدمان على المخدرات والاتجار بها، علاوة على التعصب العرقى والمذهبى، والتهميش الاجتماعى، والتوتر المستمر بين أرباب العمل والعمال، والزحام وأزمات المرور، والغش التجارى. وليس كل سكان المدينة سواء، فهناك من ولدوا فيها، فشربوا من طباعها الخشنة، وتواءموا مع تجهمها وقلة اعتنائها بأهلها، وهناك من أتوا إليها بعد أن ناموا طويلاً بين جدران الطمى، ومشوا على الجسور وسط عجيج ترابها يطالعون الزرع والضرع، وسمعوا من الجدات الجالسات فوق تلة الزمن حكايات عن الخير الذى يفوز حتماً، والشر الذى ينهزم دوماً. يتقابل أفراد هذين الفريقين فى شوارع المدينة، ويتفاعلون بلا انقطاع، من خلال التجاور فى السكن، وعلاقات العمل، وتبادل المنافع والمصالح، وتقسيم الجهد، وتوزع التخصصات. والمدينة هى القبلة الدائمة التى يحلم أغلب أهل الريف بالتوجه إليها، ليس فقط للبحث عن الرزق أو التحقق، إنما أيضاً من أجل المتعة والنزهة والترفيه. ففى المدينة توجد دور السينما والمسارح والملاهى والمتنزهات والمكتبات والمتاجر الكبرى التى تبيع كل شىء. وفيها يمكن لابن القرية أن يكون أكثر حرية، حيث لا أحد يعرفه، ولا أحد يعد عليه أقواله وأفعاله، لكنه بالقطع سيكون غريباً، خاصة إن كان فقيراً معدماً، أو لم تكن لديه خبرة سابقة فى التعامل مع المدينة وأهلها. (ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القاهرة وتوحش المدينة 34 القاهرة وتوحش المدينة 34



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 05:56 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

تدمير التاريخ

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 17:44 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يحاول استعادة بلدات في حماة

GMT 06:19 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

اللا نصر واللا هزيمة فى حرب لبنان!

GMT 02:32 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا تعلن عن طرح عملة جديدة يبدأ التداول بها في 2025

GMT 08:33 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي

GMT 20:57 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يؤكد موقف الإمارات الداعم لسوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab