لندن ـ العرب اليوم
في دورته الرابعة، لا يزال أسبوع لندن لخريف 2014 وشتاء 2015 الذي انطلق يوم الاثنين الماضي وانتهى أمس الأربعاء، يشير إلى أنه يتمتع بنفس طويل وبتناقضات مثيرة. فمهما تعالت الأصوات المنادية بضرورة التوفيق بين الابتكار والتسويق، تبقى شريحة من المصممين صامة آذانها وجانحة إلى بعض الجنون الإبداعي. عندما تواجههم بهذه التهمة، يشرحون لك وجهة نظرهم ويقنعونك بها. فهي مجرد شطحات شاعرية لا أكثر، يخففون من جنونها الاستعراضي بعد انتهاء العرض مباشرة، وما إن تبدأ عملية إنتاجها للمحلات. وإذا كان صناع الموضة يفهمون حجتهم هذه ويقدرونها، فإنها قد تستعصي على الرجل العادي، فيعتبر هذه العروض ترفا لا جدوى منه. وتزيد قناعته بهذا الرأي عندما تطالعه صور لأزياء سريالية في الجرائد والمجلات، يشعر بأنها متجردة من الواقع أو العملية ولا تخاطبه على الإطلاق. وحتى بالنسبة للرجل العادي الذي يعشق الموضة، فإنه يعتبرها في أحسن الأحوال تهريجا أو ترفيها لا أقل ولا أكثر، ويتساءل كيف يمكن أن تدر المليارات على الاقتصاد البريطاني، كما يقال. فحسب الأرقام التي نشرتها منظمة الموضة البريطانية في هذا الصدد، تساهم الأزياء الرجالية بـ10 مليارات جنيه إسترليني في الاقتصاد البريطاني سنويا، وهو رقم لا يستهان به إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الأزياء الرجالية العالمية عموما تقدر بـ15 مليار جنيه إسترليني سنويا، ما يعني أن بريطانيا لها حصة الأسد.فكيف إذن يمكن أن تحقق هذه الإطلالات الغريبة الأرباح التي تقول منظمة الموضة إنها تدرها على البلد؟ ومن يشتري تلك القمصان الشفافة أو البنطلونات القصيرة أو السترات المصنوعة من المخمل والمطرزة بسخاء وتلك المعاطف الضخمة التي تبدو وكأنها خيمات؟.
الجواب الأولي والبديهي، أن الأسواق الآسيوية متعطشة لهذه الشطحات خصوصا عندما تحمل عنوان الغرابة الإنجليزية أو صنع في بريطانيا، وهناك مشترون يحضرون أسبوع لندن خصيصا للبحث عن مصممين جدد لم يسمع بهم أحد من قبل لكن يبشرون بمستقبل واعد يتخفى وراء فنون الابتكار الجامح.
بيد أنه لا بد من الإشارة هنا إلى هذا الوجه ما هو سوى جزء بسيط من الصورة التي تقدمها لندن. ففي المقابل، هناك وجوه أخرى تخاطب كل الأذواق، بما فيها المحافظة أو المغرقة في الرسمية. فالعروض التي تتودد للرجل العصري والكلاسيكي بتفصيلها الإنجليزي الذي لا يعلى عليه، وتصاميمها التي تحاكي التفصيل على المقاس من حيث تقنياتها وخاماتها، متوفرة بنفس القدر أو أكثر. ما يزيد من قوتها أنها أصلا من إبداعات خياطي «سافيل رو» الذين دخلوا مجال المنافسة منذ أكثر من موسمين. صحيح أن هدفهم في البداية كان سد الطريق على المنافسة التي تمثلها بيوت أزياء عالمية دخلت مجال التفصيل الرجالي وبدأت تنافسهم في عقر دارهم، بافتتاح محلاتها في شارعهم العريق، وفي الوقت ذاته استقطاب الرجل الشاب، إلا أنهم استعذبوا التجربة وأصبحوا يعتبرونها، مع الوقت، خطوة طبيعية. وهي خطوة تشجعهم عليها منظمة الموضة البريطانية، برئاسة ديلان جونز، رئيس تحرير مجلة «جي كيو». فهذا الأخير، منذ أن تولى رئاسة الأسبوع منذ سنتين، استطاع أن يستقطب له أسماء مهمة، من المصممين ووسائل الإعلام والمشترين من أكثر من 40 بلدا من العالم. ويمكن القول إنه إذا كان أسبوع الأزياء النسائية يدين بالكثير من نجاحه لكل من ناتالي ماسيني، مؤسسة «نيت أبورتيه دوت كوم» وكارولاين راش، فإن أسبوع الأزياء الرجالية يدين بالمثل لديلان جونز. منذ تسلمه زمام الأمور، ركز على ضرورة إيجاد معادلة ناجحة بين المثير للأنظار والتجاري الذي يمكن تسويقه بسهولة، بمعنى خلق التوازن بين التفصيل الذي اشتهر به شارع لندن العالمي «سافيل رو» والموضة العصرية، أو الحداثية، حتى تحافظ العاصمة البريطانية على زبائنها من الجيل القديم وتستقطب زبائن من الجيل الجديد أيا كان أسلوبهم وهواهم. وإذا كان الشباب يحافظون على صورتها كعاصمة الابتكار الفني، فإن مساهمة مصممي سافيل رو، تتلخص في نجاحهم في تسويق البدلات المفصلة بأسلوب يستهوي الشباب ويروق لهم. ففي بعض هذه العروض، تشعر بأن التوكسيدو والسترة المخملية التي كان مكانها في السابق مناسبات الزواج أو رجلا خمسينيا، يمكن أن تناسب النهار وشابا في مقتبل العمر، ببعض التنسيق والإكسسوارات. وهذا ما أصبحت تقترحه ماركات مهمة مثل «جيفس أند هوكس»، «هاكيت» و«إي - توتز» وغيرها من خلال تشكيلات معقولة وأنيقة تغطي كل احتياجاته الرجل ومناسباته من دون تعقيدات أو خوف من الوقوع في أي مطبات. الجديد الآخر الذي أضافه هؤلاء للأزياء فضلا عن تطويعها لكل الأماكن والأوقات، تقنيات التفصيل والخامات وإدخال الألوان الجريئة. من حيث التفصيل، تطالعنا دائما قصات مبتكرة، قد تكون أحيانا على شكل سترات محددة عند الخصر أو الأكتاف أو ياقات جديدة، وأحيانا أخرى على شكل بنطلونات ضيقة أو قصيرة بعض الشيء، لكنها دائما معقولة تناسب حتى الرجل الذي يميل إلى الرسمية ولا يريد أن يحيد عنها. بالنسبة للخامات، فقد خضعت هي الأخرى لتقنيات جعلتها أكثر خفة وحيوية خصوصا عندما تتماوج على ألوان جريئة تزين الحواشي أو البطانة الداخلية لمعطف أو سترة، الأمر الذي يعطي القطعة شخصية خاصة بها.
نقلا عن جريدة "الشرق الاوسط"
أرسل تعليقك