انقسامات حادة يشهدها "الإخوان المسلمون" في مصر خلال الآونة الأخيرة، حيث يتصارع جناحان رئيسان على قيادة الجماعة، التي تخوض صراعا فكريا وعسكريا ضد الدولة المصرية.
أحد الجناحين المتصارعين داخل التنظيم الإخواني، والمحسوب على عضو مكتب الإرشاد محمد محمد كمال، الذي لقي مصرعه في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي خلال اشتباك مع قوات الأمن المصرية بمنطقة حي البساتين في جنوب القاهرة، أعلن عن تشكيل مكتب إرشاد جديد للجماعة، يحمل اسم "المكتب العام" برئاسة قيادي من داخل مصر، وعضوية عشرة آخرين من الداخل والخارج، ولم يُكشف عن أسماء أعضاء المكتب الجديد.
وقد تعهدت المجموعة الجديدة في بيان لها باستمرار ما أسمته بـ "المسار الثوري"، الذي يعني لها استخدام القوة في مواجهة قوات الجيش والشرطة المصرية.
وأعلنت القيادة مجموعة من القرارات أهمها فصل التشكيلات الرقابية والتشريعية داخل التنظيم، والمتمثلة في مجلس شورى الجماعة، عن المؤسسات التنفيذية التي يعبر عنها مكتب الإرشاد.
كما تقرر قبول استقالة اللجنة الإدارية العليا، التي تولت مسؤولية إدارة شؤون الجماعة منذ فبراير 2014، وانتخاب مكتب إرشاد مؤقت مع احتفاظ المرشد العام للجماعة محمد بديع "المسجون حاليا والذي يحاكم على ذمة العديد من قضايا الإرهاب" بموقعه، واحتفاظ أعضاء مكتب الإرشاد المسجونين كافة بمواقعهم حتى خروجهم من السجن.
وأصدرت اللجنة الإدارية العليا بيانا إلى قواعد الجماعة بالتزامن مع الاجتماع، أعلنت فيه عن "رد الأمانة"، والتقدم باستقالتها بعد إجراء انتخابات قاعدية، أسفرت عن انتخاب مجلس شورى جديد.
كما تقدم مكتب الخارج والمكتب التنفيذي للأقسام واللجان الفنية داخل التنظيم باستقالاتهم إلى مكتب اﻹرشاد الجديد.
وقرر المكتب تكليفهم بتسيير الأعمال إلى حين الانتهاء من التشكيلات الإدارية والتنظيمية للإدارة الجديدة المنتخبة، وتشكيل لجنة مشتركة مع اللجنة الإدارية المستقيلة لتسلم ملفات إدارة الجماعة. وقال محمد منتصر، المتحدث الرسمي باسم الإخوان، حسب وصفه، إنه أرسل استقالته وكل من المكتب التنفيذي للتنظيم، والمكتب الإداري بالخارج من مناصبهم إلى المكتب العام بعد ساعات من تقديم اللجنة الإدارية العليا للتنظيم استقالتها من مناصبها، مؤكدا أنه تم انتخاب رئيس جديد بعد حصوله على 70 في المئة من أصوات أعضاء مجلس الشورى العام الجديد.
المكتب المنتخب الجديد، أصدر بيانا، أكد فيه أنه بصدد تغيير اللائحة الداخلية لجماعة "الإخوان"، متوعدا بتحركات جديدة ومختلفة للجماعة خلال الفترة المقبلة، متعهدا في الوقت ذاته بعدم التنازل عن الإفراج الشامل عن كل قيادات "الإخوان"، الذين تم القبض عليهم والزج بهم في السجون بعد ثورة الثلاثين من يونيو/حزيران 2013.
وبحسب مصادر مقربة من الجماعة، فإن انتخاب "مكتب مؤقت للإرشاد" تم من أعضاء شباب الجماعة، تحت مسمى "القيادات السرية" لإدارة التنظيم خلال الفترة المقبلة على نطاق سري للغاية، فيما وجه عضو اللجنة الإدارية العليا للجماعة مجدي شلش نداء إلى الجبهة المناوئة - المرشد المؤقت للجماعة جبهة محمود عزت، بالاستجابة إلى القرارات التي أصدرها المكتب العام الجديد، باعتبار أن جبهة محمد كمال، هي السلطة الشرعية لجماعة "الإخوان"، معتبرا أن المبادرات كافة التي تم طرحها على "الإخوان" وعلى رأسها مبادرة الشيخ يوسف القرضاوي، أقرت مبدأ الانتخابات الشاملة للخروج من الأزمة، فقبلت اللجنة الإدارية ذلك الطرح، الذي رفضته جبهة محمود عزت.
وعلى المنوال نفسه، وجه القيادي الإخواني بالخارج عز الدين دويدار إلى "جبهة محمود عزت" نداء، مؤكدا أن "جماعة تسير بستين في المئة من قوتها أفضل من جماعة تسير بمئة في المئة من قوتها في الطريق الخاطئ، تستجدي أمنها على حساب رسالتها". وفي رد على النداء، نفى جناح القيادات التاريخية، الذي يتزعمه محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام للجماعة، في بيان صحافي، صحة الأخبار التي يتم تداولها عن انعقاد مجلس الشورى العام للجماعة بالقاهرة.
وأكّد البيان أن "محمد منتصر قد تم إعفاؤه من مهمة المتحدث الإعلامي في 14 من ديسمبر/كانون الأول 2015، وبالتالي فهو لا يمثلها ولا يتحدث باسمها من قريب أو بعيد". وأوضح البيان أن المتحدثين باسمها هم القائم بأعمال المرشد العام، محمود عزت، ونائب المرشد العام، إبراهيم منير، ورئيس اللجنة الإدارية العليا، محمد عبد الرحمن المرسي، بالإضافة إلى الأمين العام والمتحدثين الإعلاميين.
وقال ناصف الدفراوي، القيادي بجبهة محمود عزت، إن محمد منتصر، هو من تحدث في بداية "الأزمة الإخوانية"، عن إجراء انتخابات داخلية وشاملة في جميع القطاعات بمصر، وعن انتخاب أمين عام جديد للجماعة، واحتفاظ الدكتور محمد بديع بموقعه مرشدا للجماعة، متسائلا: إذا كانت الانتخابات قد جرت في السابق، بحسب قول محمد منتصر، فما الداعي إلى إجراء انتخابات جديدة؟ داعيا المنضمين كافة تحت لواء "جبهة محمد كمال" بتركها والانضواء تحت لواء "جبهة محمود عزت" حفاظا على وحدة صف الجماعة.
وكانت جبهة محمد كمال قد أعلنت في مايو/أيار الماضي عن خريطة طريق لإنهاء الخلاف الداخلي، وإعادة انتخاب كل المؤسسات التنفيذية في الجماعة، والبدء في مناقشة مشروع جديد للائحة الداخلية للتنظيم.
وفي رد فعل على الإعلان عن الخريطة، أعلن إبراهيم منير قرارًا بتجميد عضوية عدد من قيادات الجماعة البارزين والمحسوبين على الجناح الجديد، في خطوة جاءت كإعلان رسمي عن وصول الجماعة إلى صراع لن ينتهي بسهولة، وهو ما يفسر ما ذهب إليه بعضٌ من أن التخبط والصراع على السلطة والقيادة، والذي تشهده جماعة "الإخوان"، يضرب بقوة الهيكل التنظيمي لها، ويشكل تمردا على أفكار الجماعة القائمة على السمع والطاعة، الأمر الذي يعرضها لمزيد من الانقسام، الذي قد يعصف بها نهائيا، ويغيبها عن المشهد السياسي في مصر بشكل كامل.
أرسل تعليقك