يزداد منسوب التوتر بين واشنطن وموسكو، يوما بعد الآخر، وسط تساؤلات حول الطريقة التي ستتصرف بها الولايات المتحدة، خلال الفترة المقبلة، بعدما لوحت روسيا باستخدام كافة الوسائل لأجل الدفاع عن نفسها، في إشارة اعتبرت بمثابة تهديد نووي "ضمني".
وفيما كشف مسؤولون أميركيون، لصحيفة "واشنطن بوست"، أن البيت الأبيض ظل يحذر موسكو من الإقدام على هجوم نووي، طيلة الأشهر التي مضت، ثمة من ينبه إلى احتمال إقدام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، بشكل فعلي، على التصعيد، بعدما منيت قواته بخسائر فادحة في شرق أوكرانيا.
إزاء هذا الوضع، يرى الكاتب الأميركي، دافيد إغناتيوس، أنه من الحري بالرئيس الأميركي، جو بايدن، أن يستفيد من دروس الأزمة الكوبية التي اندلعت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقا في سنة 1962.
ويرى الكاتب أن الرد الأميركي على التهديدات الروسية، له أهمية بالغة، لأنه سيرسم ملامح المشهد الدولي، مستقبلا، وبالتالي، فلا محيد عن التعامل بحزم مع ما وصفه بـ"الابتزاز الروسي".
وتابع إغناتيوس، أنه في حال رأت الصين أن الغرب قد أذعن لروسيا، بفعل التهديد النووي، فإن ذلك سيكون إيذانا بكين بأن تمضي قدما في مخططا لتوحيد تايوان بالقوة.
يشرح إغناتيوس، أن موقف الرئيس الأميركي السابق، جون كينيدي، الذي أدار الأزمة، حقق أمرين اثنين؛ فهو لم يتساهل أبدا مع عزم الاتحاد السوفياتي نشر صواريخه في كوبا، من ناحية أولى، لكنه لم يغلق الباب أمام الديبلوماسية، من ناحية أخرى.
وكانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقا، على حافة مواجهة نووية، في أكتوبر 1962، عندما أراد السوفييت نشر صواريخ نووية في كوبا، على مرمى حجر من الولايات المتحدة، في خطوة اعتبرتها واشنطن، وقتئذ، بمثابة تهديد مباشر وجدي لا يمكن التساهل معه.
وسعى زعيم الاتحاد السوفياتي، حينئذ، نيكيتا خروتشوف، إلى إبرام اتفاق سري مع الرئيس الكوبي الراحل، فيديل كاسترو، إثر فشل محاولة أميركية لأجل إزاحة زعيم الجزيرة الشيوعية المعزولة من السلطة.
وصفة "متوازنة"
يقول الكاتب إن بوتن مقتنع في قرارة نفسه بالحرب الدائرة في أوكرانيا، وينظر إليه بكثير من القداسة، لأنه مرتاب إزاء الخصوم، ويعتقد بأن الغرب يريد إضعاف موسكو عن طريق أوكرانيا المجاورة.
تبعا لذلك، ينصح إغناتيوس الرئيس بايدن بأن يحرص على طمأنة الروس وتبديد مخاوفهم، مع تعبيد الطريق أمام استقرار ثنائي بين موسكو وواشنطن في مرحلة ما بعد الحرب، إذا أوقفت روسيا عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
وهنا يعود الكاتب إلى سنة 1962، فيقول إن الرئيس كينيدي تفاعل بشكل إيجابي مع عرض سوفييتي وقتئذ من أجل خفض التصعيد، فلم يذهب الرئيس الديمقراطي السابق نحو المزيد من التأجيج.
ويوم الأربعاء الماضي، أشار بوتن إلى استعداد روسيا لتسوية سلمية للنزاع، في إطار مخرجات المفاوضات التي جرت برعاية تركية في اسطنبول، في مارس الماضي، لكنه اتهم كييف والغرب، بالتنصل.
حيال هذا الوضع الذي يسوده الترقب، يقول الكاتب الأميركي إن بايدن وبوتن يوجدان في موقعين مختلفين؛ ففي الكرملين، يجد بوتن نفسه أمام ضغط داخلي وخارجي بسبب "الإخفاق" الأخير في أوكرانيا في ظل دعم خافت من حلفاء كالصين والهند، في حين يحظى بايدن بتوافق في واشنطن إزاء الملف الأوكراني، بينام يقوم بعمل دؤوب ومنسق مع الأوروبيين.
لكن رغم هذا الوضع المريح لبايدن، يشرح الكاتب، أنه ثمة حاجة ليحدد الأوكرانيون بوصلتهم أيضا، فعندما كانوا يتراجعون على الأرض في الصيف، رفضوا التفاوض من موقع ضعف، واليوم أيضا، يرفضون التفاوض، لأنهم عازمون على تحقيق المزيد من المكاسب، وبالتالي، فهم يحتاجون إلى تحديد ما يريدونه مستقبلا.
ويخلص الكاتب إلى أن كينيدي نجح في أزمة الصواريخ الكوبية؛ لأنه حقق أمرين؛ أولهما أنه بدا مستعدا للذهاب حتى النهاية في حرب نووية مع موسكو لأجل الرد على ما وصف بخطوة "متهورة" تتمثل في محاولة نشر صواريخ نووية بكوبا، في حين يتمثل العنصر الثاني؛ في الإبقاء على قناة تواصل خلفية مع السوفييت، من أجل تفادي الكارثة، وهذان الأمران قد يكونان مفيدين للرئيس الأميركي وهو يفكر في النهج الأفضل للتعامل مع القيصر.
أرسل تعليقك