دمشق تتمسك بتقاليدها الرمضانية والأرياف المحاصرة تكافح للبقاء
آخر تحديث GMT16:35:28
 العرب اليوم -

دمشق تتمسك بتقاليدها الرمضانية والأرياف المحاصرة تكافح للبقاء

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - دمشق تتمسك بتقاليدها الرمضانية والأرياف المحاصرة تكافح للبقاء

دمشق في رمضان
دمشق ـ نور خوام

يتميز شهر رمضان في دمشق بطابع خاص ونكهة مميزة، حيث تحتضنه هذه المدينة العريقة بشوق ويبدأ أهلها باستقباله لارتباطه بعبادة الصوم المقدسة .

ويبدأ الدمشقيون منذ دخول شهري رجب وشعبان، بالتأهب لعبادة الصوم من خلاب صيام بضعة أيام في هذين الشهرين الفضيلين، وتوزيع الصدقات على المحتاجين وإقامة مجالس الذكر والتسبيح، وعند دخول رمضان تجد المساجد تمتلئ بالمصلين وخصوصًا في صلاة التروايح والتهجد، حيث تكتظ الشوارع بالقرب من المساجد الكبرى، وتسمع أصوات القران تخرج من البيوت.

واقتصرت هذه المظاهر الدينية في أعوام الحرب الأولى على البيوت بسبب الوضع الأمني، اﻻ أن الأمر تغير هذا العام وعادت مساجد دمشق في صﻻة التراويح عامرة بالمصلين من جديد، وعاد الرجال والنساء في المناطق الآمنة وسط دمشق باصطحاب أبناءهم إلى المساجد في ترسيخ لهذه العادة التي دأب الدمشقيون على المزاولة عليها ولم يتخلوا عنها اﻻ في الأعوام الماضية .

وتترافق هذه الطقوس الدينية بمظاهر اجتماعية تحقق المقاصد الأخلاقية للصوم، مثل صلة الرحم، حيث للزيارات في رمضان وقع خاص، فهي تكون للمباركة بالشهر الكريم بين العائلات في الحارة الواحدة وبين الأقارب، وبشكل دوري كل يوم في بيت وأحيانا تجتمع العائلة في مطعم من مطاعم دمشق القديمة أو في بستان للتعارف بين الأحفاد والشباب، وهذا يتمثل بالأسر الدمشقية العريقة ولكن ظروف الحرب جعلت هذه الزيارات تقتصر على المقربين.

ويسبق قدوم الشهر الفضيل بأيام، اجتماع سكان دمشق بعائلاتهم وذهابهم إلى سيران في الغوطة أو إلى الربوة، تبعًا لتقليد يسمى "التكريزة"، والقصد منه الترويح عن النساء والأطفال قبل انشغالهم لشهر كامل في العبادة و أعمال المنزل، وقد اختفى هذا التقليد بشكل كامل بسبب انعدام الأمن في المناطق الريفية، أما الزينة الضوئية التي كانت تشع داخل البيوت الدمشقية وخارجها لتشمل الشوارع والساحات والأسواق، فقد اقتصرت هذا العام على الأسواق التجارية والمولات الكبيرة.

ويتميز رمضان في المدينة بـ"السكبة"، وهي كمية من طعام الفطور توزع على الجيران والأقارب كحالة من الود والمشاركة، ورغم اقتصارها في الوقت الحالي على الأقارب أو الأبناء، اﻻ أنها لم تختف تماما لاسيما في الحارات القديمة التي تحاول الحفاظ على عاداتها رغم كل شيء.

و ما زال الدمشقيون يجتمعون حول موائد السحور الشهية والغنية بالمأكولات الشهيرة، ويترافق السحور مع صوت الردايو الذي ينقل من الجامع الأموي ابتهالات دينية تسمع أصواتها في كل أرجاء المدينة.، وبعد أن أغلقت طوال الأعوام الأربعة  الماضية، عادت الأسواق ولاسيما المختصة بالملابس، لتفتح أبوابها في فترة بعد الإفطار وسط إقبال مقبول يتناسب مع الظروف الاقتصادية لسكان المدينة والفجوة الكبيرة بين الرواتب والأسعار.

ويلاحظ بائعي  الخضار والفواكه والمجففات ينتشرون  في أسواق دمشق وشوارعها في فترة ما قبل الإفطار، عارضين بضائعهم بطرق مختلفة وجذابة، ويكثر الازدحام في أسواق دمشق التقليدية كالحميدية والبزورية وخان الجمرك والعصرونية والحمراء والصالحية وأبو رمانة والقصاع.

ويختلف هذا المشهد الرمضاني كثيرًا في أرياف دمشق، لاسيما المحاصرة منها، ففي داريا  يطل رمضان على المدينة في أجواء الحرب والحصار، حيث لم يبق فيها سوى عشرة آلاف نسمة من سكانها، الذين يعيشون في ظل الحصار والمعاناة، ولأن شهر الخيرات هذا العالم ليس كسابقيه، فقد حضّر سكان المدينة له قبل فترة جيدة عن طريق الزراعة، رغم صعوبة تأمين الوقود والمياه، المقطوعة عن المدينة منذ عامين، نجح موسم الزراعة، وأثمرت الأشجار وأنتجت وأطعمت، بعد أن سخر الأهالي وقتهم للعناية بها.

وتبرز مطابخ المدينة التي أعلنت التأهب قبل حلول الشهر الفضيل، ليكون عملهم بإعداد الطعام في سبيل مساعدة الناس على أكمل وجه، ورغم هذا يبقى للمعاناة وجوه كثيرة في مدينة داريا، حيث لا يملك الأهالي الإمكانية المادية لشرائها، فيبلغ سعر كيلو السكر الواحد 1500 ليرة، والبرغل والرز 700 ليرة فيما وصل سعر القمح إلى 1000 ليرة.

وﻻ يختلف المشهد كثيرا في الغوطة، فالحصار واحتكار التجار سرق فرحة الشهر الفضيل، فأصبح  أهالي الغوطة يعتمدون  في معيشتهم علی الخضراوات والحشائش التي يزرعونها في بساتينهم وخبز الشعير والذرة بشكل أساسي، وذلك لارتفاع أسعار مادة طحين القمح حيث وصل سعر الكيلو غرام الواحد إلی 1200 ليرة سورية.

وأصبحت المواد الأخرى كالرز والسكر والزيت من الرفاهيات، ولا يستطيع الحصول عليها إلا الطبقات الغنية حيث وصل سعر الكيلو الواحد من السكر إلی 3500 ليرة سورية كما وصل سعر كيلو الرز إلی 2500 ليرة سورية، وهذه الأسعار قابلة للزيادة أو النقصان في أية لحظة بحسب توافرها أو فقدانها المفاجئ من أسواق الغوطة .‏

ووصف المؤرخون رمضان دمشق بكثير من الأوصاف والصور البهية حيث قيل فيه "رمضان القديم كان يغمر أرجاء دمشق كلها، فكنت تحس به حيث سرت؛ تراه في المساجد الممتلئة بالمصلين والقارئين والمتحلقين حول كراسي المدرسين، وتراه في الأسواق؛ فلا تجد عورة بادية ولا منكرًا ظاهرًا ولا مطعمًا مفتوحًا ولا مدخنا ولا شاربا، تشتري البضاعة وأنت آمن من الغش والغبن، لأن أفسق البائعين لا يغش في رمضان".

ويستكمل الواصف الصورة بأن "المرأة تعمل مطمئنة إلى أنها مهما أخطأت فلن تسمع من زوجها كلمة ملام، لأن المسلم الصائم لا يشتم ولا يلوم في رمضان والرجل يرجع إلى بيته وهو آمن أن يجد من زوجه نكدًا أو إساءة، لأن المرأة المسلمة الصائمة لا تؤذي زوجها في رمضان ولو تركت بيتك مفتوحًا لما دخل المنزل لصٌ، لأن اللصوص يُضربون عن العمل ويتوبون عن السرقة في رمضان".

وتكون الأسواق مُضاءة والأولاد مزدحمين فيها على بياع المثلجات إن كان الوقت صيفًا أو بياع الفول، ومن أراد لهوًا لم يجد إلا الحكواتي يقص قصة عنترة وكلها بطولة ونبل

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دمشق تتمسك بتقاليدها الرمضانية والأرياف المحاصرة تكافح للبقاء دمشق تتمسك بتقاليدها الرمضانية والأرياف المحاصرة تكافح للبقاء



أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:24 2025 الأحد ,23 شباط / فبراير

نهج التأسيس... وتأسيس النهج

GMT 07:29 2025 الأحد ,23 شباط / فبراير

كم سيندم لبنان على فرصة اتفاق 17 أيّار...

GMT 05:50 2025 الأحد ,23 شباط / فبراير

حقائق غامضة

GMT 18:20 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

إنستجرام يضيف ميزات جديدة للرسائل المباشرة

GMT 09:50 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

أنغام تتألق في حفل تكريم عبدالله الرويشد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab