يعتبر الجنيه المصري صاحب أفضل أداء بين الأسواق الناشئة في العام 2020، وذلك بمكاسب بلغت نسبتها 2.25 بالمئة أمام الدولار، وهو الأداء المتوقع أن يتواصل خلال السنوات المقبلة، مدعوماً بنتائج برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي اتبعته الدولة المصرية والإصلاحات التي تقوم بها الدولة.وعلى رغم تبعات جائحة كورونا الشديدة على الاقتصاد العالمي، وما أفرزته من ضغوطات على العملات الأجنبية، نجح الجنيه المصري في أن يحقق أداءً متزناً متجاوزاً تلك التبعات، ومدعوماً بقرارات حمائية اتخذتها الحكومة في مواجهة تداعيات كورونا، أسهمت إلى حد كبير في إنقاذ الاقتصاد المصري من سيناريوهات صعبة.
أداء قوي
هذا ما يؤكده رئيس شعبة الصرافة السابق باتحاد الغرف التجارية بالقاهرة، محمد الأبيض، والذي يلفت إلى أن أداء الجنيه المصري في العام 2020 وفي ظل ذروة جائحة فيروس كورونا كان أقوى على مستوى الأسواق الناشئة، وعلى رغم الظروف التي اعترت الاقتصاد العالمي ككل، وكانت لها آثار سلبية وخيمة على أداء الاقتصادات كافة حول العالم.ويعزي الأبيض ذلك إلى القرار الحمائية التي اتخذتها الدولة المصرية للتعامل مع الجائحة وتداعياتها الاقتصادية الشديدة، مشيراً إلى أن أداء الجنيه المصري من المتوقع أن يواصل الصمود متفوقاً على عملات الأسواق الناشئة في العام الجديد 2021.
ويلفت إلى أن "الأمور كانت جيدة بالنسبة للجنيه المصري في 2020، على رغم أنه لم تحدث طفرات كبرى بسبب تداعيات كورونا وتأثر حركة التجارة العالمية بعمليات الإغلاق على مستوى العالم (..) لكن الجنيه المصري نجح في أن يحافظ على استقراره خلال العام، ويحقق ارتفاعات في بداية العام ومنتصفه، وهو الأداء المتوقع أن يستمر في العام 2021 مدفوعاً بتلك السياسات التي تتخذها الحكومة المصرية دعماً للاقتصاد".
تكشف البيانات الرسمية التي نشرها المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري أخيراً، عن أن الجنيه المصري يعتبر واحداً من أفضل عملات الأسواق الناشئة، وذلك بفضل "تحسن مصادر النقد الأجنبي"، وسط توقعات بتحسن أداء الجنيه أمام الدولار في السنوات المقبلة مقارنة بمستويات أقل قبل جائحة كورونا. لتصل نسبة التحسن المتوقعة إلى 4.3 بالمئة ليسجل الدولار 16.10 جنيه في العام 2021، و5.1 بالمئة ليصل إلى 15.97 جنيه عام 2022، و5.8 بالمئة ليصل إلى 15.85 جنيه عام 2023، و6.4 بالمئة، ليصل إلى 15.74 جنيه عام 2024.
فوز نادر
في 2020 نجح الجنيه المصري في أن يحقق "فوزاً نادراً بين الأسواق الناشئة في 2020" وفق تعبير الخبير الاقتصادي المصري مصطفى بدرة، الذي يؤكد في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" من العاصمة المصرية، على أن ذلك الفوز "جاء على خلفية المساعي الحثيثة ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي منذ العام 2016 وما قبله، والذي كان من نتائجه تصدر الجنيه المصري الأسواق الناشئة مقابل العملات الأخرى".ويلفت بدرة إلى أنه "خلال الأربع سنوات الماضية من العام 2016 وحتى العام 2020، حقق الاقتصاد المصري نجاحات تمثلت في تسجيل فائض في عجز الموازنة الأولي، كان نتيجة ذلك تجاوز جزء كبير من الجائحة وأن ارتفع الجنيه المصري أمام العملات الأخرى وبالأخص الدولار، في حدود من 2 إلى 2.5 بالمئة، ذلك أنه في العام 2019 كان مستوى الدولار أمام الجنيه في حدود 16.25 جنيه، ورغم جائحة كورونا تحسن الجنيه المصري أمام الدولار ليصل إلى حدود 15.7 جنيه للدولار، في المتوسط العام".
ويقول الخبير الاقتصادي إنه في العام 2020 الاستثنائي، حافظت مصر على المحاور الاقتصادية الخاصة بها، مثل الحفاظ على التصنيف الائتماني والحفاظ على الارتفاع الكبير في تحويلات المصريين في الخارج، ما عوّضَ تراجع النشاط السياحي نسبياً، بخلاف الاستثمارات المباشرة في عديد من القطاعات، لا سيما البترول والغاز، فضلا عن زيادة الصادرات المصرية، كما أن مصر خلال العام نفسه سددت جميع التزاماتها الخارجية، فضلاً عن تمكنها من محاصرة التضخم وكذا تخفيض سعر الفائدة، وقد أسهم ذلك كله في محافظة الجنيه على مستواه وتحقيقه طفرة في أن يكون الفائز مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى.
ويتوقع بدرة تحقيق الجنيه المصري أداء أفضل في العام 2021، مدعوماً بتلك النجاحات، لا سيما وأنه نجح في تجاوز المرحلة الأولى الأكثر صعوبة في 2020، وفي ظل الحديث عن تقدم بخصوص اللقاحات خلال الربع الأول.وخلال العام 2020، وبين تسع عملات رئيسية بالأسواق الناشئة، كانت العملة المصرية الوحيدة التي استطاعت تحقيق مكاسب على حساب الدولار بلغت نسبتها 2.25 بالمئة، طبقاً لما رصدته وكالة الأنباء المصرية الرسمية، في حين منيت عملات الأسواق الناشئة الأخرى بخسائر تراوحت بين 2 وحتى 30 بالمئة أمام نظيرتها الأميركية.وفي نهاية العام الماضي 2020، بلغ متوسط سعر صرف الدولار أمام العملة المصرية 15.66 جنيه للشراء و15.76 للبيع، وذلك مقارنة بـ 15.99 جنيه للشراء و16.09 للبيع في متوسط العام السابق عليه 2019.
عوامل الصمود
ويحدد الخبير الاقتصادي سيد خضر، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" من القاهرة، عوامل صمود الجنيه المصري وتحقيق أداء قوي خلال العام 2020، في عدد من العوامل الرئيسية، من بينها الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها الحكومة المصرية في مواجهة الأزمة (كورونا) مع استمرارية عجلة الإنتاج والمشروعات العملاقة التي لم تتوقف، فضلاً عن معدلات الاحتياطي النقدي المرتفعة، بالإضافة إلى مبادرات البنك المركزي التي دعمت قطاعات مهمة تساعد على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية.
وبحسب البيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري، فإن الاحتياطي النقدي حقق قفزة ملحوظة إلى 40.062 مليار دولار في نهاية شهر ديسمبر الماضي، مسجلاً زيادة بنحو 841 مليون دولار، مقارنة بشهر نوفمبر.ويوضح خضر في معرض تصريحاته، أن الجنيه قدّم أداءً جيداً من المنتظر أن يواصله في العام 2021، ويرجع ذلك إلى قوة برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته القاهرة خلال الفترة السابقة منذ تعويم الجنيه (تحرير سعر الصرف) وحتى الآن. ويلفت في السياق ذاته إلى أن استمرارية العمل في المشروعات القومية المهمة العملاقة أسهمت في تحقيق نمو إيجابي.
ويختتم الخبير الاقتصادي تصريحاته بالإشارة أن "مصر صارت لها هوية اقتصادية، وكيان اقتصادي قوي يحتذى بتجربته حول العالم، بفضل الإنجازات المحققة".ويتوقع قسم البحوث بشركة "بلتون" المالية (في تقرير سابق له) تسجيل متوسط سعر الصرف نحو 15.78 جنيه مقابل الدولار في العام الجديد، وسط توقعات إيجابية بارتفاع قيمة العملة المصرية على مدار الأعوام الخمسة المقبلة.
ستة موارد
يتوقع الباحث الاقتصادي المصري محمد نجم، أن ينل الجنيه المصري ثقة المستثمرين الأجانب في 2021 مقارنة بعملات المنطقة واقتصاداتها الناشئة مثل الشيكل الإسرائيلي أو الليرة التركية أو الروبل الروسي أو راند جنوب أفريقيا أو النايرا النيجيرية، على أن يظل الجنيه المصري هو الأفضل مقارنة بهذه العملات، وفى ظل مستوى تضخم تحت السيطرة (من 5 بالمئة إلى 9 بالمئة)، ويصبح العائد الحقيقي إيجابياً وكبيراً لأي مستثمر أجنبي، بما يضمن أداءً جيداً لهذا البند في 2021.
ويلفت عن توقعات أداء الجنيه المصري خلال العام 2021، إلى أن "قياس أو توقع أداء أية عملة في العالم يتم عبر معايير ثابتة: (المعروض من العملة الصعبة مع المطلوب من العملة الصعبة خلال فترة الدراسة)، مطبقاً هذه المعادلة على مصر على ستة موارد مصرية.وتحدث أولاً عن الصادرات المصرية التي يشكل وزنها النسبي في إجمالي موارد النقد الأجنبي المصرية 32 بالمئة، بالإشارة إلى أن مصر "حققت 30 مليار دولار في 2020، بنسبة أقل من العام 2019 لكنه انخفاض غير مخيف؛ بسبب استمرار التخبط في الإنتاج الزراعي العالمي نتيجة الجائحة. أما فيما يتعلق بالمورد الثاني الخاص بتحويلات المصريين بالخارج، فقد حقق ارتفاعاً في الربع الثالث من 2020، بنسبة 20 بالمئة تقريباً، ومن المتوقع الاستمرار على هذا المنوال في العام 2021.
أما على صعيد إيرادات السياحة، فقد تهاوت بشكل كبير، من 12 مليار دولار إلى أربعة مليارات في 2020، لكن نجم يتوقع انخفاض وتيرة الخسائر في 2021. وتحدث عن المورد الرابع والمرتبط بالاستثمار الأجنبي المباشر، متوقعاً أن يرتفع في 2021 نتيجة بدء برنامج الإصلاح الهيكلي، وجزء رئيسي من البرنامج هو طرح عدد من شركات الحكومة على المستثمرين، ما سيدفع بالاستثمار الأجنبي للتحسن.أما المورد الخامس المرتبط بقناة السويس، فقد حققت القناة أداءً مذهلاً في 2020، رغم انخفاض أرباحها بـ 200 مليون دولار مقارنة بـ 2019، إلا أن هذا الانخفاض يعد إنجازاً هائلاً لو وضعنا بالاعتبار الشلل والتعطل في حركة الملاحة والتجارة الدولية. بينما المصدر السادس للنقد الأجنبي هو الاستثمار الأجنبي غير المباشر (الاستثمار في ادوات الدين)، والذي يمثل مورداً هاماً للعملة الصعبة.
أرسل تعليقك