يكابد حارس الأمن الكيني مايكل دوغلاس أونغري الفقر ودوام عمل يمتد 13 ساعة والتمرين تحت أشعة الشمس الحارقة في قطر بعيدًا من عائلته، ليركض خلف حلمه بأن يصبح عداءً في سباقات الجري، ولا يكل الشاب البالغ 22 عامًا عن المثابرة لتحقيق حلمه، ويتمرن بشكل متواصل رغم أنه يضطر قبل التمرين وبعده، للسير 11 كيلومترًا، هي مجموع المسافة من عمله إلى متنزه في الدوحة، ومنه إلى منزله.
ويقول أونغري لوكالة "فرانس برس" عليّ أن أقوم بذلك، هذا أمر في داخلي، أحب الجري، ويجب علي أن أركض"، والأكيد أن المثابرة لا تنقصه، ستة أيام في الاسبوع، ينهي أونغري عمله قرابة الساعة الخامسة عصرًا ويتجه إلى متنزه أسباير، وهو الأكبر في العاصمة القطرية، والواقع على مقربة من استاد خليفة الذي من المقرر أن يستضيف بطولة العالم لألعاب القوى 2019.
وفي ظل حرارة تتخطى الأربعين درجة مئوية ونسبة رطوبة خانقة، يرتدي الشاب الكيني لباس التمرين وتجهيزاته، ويبدأ بالجري مسافة 12 كيلومترًا ضمن المساحات الخضراء للمتنزه، والعرق يتصبب منه، وفي حين يحلم كثيرون، خصوصًا من مواطني أونغري أو الأفارقة بشكل عام، بأن يصبحوا أبطالاً في مضامير ألعاب القوى حول العالم، يبدو أن الكيني الشاب يحظى بفرصة جدية ليثبت نفسه.
وتقول ليز ماكولغان التي أسست مع زوجها جون ناتال نادي الدوحة لألعاب القوى، أن أونغري موهوب وأعتقد أنه يمكن أن يحقق حلمه في سباقي 1500 و5000 متر". ويساعد ناتال وماكولغان أونغري خلال تمارينه مرتين أسبوعيًا، ويمكن للزوجين أن يقدما إلى الشاب الكيني حصيلة تجربة غنية، فماكولغان بطلة سابقة للعالم في سباق العشرة آلاف متر، وحائزة على فضية دورة الألعاب الأولمبية في سيول 1988، وفائزة في سباقي ماراثون نيويورك ولندن، أما زوجها فشارك في دورة الألعاب الأولمبية عام 1996، وابنتها بلغت المرحلة النهائية من سباق الخمسة آلاف متر في أولمبياد ريو 2016 في شهر آب/أغسطس الجاري.
وتضيف ماكولغان التي تقيم في قطر منذ عامين ونصف العام، أن لاونغري أسلوب جريه جيد جدًا، لذا يمكنني أن أراه عداءً جيدًا، ولقد تعرفت إلى مايكل بعدما بعث برسالة إلى النادي عبر موقعه الإلكتروني، لكنني سبق لي رؤيته يتمرن في المتنزه حيث نتمرن نحن أيضًا، وكان من غير المعتاد رؤية شخص يجري بهذه السرعة بمفرده من دون أن يكون سبق له التدرب برفقة متخصص.
وفي الليلة التي رافقت فيها "فرانس برس" أونغري، كان يتمرن برفقة عدد من الأعضاء اليافعين في نادي ألعاب القوى، وبدا واضحًا تفوق أونغري، إذ يحتاجه بضع خطوات فقط ليبتعد عنهم، في حين كان ناتال يعطي توجيهاته للجميع، وصرخ العداء السابق ممازحا "هيا مايكل، كف عن الكسل!".وتبدي ليز، أو "مدام ليز" كما يسميها أونغري، ثقة بموهبته وقدراته الجسدية، لكنها قلقة من تأثير الوقت القليل الذي يتاح له فيه التمرين على حلمه بأن يصبح يومًا ما عداءً محترفًا.
وتقول "لسوء الحظ هو يعمل ساعات طويلة لذا لا يمكنه الجري سوى مرة واحدة في اليوم (...) فإذا أراد أن يصبح عداءً دوليًا، عليه القيام بذلك مرتين يوميًا".
ونشأ أونغري في مقاطعة نيانزا الفقيرة في كينيا، وأحبّ الجري منذ صغره، لكنه اضطر لجعل توفير مدخول لعائلته أولوية على تحقيق أحلامه الخاصة، لكونه الأكبر بين أخوته الخمسة.
ويتقاضى أونغري راتبًا يبلغ 1400 ريال قطري (385 دولار أميركي). ومع اقتراب الشهر من نهايته ونقص ما يتبقى له من أجر، يضطر للتقشف في كمية الطعام، ما يجعله يتمرن أحيانًا على معدة خاوية. ويقول "لم تكن نشأتي جيدة، وواجهت مشقة. توجب علي إطعام عائلتي".وعمل الشاب في المزرعة نفسها مع والديه، إلا أنه عندما أُتيحت له الفرصة للانتقال إلى قطر، آثر أن السعي للحصول على دخل أعلى، وفي الوقت نفسه السعي لتحقيق حلمه في الجري.
ولتأمين الانتقال إلى الخليج، دفع أونغري ألف دولار استدانها من رجل إيطالي كان يملك متجرًا عمل فيه في كينيا، وبعد مرور ثلاثة أعوام، فرغ أونغري للتو من سداد الدين. ومع اقتطاع المبلغ الذي يرسله إلى عائلته، يضطر للاكتفاء شهريًا بمئة دولار فقط للانفاق على معيشته، ويقول "طبعًا، الآن الجميع (في بلاده) يطلبون مني حاجات من هنا. الأمر صعب، الدوحة مكان باهظ جدًا".
ومع نهاية التمرين الذي استمر ساعة، كانت حرارة الطقس قد انخفضت إلى ما دون الأربعين درجة مئوية، وتبقى لأونغري السير مسافة ثلاثة كيلومترات للعودة إلى شقته حيث يقيم مع خمسة أشخاص آخرين، قبل أن يخلد للنوم خمس ساعات استعدادًا لبدء يوم جديد وفق الجدول نفسه، وفي حين أن المسافة بين متنزه اسباير واستاد خليفة تكاد لا تذكر، اإا انها تمثل بالنسبة إلى أونغري الفارق بين الواقع والطموح، وردًا على سؤال عما إذا كان يرغب يومًا ما بالجري في الملعب تحت أعين المشجعين، يقول "هذا حلمي... سأحققه".
أرسل تعليقك