القاهرة ـ أ ش أ
ربما لا توجد أنباء وتطورات عالمية سارة ومؤثرة بالإيجاب على حياة البشرية في عام 2013 كتلك التي شهدها مجال الطاقة النظيفة والمتجددة الذي عرف العديد من الإنجازات والإختراقات الجوهرية التي تمثل نقاطًا مضيئة في مسيرة تحقيق مستقبل عالمي خالٍ من الكربون ، فبينما تزداد الأخبار حول التغير المناخي يومًا بعد يوم ، إلا أن التطور التكنولوجي المتسارع وانخفاض تكلفة الحصول على الطاقة المتجددة وتصاعد إمكانية الحصول عليها من مصادر متعددة ، تمثل علامات فارقة هذا العام في إمكانية الحد من استخدام المصادر التي تسبب تلوث البيئة والإنبعاثات الحرارية.
فقد كان عام 2013 بالغ الأهمية والتميز بالنسبة لصناعات الطاقة النظيفة وللأسواق والمستهلكين ، حيث هناك العديد من الإشارات التي تستحق الذكر، منها أن حجم الاستثمارات المخصصة لهذا المجال على المستوى العالمي لا تزال تتجاوز الـ 250 مليار دولار ، على الرغم من استمرار التأثير السلبي للأزمات المالية والاقتصادية في الدول الأكبر استثمارًا في شركات الطاقة المتجددة ، حتى وإن انخفض الإجمالي الكلي مقارنة بعام 2012 الذي تم فيه استثمار 281 مليارًا، وذلك وفقًا لبيانات وكالة بلومبيرج التي تتبعت حجم الإستثمارات حتى نهاية الربع الثالث من العام 2013.
وعلى المستوى العملي، يفيد موقع Climate Progress الإلكتروني المتخصص في دراسات التغير المناخي والطاقة المتجددة، إلى العديد من الإختراقات التكنولوجية في مجال الطاقة النظيفة ، منها: نجاح مصنع سولانا الضخم للطاقة الشمسية في ولاية أريزونا الأميركية في تشرين الأول الماضي في استخدام بطاريات الملح التي تمكن من إنتاج الطاقة الشمسية حتى مع غروب الشمس، حيث تعمل هذه البطاريات على تخزين الطاقة الحرارية في غياب الشمس أو ضعف طاقتها، وينتج هذا المصنع حاليًا 280 ميغاوات من الطاقة الشمسية.
وفي أيار الماضي تم تطوير جيل جديد من توربينات الرياح استطاعت معاجلة مشكلات التخزين والتقطع ، بما يضمن تذليل العقبات السابقة في إمدادات الكهرباء، حيث تم إنتاج بطاريات فائقة يمكنها تشغيل توربينات الرياح دون الحاجة إلى الكهرباء التي كانت تشغل هذه التوربينات، وهو ما يجعل هذا النوع من الطاقة أكثر جاذبية من الناحية التجارية البحتة، حيث تم تركيب 59 توربينًا جديدًا في ولاية ميتشيجين، وسيتم تركيب اثنين في ولاية تكساس.
ومن بين أهم التطورات التي تبعث على التفاؤل هو انخفاض تكلفة الكهرباء المتولدة من الطاقة الشمسية في الربع الأول من العام 2013 لتكافئ نفس القدر من طاقة الفحم ، فإذا كانت تتكلف خلية الطاقة الضوئية الشمسية الواحدة 67.67 دولار لكل وات في عام 1977، فإنها تبلغ اليوم 0.74 دولار فقط لكل وات، حيث انخفضت تكاليف تركيبات الألواح الشمسية في مصانع إنتاج الطاقة الشمسية التي لا تحتاج سوى لضوء وطاقة الشمس، ومن ثم فقد ازدهرت هذا العام عمليات شراء الكهرباء من مشروعات الطاقة الشمسية في أميركا والهند وإيطاليا، وتشهد العديد من الدول تطورات مهمة في هذا القطاع.
من جانب آخر، استطاع مصنع سيليكون للطاقة الشمسية هذا العام إنتاج خلايا شمسية رقيقة جدًا حطمت الأرقام القياسية السابقة حول كفاءة تحويل الخلايا الشمسية إلى كهرباء، والتي كانت تتراوح ما بين 18.7% إلى 24%، لتصبح الآن 30%، ما يساعد على إنتاج طاقة كهربائية أكبر في مساحة ضوئية صغيرة ، وهي تكنولوجيا شبيهة لتلك الاستخدامات للشرائح الرقيقة في الأجهزة الإلكترونية الصغيرة مثل الهواتف الذكية والمحمولة وأجهزة كشف الدخان وأجهزة التحكم والإنذار عن بعد.
وشهد هذا العام كذلك إكمال أول مشروع ضخم على المستوى العالمي لتوليد الطاقة البحرية في الولايات المتحدة ، فبعد خمسة أعوام من العمل، أعلنت شركة المحيط للطاقة المتجددة Ocean Renewable Power Company عن انتهاء تثبيت التوربينات بعمق 2200 قدمًا تحت الماء قرب شاطئ ماين ، وهو مشروع تكلف 21 مليار دولار مناصفة بين القطاعين العام والخاص، ويتم حاليًا توليد 280 كيلووات/الساعة من طاقة المد والجزر وإمدادها لشبكات الكهرباء، وسيتم نشر جهازين من هذه التوربينات في ولاية آلاسكا في تشرين الثاني 2014 ، كما زار وفد ياباني هذا المشروع حيث تسعى اليابان بحلول عام 2030 إلى أن تعتمد في مصادر الطاقة كلها على نسبة 30% من الطاقة البحرية.
كما بدأت شركة ستات أويل النرويجية المتخصصة في استخرج النفط والغاز هذا العام في تطوير جيل جديد من توربينات الرياح البحرية التي تطفو على سطح الماء ، وذلك قبالة السواحل الإسكتلندية التي ستكون أكبر مزرعة للرياح العائمة في العالم، حيث يمكن وضع هذه التوربينات لتصل إلى المياه العميقة حتى 700 مترًا تحت سطح الماء بدلاً من 60 مترًا فقط في الوقت الراهن ، وهو ما يمكن من توليد طاقة أكبر من البحر، ويجري التخطيط لإنشاء اثنين من هذه التوربينات العائمة قبالة سواحل فوكوشيما اليابانية لتكون من محطات الكهرباء العائمة في العالم.
وشهد العام 2013 تطورًا بارزًا آخرًا ، ففي تشرين الثاني الماضي ، بدأ مشروع كارنيجي لتسخير أمواج المحيطات لإنتاج المياه العذبة ، وذلك قرب بيرث في استراليا ، حيث سوف يتم استخدام أمواج المحيط بدلا من الوقود الأحفوري والكربون لتشغيل مضخات الوقود التي تستخدم في عمليات تحلية المياه، وسيسهم هذا المشروع في توريد مصنع كارنيجي لنحو 55 مليار لتر من المياه العذبة الصالحة للشرب سنويًا.
وفيما يخص طاقة الرياح، أشار ستيفن بيرد، رئيس مؤسسة مورجان ستانلي الأميركية الشمالية لأسهم الطاقة والمرافق والطاقة المتجددة، خلال ندوة عقدت في دولة كولومبيا في تشرين الثاني الماضي حول الطاقة النظيفة ، إلى أن عام 2013 شهد العديد من اتفاقيات شراء الطاقة من مزارع الرياح التي انخفضت تكلفتها جدًا لتصل إلى 25 دولارًا للميغاوات في الساعة ، وهو ما يعني أن هذا النوع من الطاقة أصبح منافسًا شرسًا لمصانع الوقود الأحفوري.
ويؤكد بيرد على أن المستقبل سيكون لهذا النوع من الطاقة التي لا تكاد تكاليفها المتغيرة تذكر، ويشير إلى أن ولاية أويوا الأميركية تعتمد حاليًا على 25% من إجمالي الطاقة من طاقة الرياح، ويتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 50% بحلول عام 2018.
وفي مجال السيارات الكهربائية التي تعمل بالطاقة النظيفة ، فقد تمكن مختبر أواك ريدج الوطني بالولايات المتحدة في مطلع العام 2013 من إنتاج بطاريات أكثر أمانًا وأخف وزنًا وأكثر قدرة على تخزين الطاقة، وذلك باستخدام تكنولوجيا بطاريات الليثيوم التي تعتمد على تكنولوجيا النانو.
وفي هذا الصدد أيضًا، تمكنت شركة نيسان التكنولوجية الرائدة في النجاح من ربط بطاريات السيارات الكهربائية لتعمل في ذات الوقت إلى توصيل الطاقة إلى المباني والمنشآت ، وذلك بخلق شبكة أولية تتمكن بها ستة سيارات كهربائية في أن تتشارك بالطاقة مع أحد المباني، وهو مشروع سيتطور ليستخدم أشكالًا أخرى من الطاقة المتجددة.
وتشير التقارير الصادرة عن الموقع الإلكتروني العالمي للطاقة المتجددة، إلى أن الولايات المتحدة تمكنت للمرة الأولى منذ بدء برامج ومشروعات الطاقة النظيفة أن تولد الطاقة الكهربائية من هذه المصادر بشكل يفوق المصادر الأخرى ، إذ أصبحت تشكل الطاقة الكهربائية المتولدة من المصادر المتجددة أكثر من 16% من إجمالي الطاقة بالولايات المتحدة ، يشمل ذلك المياه بنسبة 8.3%، والرياح بنسبة 5.21%، والمصادر الحيوية بنسبة 1.32%، والطاقة الشمسية بنسبة 0.59%، وطاقة البخار والطاقة الحرارية الأرضية بنسبة 0.33%. هذا خلافًا للطاقة النووية التي تولد 9.22% من احتياجات الطاقة الكهربائية الأميركية ، وتمثل هذه الأرقام نموًا في كافة مصادر الطاقة المتجددة ، باستثناء الطاقة الهيدروليكية "المياه"، يزيد بنسبة 15.9% مقارنة بالعام السابق.
وتشير جمعية بحوث وصناعات الطاقة الشمسية الأمريكية إلى أنه للمرة الأولى منذ 15 عامًا تصبح الولايات المتحدة في عام 2013 أكثر قدرة في مجال مشروعات الطاقة الشمسية من ألمانيا رائدة هذا القطاع على المستوى العالمي ، فقد استكملت الولايات المتحدة هذا العام تأسيس 400 ألف مشروع للطاقة الشمسية في أنحاء الأراضي الأميركية ، بنسبة نمو ترتفع إلى 52% داخل هذا القطاع ، وتزيد ينسبة 27% عن عام 2012.
وتوضح بيانات وكالة حماية البيئة الأميركية أن هناك نموا ملحوظا في إنتاج وقود الديزل الحيوي الذي يتجاوز1 مليار جالون للسنة الثالثة على التوالي.
ومما لا شك فيه أن هذه التطورات الإيجابية تشير إلى نسبة مرتفعة من التفاؤل حول مواجهة ظاهرة التغير المناخي من خلال المزيد من الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة ، فقد خلصت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها السنوي لعام 2013 حول توقعات الطاقة العالمية إلى أنه يمكن توفير 50% من الاحتياجات العالمية من الطاقة من توليدها من المصادر النظيفة والمتجددة حتى عام 2035.
وتوقعت أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية يمكنهما توفير حوالي 45% من هذه المصادر المتجددة في حالة التوسع في الاستثمارات الخاصة بهما، وهو أمر لم يعد صعب المنال، لاسيما إذا شهد العالم المتطور استقرارًا ماليًا واقتصاديًا في السنوات المقبلة، وإذا ما بذلت الدول النامية، ومن بينها الدول العربية والأفريقية المزيد من الجهود في سبيل جلب استثمارات ومشروعات الطاقة الشمسية والتوجه نحو اعتمادها على هذه المصادر التي تشهد تطورات تكنولوجية هائلة.
أرسل تعليقك