المنامة - وكالات
تشهد الكرة الأرضية ارتفاعاً ملحوظاً في درجة الحرارة، إذ ذكرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن درجات الحرارة العالمية ما بين شهري يناير/ كانون الثاني ويونيو/ حزيران 2013، مرتفعة عن المعدل العام.
وسجل شهر يونيو 2013 هو الشهر الـ 340 على التوالي - أي ما مجموعه أكثر من 28 عاماً- حيث شهد العالم درجات حرارة عالمية أعلى من المتوسط في القرن الـ 20.
وقد وجد التقرير الصادر من المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أن متوسط درجات الحرارة العالمية في النصف الأول من العام 2013 يتوافق مع العام 2003، بوصفه سابع أحر فترة على الإطلاق.
من جهتها، قالت الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي إن درجات الحرارة الأكثر برودة كانت من نصيب غرب وجنوب أوروبا ووسط آسيا ومعظم الهند.
على ضوء ذلك، أجرينا لقاءً مع أستاذ الموارد المائية في جامعة الخليج العربي وليد خليل زباري، حول تأثير المناخ المتوقع على البحرين وعلى المستوى العالمي.
وتحدث زباري عن التحديات المستقبلية للبحرين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فقال: «بعد فترة طويلة من الجدل والتشكيك بشأن حدوث ظاهرة تغير المناخ، لأسباب بعضها علمية وغالبيتها سياسية من قبل بعض الدول الصناعية المتقدمة والنامية، مستندة على أن التقلبات المناخية التي شهدها العالم في العقود الماضية ما هي إلا تقلبات مناخية طبيعية، وليست بوادر لتغير المناخ العالمي، وأنها لا تستدعي أن يتم إبطاء عجلة النمو الاقتصادي والصناعي.
أثبتت الدراسات العلمية التي أجريت في الفترة الماضية حدوث هذه الظاهرة، وأصبحت حقيقة لا جدال فيها، كما أثبتت أن الكرة الأرضية تمر بفترة دفيئة متسارعة بفعل أنشطة الإنسان الصناعية منذ بدء الثورة الصناعية.
وبحسب التقرير التقييمي الثالث للهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ الصادر في العام 2001، بعنوان: «تغير المناخ: الأسس العلمية»، والتقرير الأخير للهيئة في 2007، فإن درجة حرارة الأرض قد ارتفعت في المئة سنة الماضية بمتوسط بلغ 0.74 درجة مئوية. ويعزى السبب الرئيس لزيادة نسبة غازات ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكاسيد النيتروجين ومركبات الهالوكربونات، أو ما يسمى بغازات الدفيئة، التي تنتج من حرق الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) وحرائق الغابات وعمليات الإنتاج الصناعية».
وأضاف «مع أن هذه الزيادة في درجة الحرارة تبدو قليلة نسبياً مقارنة بالتذبذب في درجة حرارة الطقس اليومية؛ إلا أنها تعتبر عالية وجديرة بالاهتمام مقارنة بمتوسط درجة حرارة الجو العالمية، ولها تأثيرات كبيرة محتملة على إمدادات المياه ونوعيتها، واستهلاك الطاقة واستخدام الموارد الطبيعية، والأنظمة والتجمعات السكانية الساحلية، وموائل الحياة الفطرية، وإنتاج الغذاء ومتطلبات الري، وصحة الإنسان، وغيرها من الأمور الحيوية للإنسان والحيوان والنبات».
وقال: «تحذّر دراسات نماذج محاكاة المناخ العالمية من أنه ما لم يجرِ تقليل انبعاثات غازات الدفيئة في العالم بشكل حاد وكبير في الفترة الحالية؛ فمن المتوقع أن يرتفع متوسط درجة حرارة سطح الكرة الأرضية من 1.8 إلى 4 درجات مئوية مع بداية القرن المقبل (أي بعد نحو 100 سنة)».
واعتبر زباري أن الزيادة المتوقعة عالية جداً مقارنة بمعدل التغير الطبيعي منذ العصر الجليدي الأخير للكرة الأرضية (100 ألف سنة) البالغ درجتين مئويتين لكل ألف سنة، مضيفاً أنه «لوحظ أن ارتفاع درجات الحرارة الحالي أدى إلى اضطراب التوازن البيئي في العديد من البيئات القارية والبحرية على السواء، حيث إنه من المتوقع أن يؤدي قصر فترة الشتاء إلى العديد من التأثيرات على الحياة الفطرية ومواطنها ومواعيد هجرتها وتكاثرها.
أما بالنسبة للبيئة البحرية، فيهدد ارتفاع درجة الحرارة وظائف الشُّعب المرجانية الحيوية للثروة السمكية، ويؤدي إلى ابيضاضها (خسارة أنسجة الشعب المرجانية للطحالب والكائنات الدقيقة الرئيسية التي تزودها بالغذاء وتحول لونها إلى الأبيض)، كما لوحظ التأثير المباشر لارتفاع درجة الحرارة على الشعب المرجانية الواقعة في شمال شرق أستراليا Great Barrier Reef، الذي تم اعتباره مؤشراً واضحاً لبدء التأثيرات المدمرة لظاهرة ارتفاع درجة الحرارة على الثروة البحرية».
وتشير آخر الدراسات في هذا المجال إلى أن الإشارات الأولى لهذه الظاهرة في تزايد مستمر، فبعد العام 1998 (العام الأكثر سخونة في التاريخ الحديث للكرة الأرضية) أتى العام 2005 في المرتبة الثانية في ارتفاع معدلات درجة الحرارة، كما شهد هذا العام تقلبات مناخية كارثية في معظم أنحاء العالم تمثلت في حالات جفاف وأعاصير وتساقط ثلوج كثيفة وفيضانات لم يشهدها العالم من قبل بهذه الحدة، ووصلت أعدادها إلى أرقام قياسية (41 إعصاراً وعاصفة مطرية شديدة القوة)، رافقها العديد من الوفيات والإصابات ونزوح السكان، بالإضافة إلى خسائر اقتصادية جسيمة (مثل إعصار كاترينا في أميركا الشمالية في أغسطس/ آب 2005).
وتشير الدراسات إلى أن ارتفاع درجة الحرارة سيكون مصحوباً بارتفاع في مستوى سطح محيطات العالم من 18 سنتيمتراً إلى 60 سنتيمتراً (اعتماداً على توقعات ارتفاع درجة الحرارة أعلاه)، وذلك لذوبان الجليد وتمدد مياه المحيطات بسبب ارتفاع درجة الحرارة، علماً أن هذه التوقعات لا تأخذ في الاعتبار الذوبان المتسارع المحتمل للجليد.
وتدل دراسات المراقبة للقطب الشمالي في العقود الماضية على أن تناقص مساحة القطب الشمالي يحدث بمعدل 9 في المئة كل 10 سنوات، ويتنبأ البعض أنه بنهاية هذا القرن سيكون القطب الشمالي خالياً من الجليد في موسم الصيف.
وإذا نظرنا إلى المعدلات السابقة لارتفاع مستوى سطح البحر سنجد أن القرن العشرين الماضي شهد ارتفاعاً لمستوى سطح البحر بمتوسط يبلغ 1.5 مليمتراً في العام، وهو 10 أضعاف المعدل الذي حدث في الثلاثة آلاف سنة الماضية، ومن المتوقع أن يزداد هذا المعدل بشكل أكثر حدة في الفترة المقبلة بسبب ظاهرة تغير المناخ، ومن المتوقع أن يكون لهذا الارتفاع لمستوى سطح البحر تأثيرات كبيرة على المناطق الساحلية والتجمعات السكانية الواقعة بالقرب منها.
أما عن تأثير هذه الظاهرة على البحرين، قال وليد زباري: «ستكون كبيرة وستحمل هذه الظاهرة العديد من التحديات المستقبلية للبحرين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية».
وأضاف «بالرغم من انخفاض مساهمة البحرين في انبعاثات غازات الدفيئة، حيث لا تتعدى هذه النسبة 0.1 في المئة من الانبعاثات الكلية العالمية (تأتي الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة الأولى بنسبة 27 في المئة، تليها الصين والهند وأوروبا)؛ فإنها تعتبر من أكثر دول العالم تضرراً من هذه الظاهرة، وذلك بسبب طبيعتها الجغرافية بوصفها دولة جزيرية صغيرة محدودة المساحة والموارد الطبيعية والمائية، وتتميز بانخفاض مستواها عن سطح البحر، بالإضافة إلى وقوعها أصلاً في منطقة جافة تتميز بهشاشة بيئاتها وحساسيتها العالية للتغيرات البيئية الحادة. وللأسف، لا يوجد لدى البحرين من خيارات لوقف تأثيرات هذه الظاهرة إلا عن طريق التكيف معها وتخفيف أضرارها المستقبلية المتوقعة».
وقال: «بحسب الدراسات التي قامت بها البحرين من خلال الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية ضمن (الاتفاق الإطاري العالمي بشأن تغير المناخ) بالتعاون مع جامعة الخليج العربي، فإن التأثيرات التي ستترتب على البحرين من هذه الظاهرة ستكون كبيرة جداً وحرجة، حيث يمكن أن يؤدي الارتفاع التدريجي لسطح البحر في فترة المئة سنة المقبلة إلى خسارة ما مساحته من 36 إلى 70 كيلومتراً مربعاً من سواحل البحرين أو ما نسبته من 5- 10 في المئة من المساحة الكلية للبحرين بحسب السيناريوهات الموضوعة لارتفاع مستوى سطح البحر (من ربع متر إلى متر واحد)».
وأضاف «بالإضافة إلى خسارة هذه الأراضي وتقلص مساحة البحرين المحدودة أصلاً؛ فإن غمر مياه البحر لأراضي البحرين سيؤدي إلى تأثيرات وخسائر اجتماعية واقتصادية كبيرة على المناطق السكنية والأراضي الزراعية والبنية التحتية الساحلية، وخصوصاً أن غالبية التجمعات السكانية (80 في المئة) والمنشآت والبنى التحتية متركزة في المناطق الساحلية، مضيفاً «على سبيل المثال، تم تقدير تكلفة خسارة شبكات الطرق الساحلية بسبب هذه الظاهرة بنحو 2- 6 ملايين دينار بحريني، وخسارة ما نسبته من 5 إلى 11 في المئة من المساحات الزراعية، بالإضافة إلى ما سينتج عن ذلك من تدني كفاءة شبكات الصرف الزراعي، وتغدق التربة وزيادة تملحها، وفي النهاية خروجها من دائرة الإنتاج الزراعي وتصحرها».
وقال: «كما ستؤدي هذه الظاهرة إلى تأثيرات سلبية على النظام البيئي الطبيعي، وخصوصاً على المخزون السمكي والشعاب المرجانية، فمن المتوقع أن يسبب ارتفاع درجة الحرارة؛ ابيضاض الشعاب المرجانية وموتها بشكل أكثر تكراراً مما هي عليه الآن، وبالتالي تناقص المخزون السمكي، وسينتج عن ذلك تأثيرات سلبية عديدة على الحالة الاقتصادية والاجتماعية لقطاع الصيادين في البحرين، وعلى مساهمة الثروة البحرية في تأمين الغذاء (البروتي) للبحرين».
وعليه، إذا كانت الأضرار من تغيير المناخ ستشمل العالم برمته، فإن الدول الجزيرية مثل البحرين ستكون أكثر قابلية للتأثر بهذه الظاهرة وأكثر عرضة للمشاكل وعليها الاستنفار والعمل مبكراً على التقليل من آثارها مستقبلاً.
وبحسب زباري؛ فإن التأثير الأكبر المتوقع لظاهرة تغير المناخ هو تأثيرها على الدورة الهيدرولوجية للكرة الأرضية، وتغييرها لأنظمة المناخ العالمي الحالية.
وتشير نماذج محاكاة المناخ العالمي إلى أنه من المتوقع أن يكون المناخ أكثر سخونة، وبالتالي ستزداد معدلات التبخر من أسطح التربة والنباتات، مؤدية إلى زيادة الرطوبة في الجو وزيادة حالات الأمطار الشديدة والأعاصير، وستؤدي بشكل عام إلى تقلبات حادة في الجو تزيد من فترات الفيضانات والجفاف بشكل أكثر حدة مما هي عليه الآن،
كما تشير الدراسات المستقبلية إلى أن ظاهرة تغير المناخ ستكون مسئولة عن 20 في المئة من ندرة المياه المتوقعة في المستقبل، ما سيؤدي إلى زيادة التحديات في إدارة الموارد المائية في جميع مناطق العالم الرطبة منها والجافة.
أما بالنسبة لتأثير الظاهرة على الموارد المائية في البحرين، قال زباري: «من المتوقع أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى العديد من الضغوط على الموارد المائية المحدودة في البحرين، ففي القطاع البلدي سيرتفع الاحتياج الآدمي للمياه، مما سيؤدي إلى تسارع معدلات الطلب البلدي الطبيعي الناتج عن الزيادة السكانية، وبالتالي ستكون هناك حاجة إضافية لبناء محطات التحلية (علاوة على المخطط لها) لسد نقص المياه في هذا القطاع، مؤدياً في النهاية إلى تكاليف اقتصادية وبيئية مستقبلية أكبر من المتوقعة، وتشمل هذه الكلف التكاليف المالية لإنتاج المياه المحلاة وتوصيل وتوزيع المياه البلدية ومن ثم معالجتها؛ والتكاليف البيئية المتمثلة في الانبعاثات الغازية ومياه الرجيع من محطات التحلية المنصرفة للبيئة البحرية، وتكاليف خسارة أصول الموارد الطبيعية المتمثلة في كمية الغاز الطبيعي المطلوب استخدامها لإنتاج المياه المحلاة وتكلفة الفرصة البديلة لها».
أما بشأن القطاع الزراعي، قال زباري: «في القطاع الزراعي، فإن ارتفاع درجات الحرارة سيزيد من احتياجات المحاصيل الزراعية للمياه، وفي ضوء تدني كفاءة شبكات الصرف الزراعي المتوقعة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر ستزداد الحاجة إلى كميات كبيرة من المياه لغسل التربة من الأملاح، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى زيادة الكميات المطلوبة وارتفاع الجهد على الموارد المائية الطبيعية في البحرين.
أما ارتفاع مستوى سطح البحر فسيؤدي إلى زحف الواجهة بين المياه المالحة والمياه الجوفية، وزيادة تدهور نوعية هذه المياه وتملحها وعدم صلاحيتها للاستخدام في معظم مناطق جزيرة البحرين، مضيفاً بذلك ضغطاً آخراً على المياه الطبيعية المحدودة».
أما بشأن التحديات الحالية والمستقبلية التي تواجه مسئولي ومديري المياه في البحرين في سعيهم لحل مشكلات تزويد المياه بالنوعية والكمية المطلوبة والمحافظة عليها من التدهور لضمان استدامتها في ظل المتطلبات المتزايدة عليها بسبب النمو السكاني ومتطلبات الغذاء والتنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ قال زباري: «ستضيف ظاهرة تغير المناخ العالمي تحدياً وجهداً آخر متمثلاً في ازدياد الطلب على المياه عن الحدود الطبيعية من جهة، واستمرار تناقص الكميات المتاحة منها من جهة أخرى».
وأضاف «سيعتمد النجاح في حل هذه المعضلة الصعبة - أو على الأقل التكيف معها ومع تأثيراتها- على الخروج عن النمط التقليدي للإدارة المائية، والتعامل مع ظاهرة تغير المناخ باعتبارها متغيراً إضافياً في عملية التخطيط المائي يضاف إلى متغيرات النمو السكاني ومتطلبات التنمية وأنماط الاستهلاك وتطور تقنيات إنتاج المياه، واعتماد مبادئ ومنهجيات جديدة تأخذ في الاعتبار المخاطر والاحتمالات التي من الممكن أن تنتج عن هذه الظاهرة، وتعديل أهداف الإدارة المائية التقليدية بإضافة هدفٍ آخر يتمحور بشكل عام في تقليل قابلية التأثر والمخاطر للتغيرات المناخية والهيدرولوجية المتوقعة على المجتمع البحريني».
وقال: «سيتطلب ذلك - حتماً- زيادة الإمدادات المائية باستخدام التقنيات المتاحة حالياً (التحلية والمعالجة)، ولكن لابد من إدارة المياه بكفاءة أكبر من الوضع الحالي جانبي العرض (تقليل الفواقد عند التوصيل) والطلب (تقليل الهدر عند الاستخدام)، وتطبيق أدوات الإدارة المائية المختلفة في سبيل إنشاء مجتمع موجِّه مائياً، يمكنه التكيف مع هذه الظاهرة وتخفيف آثارها وأضرارها المستقبلية المتوقعة».
وأضاف «أصبحت ظاهرة تغير المناخ حقيقة علمية، وإشاراتها الأولى في تزايد، ولم تعد مجرد خيال علمي أو إشاعة سياسية يتم استخدامها من قبل مناصري البيئة لتقليل التلوث العالمي الناتج من التوجه الصناعي للدول، ومن أجل هذا، فإن البدء فوراً في التعامل مع هذه الظاهرة عن طريق إدماج تأثيراتها في عملية التخطيط المائي والاستراتيجيات المستقبلية لقطاع المياه أصبح ضرورة لا يمكن تجاوزها في إدارة الموارد المائية في دول المنطقة، وخصوصاً البحرين الأكثر تضرراً منها».
أرسل تعليقك