قد يكون الأوان قد فات على التصدي لحركة «كيو أنون» اليمينية المتطرفة، التي ظهرت قبل أكثر من أربع سنوات، وتمكنت بسرعة قياسية من الاستحواذ على حصة وازنة من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإعلامية الإلكترونية، ولا سيما في الولايات المتحدة.
البعض يقول إن هذه الحركة في طريقها للتحول إلى أحد عناصر المشهد السياسي والاجتماعي الأميركي، كما كانت قبلها حركة «كوكلوس كلان» للمتشددين البيض. إلا أن خبراء يؤكدون أنها قد لا تكون «أميركية»، بمعنى أنها ليست جزءاً من «الفولكلور» الخاص بالولايات المتحدة، بل هي جزء من حركة عالمية أوسع. وحقاً، تشهد الحركات والجماعات اليمينية المتشددة ذات الآيديولوجية العنصرية رواجاً وانتشاراً في العديد من الديمقراطيات الغربية، وهو ما قد يكسبها بعدا أعمق وأخطر في إعادة تشكيل الانتماء الحزبي، في الولايات المتحدة، وهيمنة التطرف على دفتي الصراع يميناً ويساراً.
يرى متابعون لأنشطة تلك الحركة على وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من الجماعات المؤيدة للرئيس السابق دونالد ترمب، أنها تمكنت من تمويه نفسها إعلامياً، وأخفى عناصرها ومؤيدوها انتماءاتهم. وبعدما نشطت هذه الجماعات في الترويج لنظرية «المؤامرة» التي تعرض لها ترمب، وسرقة الانتخابات الرئاسية منه، فإنها برزت أيضاً بترويج الشائعات المناهضة للقاح المضاد لفيروس كوفيد - 19. في الآونة الأخيرة، نجح بعض أفرادها في تنظيم أنفسهم عبر الاستعانة بصور وشعارات خاصة، تعرف عنهم، كإضافة رموز معينة إلى جانب اسم المنتمي للحركة، بينها على سبيل المثال 3 نجوم، في إشارة إلى نجوم الجنرال السابق مايكل فلين الثلاثة، أحد أبرز مؤيديها ومشجعيها.
قد يعتقد البعض أن حضور «كيو أنون» تراجع على وسائل التواصل الاجتماعي، منذ حظر حسابات ترمب. بيد أن الواقع يشير إلى أمر مختلف كلياً. إذ حذر مسؤولو الاستخبارات الفيدرالية أخيراً من أن أتباعها قد يرتكبون المزيد من العنف، كالتمرد الدموي الذي حصل في مبنى الكابيتول يوم 6 يناير (كانون الثاني) الماضي. ويؤكد هؤلاء أنه منذ أن أقدم رجل أطلق على نفسه اسم «كيو»، قبل أربع سنوات، على نشر رسائل غامضة على صفحات التواصل الاجتماعي، شهدت الحركة نمواً كبيراً.
وبينما يعتقد على نطاق واسع أن الأمر يرجع جزئياً إلى أن «كيو أنون» تضم الآن توليفة متنوعة من مروجي «نظريات المؤامرة»، تعترف العديد من منصات التواصل الاجتماعي بصعوبة التعامل مع هذه الزمر من المروجين التي تحمل عقلية متغيرة مجهولة الهوية وشائعة بشكل متزايد، الأمر الذي لم تعهده سابقا مع جماعات وحركات، يمينية كانت أو يسارية. فحركة «كيو أنون» تمكنت من نشر مروحة واسعة من الأفكار، استهدفت شرائح مختلفة من الناس، شملت: التحريض الديني والدفاع عن «الإنجيلية الجديدة المتطرفة»، وترويج مزاعم الاعتداء الجنسي على الأطفال في هوليوود، وسرقة الانتخابات من ترمب، وأخيراً مزاعم «اللقاحات التي تستهدف التجسس على الملقحين». وبحسب ماكس ريزوتو، أحد الباحثين في «المجلس الأطلسي» (ذي آتلانتيك كاونسل) فإن هذه الآيديولوجيات «رسخت مكانتها، وهي الآن جزء من الفولكلور الأميركي، ولا أعتقد أننا سنراها تختفي أبدا».
من ناحية أخرى، تجمع وسائل التواصل الاجتماعي والمؤسسات الإعلامية الأميركية الرئيسة، أن حضور الحركة على الإنترنت، بات ضئيلا. غير أن خبراء يشيرون إلى أن عمليات دمج قد حصلت ولا تزال متسترة، وراء أسماء مستعارة أو وهمية من رموز خاصة، مستبعدة استخدام أي تعابير مستفزة أو مخالفة لسياسات المواقع الاجتماعية التي حذفت عشرات، بل مئات الألوف من الحسابات التحريضية، بحسب بياناتها.
وتتحدث مواقع مختصة في مراقبة ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقدير عدد المتابعين لتلك المنشورات، بأن «كيو أنون» وغيرها من الجماعات والحركات المتطرفة، باتت تستعيض عن المواضيع التي تحرض عليها، بنشر روابط لمقالات ومنشورات يمينية لا تخالف قواعد الرقابة التي تفرضها مواقع التواصل الاجتماعي على الأقل، ومقاطع مصورة للصحافي تاكر كارلسون الأكثر شهرة الآن على محطة «فوكس نيوز، ولمحطة «نيوز ماكس». وتتراوح المواضيع من الحديث عن الجريمة المتفشية وتزوير الانتخابات والحرب المزعومة على المحافظين، إلى الحديث عن الاقتصاد والتضخم وانتقاد الإدارة الأميركية الجديدة، في كل شاردة وواردة...
وبينما تؤكد تلك المواقع تراجع حضور «كيو أنون» على الصفحات الإلكترونية، تشير إلى أن أسباباً عدة تقف وراء ذلك. وتضيف أنه رغم وطأة وجسامة تأثير خسارة ترمب للانتخابات وتراجع حضوره الإعلامي، وبالتالي تراجع حضوره ومتابعته من قبل أفراد «كيو أنون»، فإن العامل الأبرز هو الحظر الذي فرضته أخيراً شركات التواصل الاجتماعي العملاقة، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» على المحتويات المتطرفة.
«فيسبوك» أعلنت أنها أزالت أكثر من 3 آلاف صفحة وأكثر من 10 آلاف مجموعة وأكثر من 500 حدث وأكثر من 18 ألف ملف شخصي وأكثر من 27 ألف حساب على «إنستغرام» لانتهاكها سياساتها من قبل جماعة «كيو أنون». ومن جهته يقول موقع «تويتر» إنه يتخذ باستمرار إجراءات ضد النشاط الذي قد يؤدي إلى ضرر غير متصل بالإنترنت. وكان «تويتر» قد ذكر بعد مهاجمة موالين لترمب مبنى الكابيتول في 6 يناير الماضي، أنه أوقف بشكل دائم نحو 150 ألف حساب، قال إنها مخصصة بشكل أساسي لمشاركة منشورات «كيو أنون». وأكد أن إجراءاته ومتابعاته للنشاطات التي تجري على منصتها تتطور باستمرار.
مع هذا، - كما سبقت الإشارة - هناك ما يشبه الإجماع على أن تلك الجماعات والحركات باتت قادرة على التخفي والاختفاء وراء «شبكة مظلمة» توفرها الإنترنت، وتمكنها من التواصل مع مريديها ومؤيديها، ولعب دور كبير في التأثير على الرأي العام الأميركي. وعلى سبيل المثال، يحمل البعض ما تنشره تلك الجماعات من معلومات مضللة، جانباً من المسؤولية عن تراجع التطعيم في الولايات المتحدة، خصوصاً في الولايات «الحمراء» التي تدين بالولاء للجمهوريين والمحافظين، بعدما كان سجل اندفاعة قوية في ولايات أخرى. وكان لافتاً أخيراً أخذ مسؤولين جمهوريين كبار في مجلسي الشيوخ والنواب، اللقاح علنا أمام وسائل الإعلام، ودعوة الأميركيين وجمهورهم بشكل خاص، لأخذه بعدما سجلت البلاد تزايداً كبيراً في عدد الإصابات والوفيات، جراء المتحور «دلتا» الذي ينتشر خصوصاً في الولايات المحدودة التطعيم.
قد يهمك أيضا
دراسة تكشف سبب حاجة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي لـ"اللايك" و"الشير"
اختفاء الإعلامية نهى نبيل في "ظروف غامضة" وجدل على وسائل التواصل الاجتماعي
أرسل تعليقك