القيادة تتطلب مهارة وعلما وخبرة وشخصية مميزة، وهذه الصفات لا يتمتع بها الجميع، هي موجودة لدى الرجال والنساء، لكن الشائع أن الرجال فقط يمكنهم قيادة شركة أو حزب أو بلد.أما الواقع فيؤكد أن المرأة وعبر الأجيال وفي بلدان عدة، تمكنت من إحداث فرق عبر مواقع عالية شغلتها. أما في الاقتصاد فالأمر سيان، إذ ان الأرقام ليست حكرا في فهمها على النساء. وفي لبنان بالذات أمثلة كثيرة تثبت ذلك اخترنا منها ثلاثة. سيدات برعن في البداية وبرعن في مراكز عليا، في القطاع الخاص كما في القطاع العام. فكيف كانت تجربتهن في مراكز قيادية؟ كيف أثبتن جدارتهن في مجتمع ذكوري؟ وهل المنافسة أشرس في وجه المرأة؟ وما الثمن الذي تدفعه بغيابها عن الدور الأساسي المعروف لها في المجتمع التقليدي، ألا وهو بيتها وعائلتها؟
بساط
أول سيدة كان لنا حديث معها، هي رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي منذ العام 2000، حصلت على أوسمة عدة أبرزها وسام الشرف الفرنسي من رتبة فارس لعملها على تعزيز العلاقات اللبنانية الفرنسية، عملت في القطاع الخاص وفي وكالات الأمم المتحدة (UNDP وESCWA)، عضو مؤسس في شبكة معاهد ومراكز التدريب الحكومية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وهي داعمة لدور المرأة ومواهبها، هي لمياء المبيض بساط.
عن تجربتها في القطاعين العام والخاص والعراقيل التي واجهتها كالمنافسة أو عدم تقبلها من الآخرين في مركز قيادي كونها امرأة، قالت: "كان لي تجربتان، واحدة في القطاع الخاص وفي الأمم المتحدة وأخرى في القطاع العام، فالتمييز كان في القطاع الخاص وفي الأمم المتحدة. أما في القطاع العام فلم أشعر بالاختلاف، ربما لأن ما يميز هذا القطاع هو أن القوانين تسمح للمرأة بأن تكون في المرتبة نفسها مع الرجل والصلاحيات نفسها. يبقى الدور الذي تلعبه شخصية المرأة فلا تقف عند عقدة الجندرة لأن الممارسة تأتي من لاوعي الآخر. هذا الأمر يشبه قليلا موضوع الطائفية الذي يمكن تجاوزه. إذا كان لدينا الوعي الكافي، يمكننا تجاوز موضوع الجندرة حتى لو كانت أمامنا، علينا أن نتجاهلها عن وعي كامل وهذا ما يؤدي الى زوالها بالكامل. هذا الأمر اختبرته، فحين تجاهلت موضوع التمييز وتصرفت على أساس انني موظفة أخدم هذا الوطن وهذا الشعب لم يعد لفرق الجندرة أي معنى لدي. وهذا يقتضي وجود ما يكفي من المهنية وقوة الاخلاق والحصانة الداخلية وما يكفي من المعرفة التامة بجذور هذا المفهوم وعمقه في لاوعي الآخرين كي يتم التعاطي معه".
وعن المجهود الشخصي الذي يجب على المرأة تقديمه كي تبرز نفسها، والتشكيك بقدراتها أحيانا، اعتبرت بساط أن "هناك مجهودا مطلوبا من المرأة والرجل، لكن في القطاع العام الرجل مجبر على أن يتعامل مع المرأة كونها مسؤولة وهنا تختفي الحواجز الجندرية بسهولة أكثر. أما التشكيك بقدرات المرأة فموجود في كل الوظائف".
وقالت: "من خلال تجربتي لا أرى أن هذا الحاجز موجود في القطاع العام. والسبب أن المنافسة أشد في القطاع الخاص وسلب الصلاحيات وتأثير المجتمع أكثر بكثير ولأن المهام والوظائف ومساحة العمل غير محددة بالشكل الذي هي محددة فيه في القطاع العام".
وعن بعد الاعلام عن استضافة السيدات في مواضيع اقتصادية، قالت: "نحتاج الى الكثير من العمل مع الاعلام لتغيير طريقة التعاطي، ولكن المشكلة ليست فقط في الاعلام بل في كل المجالات ومنها في اختيار الأشخاص للمناصب. هناك كسل في المجتمع إذ انه يأخذ ما هو متاح أمامه. وبما أن المرأة بطبيعتها أمامها مسؤوليات تجاه أهلها أو تجاه عائلتها إن كانت متزوجة، وهذه المسؤوليات ليست على عاتق الرجل، لذلك لا تجد الوقت الكافي للعلاقات العامة وغير ذلك. لهذا السبب تتعامل الصحافة مع المتوفر. وهناك بعض الكسل لجهة البحث عن أشخاص يقدمون رأيا مختلفا الى جانب قلة وعي أهمية هذا الرأي الآخر، فالبعض لا يعتبر أنه يمكن للمرأة أن تقدم وجهة نظر أو ادراكا مختلفا عن الرجل في حين أثبت في العالم بأن للمرأة مقاربة تختلف عن المقاربة التي يراها الرجل".
وتابعت: "هناك مسؤولية أمام الجيل الجديد لكي يرى أن المرأة موجودة في الحياة العامة وفاعلة وشريكة. علينا تربية أبنائنا على احترام قدرات المرأة خصوصا في هذا الزمن الذي تقع النساء فيه ضحية العنف غير المسبوق في الحروب الجديدة: عنف جسدي ونفسي واستغلال جنسي وبيع واتجار... وهذا يأتي من خلفية عدم احترام فظيع للمرأة. حتى عندما نعمل على تظهير صورة محترمة للمرأة، نثبت في عقول ابنائنا وشبابنا أنها عضو فاعل وليست سلعة أو ليست الصورة التي يرونها. هناك ضرورة لتصحيح هذه الصورة بمفاهيم مختلفة".
لكن ما هو الثمن الذي تدفعه المرأة لتكون في مركز قيادي لا يمكن للرجل ان يدفعه عندما يكون في مركز قيادي؟ قالت بساط: "لا يمكننا إنكار أن للمرأة دورا أساسيا في البيت أكثر من الرجل. هذه هي الطبيعة الانسانية وهذا ما يميزها ويجب ألا تنكر هذا الأمر. ومن الصعب عليها ارساء توازن بين العائلة والعمل ونفسها وبين طموحها، ولكن ذلك ليس صعبا عليها بقدر ما هو صعب على الرجل. يمكنها ارساء هذا التوازن فقط عندما تدرك بقدرتها على ذلك وعدم رفض التعايش مع هذه الحال ويمكنها إيجاد الحلول إذ ان المرأة واسعة الحيلة بالفطرة ويمكنها عبر حنانها أن تجد حلولا كثيرة إذا كانت قابلة بدورها وإذا كانت مرتاحة مع نفسها. وعليها أن تكون دائما سباقة لأن تكون هي العمود الفقري للعائلة ولكن هذا لا يعني أن تأخذ كل المسؤولية على عاتقها وهذا هو الخطأ الكبير الذي ترتكبه المرأة العاملة، بأنها تأخذ على عاتقها كل المسؤولية في حين عليها ارساء التوازن بين مسؤولياتها العائلية وعملها وهذا يقتضي بأن تتشارك في مسؤولياتها مع الرجل وعليها أن تلزمه، بسلاستها ولطفها وانوثتها، بأن يدرك ما تعيشه ويشاركها في طموحاتها ليصبح شريكا في مسؤوليات العائلة معها وهذه هي اللعبة الأصعب لأن الرجل الشرقي بالإجمال ليس محضرا ذهنيا ونفسيا وعقليا لهذه الشراكة بل هو محضر لتكون المرأة ربة منزل فقط، ومن هنا الصعوبة لدى العائلات المعاصرة من جيلنا ليقبل الرجل هذا الموضوع".
أضافت: "الصعوبات الاقتصادية تساعد على حل هذه المعضلة ويقال ان رب ضارة نافعة كما حصل في بلدان اخرى، لكن يمكن أن يأتي الحل مؤلما وصعبا ويمكن أن يأتي بطريقة مدروسة. علينا اليوم أن نحضر ابناءنا الذكور ليقوموا بمسؤوليات منزلية كالجلي ونشر الغسيل وهذه أعمال يقوم بها كل رجل يحب زوجته. علينا أن ننزع هذه المحرمات من عقولهم. وهذا الدور يقع على عاتق المرأة لتحضر الجيل الجديد لكل هذه الأمور، وعليها أن تحترم المرأة وأنا أجزم أن أكثر الصعوبات التي واجهتها في حياتي أتت من مواجهة مع إمرأة".
البلعة
السيدة الثانية التي قابلناها هي من النساء القلائل في هذا المجال. لمع اسمها في الصفحة الاقتصادية في جريدة "النهار"، لتؤسس بعد ذلك مع زوجها شركة "فرست بروتوكول" التي تعنى بتنظيم المؤتمرات والمعارض، ثم تؤسس موقع وتطبيق AEN المتخصصين بأخبار الاقتصاد والمال، الى جانب إطلاق الجوائز الاقتصادية والاجتماعية للشركات والمؤسسات والأشخاص. إنها الاعلامية والمرشحة الى الانتخابات النيابية فيوليت غزال البلعة، التي حدثتنا عن بداياتها في المهنة وحذر الآخرين في التعامل معها، وقالت: "طبيعة عملي في الصحافة الاقتصادية يجعل الآخرين يتعاملون معي بحذر في بعض الأوقات خصوصا عندما كنت بعمر الثلاثين حين كنت أتمنى لو كان عمري خمسين لكي اعطي انطباعا مختلفا خلال مناقشتي المواضيع الاقتصادية. لكن اليوم مع الخبرة ومع التجارب المتراكمة اصبح هناك سهولة أكثر في التعاطي".
أضافت: "لكن ليس سهلا في مجتمع رجال الأعمال التعامل مع امرأة في موقع قيادي في موضوع اقتصادي ويتعلق بالأرقام، ويعتبرون انه ربما يفوق قدرتها على الاستيعاب في حين ربما يكون دماغ المرأة أذكى وأكثر قدرة على التركيز من دماغ الرجل. هذه نقاط يقع فيها المجتمع لأنه لا يزال مجتمعا ذكوريا فيتعامل معها بحذر وخصوصا في تجاربها الأولى".
وعن التشكيك بقدرتها وكيف تمكنت من إثبات نفسها وسط هذه التحديات، شرحت البلعة: "خلال تجربتي، لم يحصل تشكيك في قدراتي ربما لأن مجتمع الأعمال رافقني درجة درجة. لم ير أنني كنت في موقع عادي وقمت بقفزة كبرى فجأة واصبحت في موقع قيادي، بل انا تقدمت درجة درجة ورافقوني في كل هذه المراحل لذلك لم أشكل لهم صدمة. على العكس، من تعاملت معهم عرفوا عني كصحافية اقتصادية مميزة وساعدوني. وهذه علامة فارقة لا تحصل مع أي شخص، لكن ذلك لاحظته على مدى سنوات طويلة ومع اشخاص كثر من الاقتصاديين ورجال الأعمال. لأن الصحافة الاقتصادية تحتاج الى أن يكون الصحافي حذرا، أكان امرأة ام رجلا، عندما يتلقى المعلومة ويشرحها للقارىء أو للمستمع. الحذر والتركيز عنصران مهمان في الصحافة الاقتصادية وليس عند من يعطي المعلومة. والصحافة الاقتصادية تتطلب قوة تركيز وقوة منطق وقلما جيدا. ثلاثة عناصر تساعد الصحافي الاقتصادي لأن يستوعب اي معلومة او نظرية او نقاش اقتصادي ويعلم كيف ينقلها بكل بساطة وبشكل صحيح للقارىء او المستمع. أحيانا يخطىء الضيف او من نجري معه المقابلة بمعلومة معينة لأنه يملك الكثير من المعلومات فيقول امورا لا تكون في مكانها، فعندما يكون الصحافي الاقتصادي مركزا وواعيا ولديه قوة منطق يستطيع ان يلتقط اي ثغرة او اي خطأ".
أضافت: "بما انني اتحلى بهذه الأمور، بالإضافة الى قلمي الجيد، يحصل احيانا ان اجري مقابلة مع احد لا خبرة لديه في الأحاديث الصحافية فيفاجأ بأنه تحدث بهذا الشكل عندما يقرأ نص المقابلة. وربما هذا ما جعل الكثيرين يساعدونني في إبراز نفسي، فعندما يقرأ نصا جيدا ويستمتع به ينصح شخصا آخر بإعطائي مقابلة أو معلومة ما لأنني أحافظ على دقة المعلومة وصحتها ونقلتها بشكل جيد وسلس، وخصوصا ان الاقتصاد مادة جافة تحتاج الى القليل من السلاسة والقليل من الأنسنة لكي تصل الى كل الناس".
وقالت: "عندما أتحدث عن الصحافة الاقتصادية لا أميز بين رجل وامرأة لأن الاقتصاد علم. ودماغ الانسان الذي يتحلى بقوة المنطق والتركيز ولغة سليمة وجذابة يمكن ان يكون موجودا عند المرأة كما عند الرجل".
وأردفت: "ذكرني هذا الموضوع ببداياتي في العمل الصحافي الاقتصادي عندما كنت اتحدى نفسي وأنا شخص يحب التحدي، فكنت اشعر عندما كنت اجري مقابلة مع وزير او شخصية اخرى انه كان يقول: ماذا ستستوعب من حديثي عن ارقام الموازنة فهي بالنتيجة امرأة! حتى انني واجهت مواقف عدة كنت اقول فيها لمن اقابله: عندما ستعطيني معلومة، كن على يقين انها ستصل أفضل مما توصلها انت وليس فقط افضل من اي صحافي اقتصادي آخر.
وحصل معي امر ايضا ان احد الأشخاص وعدني بسبق صحافي يتعلق بالموازنة اكتشفت انه اعطى المعلومة لشخص آخر. فعندما قابلته قلت له: إذا كنت لم تعطني المعلومة لأنني امرأة فأنت على خطأ لأن دماغي يتسع لمعلومات أكثر من دماغك ومن دماغ من أعطيته المعلومة ويمكنك ان تجربني بمعلومة أكبر وأوسع وأكثر دقة. كل هذه الأمور حفزتني لأثبت نفسي أكثر في المهنة".
البلعة القريبة من الاعلام عزت سبب تفضيل الاعلام استضافة ذكور في المقابلات الاقتصادية، الى "المجتمع الذكوري الذي ينظر الى الرجل على انه ذات قيمة اكبر وأن له آراء قيمة اكثر ولديه تركيزا اقوى". وقالت: "التقصير ايضا من الجانب الصحافي لأن الصحافيات الاقتصاديات لا يفرضن نفسهن. وربما تكون قد حصلت محاولات بدعوة احداهن ولم تلب الدعوة، ربما بسبب عدم تمكنهم في التطرق الى مواضيع عدة ومتنوعة، فالمقابلة الاعلامية تكون أحيانا لساعة مباشرة على الهواء أو حتى ساعتين. نرى ايضا ان المتخصصين في الصحافة الاقتصادية ومن لديهم المثابرة والخبرة هم قلة لذلك التقصير من الجانبين. لكن الاعلام جيد، وجميل أن نقدم صورة جديدة فأنا أفرح عندما يقول لي أحد شاهدناك اليوم على احدى المحطات التلفزيونية وانت امرأة تتحدثين في الاقتصاد فهذا أمر يرفع الرأس، وتابعنا المقابلة بسرور لأنك قدمت الموضوع إلينا بكل بساطة. إعطاء صورة جيدة عن المرأة ونموذج لها في المجتمع اللبناني أمر جميل إذ انها في مواقع لا يضعها المجتمع فيه.
أحيانا هذا المجمع بإعطائه الأدوار، يسلب من المرأة ما تبرع به وما يجب أن تقوم به لأنه مجتمع ذكوري وفقط لأنها إمرأة. هناك حواجز كثيرة لكن يمكن فعل الكثير من دون أن نخدش حياء مجتمعنا ولا عاداته أو تقاليده".
وعن المنافسة، تقول: "المنافسة تلعب دورا كبيرا لكنها لا تفرق بين امرأة ورجل. تعرضت لمنافسة من الرجل ومن المرأة. الرجل حاربني جدا وكان في موقع كبير. وكنت وقتها أضحك في نفسي وأقول: لا عمري ولا خبرتي المهنية يسمحان لي بمقارنة نفسي بأحد بسبب المسافة الكبيرة الموجودة بيننا. فهذا الرجل كان وهو مسؤول أعلى مستوى مني، قادرا بأن يحد من نشاطي وطموحي وانفلاشي في المهنة. أما من النساء، فتعرضت لمنافسة وحسد ونميمة، إذ انهن اعتبرن انني اسبقهن بأشواط واعتبرن ان علي أن اخفف أنا من سرعتي في حين كنت ادعوهن لكي يسرعن من تقدمهن. وقلت لإحداهن: عوضا من أن تنزعجي مني لأنني أسرع واعمل كثيرا وأعطي كثيرا، يجب أن تلحقي بي وأن أشكل عامل تشجيع لك لكي تتقدمي لا أن تنافسيني لكي أعود الى الوراء. كانت المنافسة بشعة خصوصا أن المهنة تشرع استعمال كل الأساليب. وأنا أنزعج جدا من موضوع المنافسة لأنني أعتبر أن لكل انسان لونه وشخصيته وأسلوبه. والاعلام كالبستان يعطي ثمارا كثيرة والمستهلك يختار الثمرة التي يريد. أنا اتفادى المنافسة كثيرا ولا أتركها تعطل عملي".
ولكن ماذا عن الثمن الذي تدفعه المرأة لتتقدم في مراكز قيادية؟ تجيب: "لأن المرأة بطبيعتها ام وربة منزل وزوجة، هي تقصر في منزلها عندما تكون في مسؤوليتها المهنية. وإذا كان زوجها يساعدها فتتمكن عندها من العطاء في مهنتها، هذا إن كنا نتحدث عن امرأة تحب مهنتها وموهوبة فيها ولكن ذلك يكون على حساب المنزل والأولاد. حتى لو لم يقل لها أحد أنها ضحت بالبيت من أجل عملها وهذا أمر تشعر به بينها وبين نفسها، وبأنها ضيعت على نفسها مراحل مهمة جدا من عمر أولادها لم تكن خلالها الى جانبهم وبأنها ليست أما كاملة. لكن لا يمكن لامرأة أن تكون أما كاملة وامرأة عاملة ناجحة. ولأنني اخترت المهنة واحببتها سمحت لي ظروفي العائلية وحفزتني لكي أعمل، أعطيت المهنة أكثر مما أعطيت منزلي. وللمصادفة فإن زوجي يقدرني ويحبني وهو طموح ويشجعني وليس فقط يساعدني في مسسؤوليات المنزل ويكتفي بل على العكس، يدفع بي لأذهب الى أبعد ما أنا عليه. وللمصادفة أيضا أن أمي كانت معي وساعدتني خصوصا في تغطية حنان الأم. علما أنني لم أغب كليا عن أولادي وكنت أحاول دائما أو أعوض لهم. فبالنتيجة، المهم أن يكون لدى الأولاد أما صالحة وجيدة ولها موقعها في المجتمع، وأما عاملة تساعد شريكها بإدارة المنزل ماديا".
وختمت، متحدثة عن الصورة التي أعطتها لابنيها عن المرأة: "تربيتي كانت حذرة مع ولديّ وقد أصبحا شابين. أردت أن أعطيهما العاطفة بعقلانية لكي أحافظ على شخصيتهما وقد طبع برأسهما صورة المرأة الناجحة. كانا يشعران بحضوري من دون أن يفكرا بما كان يجب أن أعطيه أو الى أي مدى، لأنه لم يكن ينقصهما شيء. اليوم أشعر بأنهما فخوران بي وأنهما لا ينظران اليوم الى المرأة في الشكل فقط بل ينظران الى المرأة كفكر أيضا، لأنني طبعت فيهما بصورة غير مباشرة موضوع الفكر، وأن يختاروا امرأة عاملة ومفكرة لها موقعها ووزنها. أتمنى أن أكون أثرت فيهما إيجابا لا سلبا".
هايتيان
السيدة الثالثة التي تحدثنا إليها، تعتبر فريدة ووحيدة في لبنان وربما في الشرق الأوسط في مجال عملها كامرأة. إسمها برز عندما كثر الحديث عن استكشاف النفط والغاز في لبنان: إنها الخبيرة النفطية لوري هايتيان وهي مرشحة للانتخابات النيابية.
عن العراقيل التي واجهتها والمنافسة في المراكز التي تبوأتها، قالت هايتيان: "أول مرة أحسست ان هناك تمييزا من ناحيتي لأنني امرأة كان تمييزا ايجابيا إذ ذهبت في فترة ما بين 2005 و2006 لأقدم دورة تدريبية لمجموعة من العراقيين على موضوع بناء السلام، بعد التغيير السياسي الذي حصل في البلاد لإعادة تكوين المجتمع المدني ونقلوا إلي موقفهم مني كامرأة خصوصا انهم خضعوا لدورات تدريبية مع رجال وعبروا لي عن الفرق في التعاطي قائلين ان الرجال لم يتمتعوا بالسلاسة نفسها ولم يكونوا بالقدر نفسه من التجاوب. وأنا تفاجأت من رد الفعل هذا. ولكن أقول دائما انني أبدأ من منطلق أني انسانة. ولا أحب أن أفكر أنه بسبب كوني امرأة ربما هناك أمور ستحدني وتحد من طموحي. وهذا جعلني أتعامل مع الآخرين من المنطلق الانساني ومن منطلق قدراتي وليس من منطلق انني امرأة. وهذا ساعدني على عدم توقفي عند بعض الأمور التي يمكن أن تحدث فلا أفكر مثلا أن فلانا كلمني بطريقة أو بأخرى لكوني امرأة".
أضافت: "الرجل في المجتمع الذكوري يعتبر انه من الأسهل أن يستخف بالمرأة وبأن عليها أن تسكت وأن تخضع.لكن عندما تقف المرأة في وجهه وتثبت انها تعلم ما تقول وأنها مقتنعة بما تقوم به من عمل، فيفهم عندئذ نوعية العمل الذي تقوم به وهنا يتم تخطي موضوع التعاطي مع المرأة الى التعاطي مع الفكر.كوني امرأة، اعتقد أن علي أن أكون متمكنة مما أقوم به بشكل كامل وفي جهوزية كاملة لأي ملف أعمل عليه. وهذا جعلني ابرز في مواقع عدة حيث يعلم الجميع انني اتحلى بالجدية والمهنية وبالتالي جعلني أتفوق في المنافسة".
أما عن التشكيك بمهارات المرأة فقالت: "يشكك كثيرون بمهارات المرأة ويتهمونها بأنها وصلت بسبب زوجها أو بسبب علاقاتها بالمدير مثلا أو بغيره، لكن تحت الاختبار تظهر الصورة الحقيقية لأي امرأة، وهذا ما كان يحصل معي، ففي كل اختبار كنت ابرز مهاراتي ويكتشف من أعمل معهم شخصيتي وقدراتي ويتخطون كل ذلك. وأنا أعمل باستمرار لأطور قدراتي ولم أتوقف يوما عن ذلك بسبب انني اصبحت مديرة مثلا بل أسعى دائما الى التقدم. واعتقد أن نجاحي يحملني مسؤولية صورة المرأة بشكل عام، فإذا نجحت أنا اقدم صورة عن المرأة الناجحة واذا فشلت وكأنني أضر بكل النساء. ولا اعلم إن كان الرجال يشعرون بهذا الحمل ايضا. واليوم مع ازدياد حملات المطالبة بدور أكبر للمرأة في السياسة لا سيما في الانتخابات النيابية شعرت بهذه المسؤولية وأعتبر أنني إذا نجحت سأفتح الباب امام سيدات أخريات. فلم لا تدخل المرأة العمل السياسي كما تدخل الى مهنة الطب مثلا؟".
وشرحت هايتيان كيف أصبحت قريبة من الاعلام قائلة: "لا شك ان موضوع النفط والغاز موضوع جديد في لبنان وهناك قلة من الخبراء في هذا المجال. وبما ان لبنان صغير، فإن مشاركتي في مؤتمر واحد مكنت عددا من الصحافيين من التعرف إلي. وبما أن الصحافيين يطلعون على الصحف بالتالي يتعرفون على اسماء الخبراء الموجودين وهذا كله ساعد على تقريبي من الاعلام. لا شك أيضا ان طريقة طرح المواضيع وتفسيرها أمر مهم وهذا يأتي من الخبرات التي اكتسبتها عبر السنين وذلك يجعل من الصحافيين يرتاحون للمقابلة بسبب تبسيطي للأمور لاسيما أن موضوع النفط والغاز هو موضوع معقد ويتضمن تفاصيل لا تتعلق فقط بلبنان. والأمر الآخر والذي يجب ان اذكره هو حملة نساء للسياسة التي اطلقتها جمعية Women in Front التي وضعت برامج لدعم السيدات على البروز. عملت الحملة مع الاعلام لإبراز السيدات وتجاوب الاعلام واستضاف سيدات في برامج صباحية وحتى مسائية. لكن لا ننسى التدخلات السياسية في المحطات والبرامج لجهة من سيظهر في هذا البرنامج أو ذاك، فهناك مصالح ومشاكل في الاعلام ولا يتوقف الأمرعند الخبرة الشخصية والمهارات".
وعن الثمن الذي تدفعه المرأة عندما تصبح في مركز قيادي، إعتبرت أن "هناك حديثا يجب حصوله بين المرأة وزوجها". وقالت: "عندما يقرر رجل ما خوض غمار السياسة لا اعتقد انه يشاور زوجته قبل ذلك، ولكن المرأة تشاوره لأن عليها مسؤوليات في مجتمعنا تجاه عائلتها. ولكن كل ذلك يعود ايضا لنوع العلاقة بين الاثنين، فعندما يكون الزوج متفهما لحاجات زوجته إذا لم تكن تريد أن تقضي كل حياتها في المطبخ فقط لأنها امرأة. أنا ارى ان تنقل الدور العائلي بين المرأة والرجل مهم جدا وهذا يجعل المرأة تنجح بدورها القيادي او عملها العادي. وهذا يعود الى طريقة تربية الرجل. ولي ولدان وأنا اربيهما زارعة فيهما أمورا ستكون لصالح زوجتيهما المستقبليتين. وأعتقد ان الفتاة الطموحة عليها ان تعرف كيف تختار زوجها اذ لا يمكنها أن تتزوج بشخص محافظ"
أرسل تعليقك