بلغ عدد القاصرات المطلقات في الأردن "499" فتاة، ممن تزوجن للمرة الثانية وأعمارهن ما بين 15-18 عامًا، مقابل 27 ذكرًا قاصرًا "مطلق" تزوجوا للمرة الثانية وأعمارهم تتراوح ما بين 15-18 عامًا، وفق الكتاب الإحصائي السنوي لعام 2016 والصادر عن دائرة الإحصاءات العامة.
ووفق الاحصائيات فإن 4539أنثى "مطلقة" تزوجن أيضًا للمرة الثانية وأعمارهن ما بين 19-24 عامًا، مقابل 442 ذكرًا من الفئة العمرية ذاتها، الأمر الذي يدعو للمطالبة بدراسة أسباب الزواج والطلاق المبكران، ووضع الحلول المناسبة حفاظًا على كيان الأسرة وتماسكها، وتعكس هذه الأرقام وجود خلل في أهم أسس تكوين الأسرة السليمة القائمة على الرضا بالزواج، وإستهتار العديد من الأزواج وإستسهالهم للطلاق من دون أسباب مقنعة أو لأسباب لا يمكن تبريرها.
وكانت التعليمات الجديدة لزواج القاصرين والقاصرات في الأردن صدرت بتاريخ 16/7/2017 ونشرت في عدد الجريدة الرسمية رقم 5472 تحت عنوان "تعليمات منح الإذن بالزواج لمن أكمل الخامسة عشرة سنة شمسية من عمره ولم يكمل الثامنة عشرة رقم 1 لعام 2017 صادرة بموجب الفقرة ب من المادة 10 من قانون الأحوال الشخصية رقم 36 لعام 2010"، ويعمل بهذه التعليمات اعتبارًا من 1/8/2017، فيما تلغي تعليمات منح الإذن بالزواج لمن هم دون سن الثامنة عشرة لعام 2011.
وأكدت جمعية المعهد الدولي لتضامن النساء تضامن على موقفها المعارض لزواج القاصرين والقاصرات، ومطالبتها المستمرة في تعديل قانون الأحوال الشخصية وحصر حالات الإذن بزواج من أكمل السادسة عشرة من عمره وتحديدها بدقة، فإنها تأمل الى حين تحقيق ذلك أن تحد التعليمات الجديدة من عدد حالات تزويج الأطفال "الزواج المبكر" والتي جاءت أكثر تفصيلًا من التعليمات السابقة على الرغم من وجود عدد من الملاحظات التي سنوردها لاحقًا.
ونصت المادة 3 من التعليمات على أنه "يجوز للقاضي أن يأذن بزواج من أكمل الخامسة عشرة من عمره ولم يكمل الثامنة عشرة إذا كان في زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة وفقًا لأحكام هذه التعليمات"، بينما نصت التعليمات السابقة وفي مادتها الأولى على أنه " يجوز للقاضي وبموافقة قاضي القضاة أن يأذن بزواج من أكمل الخامسة عشرة...".
وتعتقد "تضامن" بأن منح صلاحيات أوسع للقاضي دون إشتراط موافقة قاضي القضاة "مما يشكل مخالفة قانونية حيث لا يجوز للنظام أن يخالف نص القانون الذي صدر بمقتضاه"، وإن كان بسبب تحديد الشروط التي يجب على القاضي مراعاتها في المواد اللاحقة من هذه التعليمات، فإنها بذلك تكون قد ألغت موضوع الرقابة على قرارات منح الإذن بالزواج للتأكد من أن القاضي تقيد بالشروط، وعلى الرغم من أن التعليمات نصت على ضرورة أن يتم فتح ملف في المحكمة لكل حالة تتضمن البينات والمعززات "المادة 11 من التعليمات"، غير أن التحقق من صحة الإذن بالزواج لن تتم إلا في حال وجود شكوى أو في حال أجري تفتيش دوري على أعمال المحاكم، مما يثير المخاوف من وجود حالات قد يمنح فيها الإذن بالزواج لا تنطبق عليها كامل الشروط الواردة في التعليمات.
أما المادة 4 من التعليمات فنصت على شروط منح الإذن بالزواج حيث جاء فيها "يجب على المحكمة مراعاة ما يلي لغايات منح الإذن بالزواج: 1- أن يكون الخاطب كفؤًا للمخطوبة وفقًا لأحكام المادة 21 من القانون. 2- أن يتحقق القاضي من الرضا والإختيار التامين. 3- أن تتحقق المحكمة من الضرورة التي تقتضيها المصلحة وما تتضمنه من تحقيق منفعة أو درء مفسدة وبما تراه مناسبًا من وسائل التحقق. 4- أن لا يتجاوز فارق السن بين الطرفين الخمسة عشر عامًا. 5- أن لا يكون الخاطب متزوجًا. 6- أن لا يكون الزواج سببًا في الإنقطاع عن التعليم المدرسي. 7- إثبات مقدرة الخاطب على الإنفاق ودفع المهر وتهيئة بيت الزوجية. 8- إبراز وثيقة الفحص الطبي المعتمد."
وتجد "تضامن" بأن التعليمات الجديدة أوجبت على المحكمة مراعاة شروط فارق العمر والتعليم وأن لا يكون الخاطب متزوجًا، على عكس التعليمات القديمة التي نصت على أن "للمحكمة ما أمكن مراعاة هذه الشروط"، ومع ذلك فإن "تضامن" تعتقد بأن 15 عامًا كفارق عمر بين الخاطب والمخطوبة ما زال كبيرًا ويجب أن لا يزيد عن 10 أعوام كحد أقصى، كما أن استخدام مصطلح "وجود مراعاة الشروط" قد تفتح المجال أمام التساهل مع التحقق من توفرها، حيث كان بالإمكان استخدام "يشترط لمنح الإذن بالزواج" حيث يكون عدم توفر أحد هذه الشروط أو أكثر سببًا في عدم منح الإذن بالزواج.
ونصت المادة 5 من التعليمات على " المحكمة التحقق من موافقة الولي الشرعي على منح الإذن وإجراء العقد"، كما نصت المادة 6 على أنه " يجب أن لا يقل مهر المخطوبة عن مهر المثل وعلى أن يحدد ذلك في حجة الإذن"، وتضيف "تضامن" بأن التعليمات السابقة كانت تنص على موافقة الولي مع مراعاة أحكام المواد "17-18-20" من قانون الأحوال الشخصية، والتي تعطي للقاضي حق منح الإذن بالزواج في حال عضل الولي.
وترحب "تضامن" بهذا التعديل حيث كان في ذلكاإستجابة لما طالبت به منذ فترة، حيث تنص المادة 18 من قانون الأحوال الشخصية رقم 36 لعام 2010 على " مع مراعاة المادة 10 من هذا القانون - وهذا النص يناقض الفقرة أ من المادة 10 من القانون الواجب مرعاته-، يأذن القاضي عند الطلب بتزويج البكر التي أتمت الخامسة عشرة سنة شمسية من عمرها من الكفؤ في حال عضل الولي إذا كان كان عضله بلا سبب مشروع".
إن الإذن للقاضي بتزويج البكر من الكفؤ في حال عضل الولي يجب أن يقيد ببلوغها عمر 18 عامًا وليس 15 عامًا، بخاصة إذا كان سبب إمتناع الأب أو الولي عن تزويج البكر كونها لا زالت قاصرة، وإعتبار هذا سببًا مشروعًا لرفض تزويجها ولا يخضع لدعوى عضل الولي.
وجاءت المادة 7 من التعليمات على " المحكمة إفهام المخطوبة حقها في إشتراط أي شرط يتحقق لها به مصلحة وفقًا لأحكام القانون وتضمين أية شروط ترغب بها في حجة الإذن عند إصدارها، وتنوه "تضامن" بأن الكثير من النساء والفتيات لا يعرفن أن من حقهن الإشتراط في عقد الزواج، وأن إضافة هذا النص من شأنه حماية القاصرات اللاتي قد لا يعين تمامًا ما هية الشروط وآثارها في حال تثبيتها في العقد.
وأجاز قانون الأحوال الشخصية للزوجة الإشتراط في عقد الزواج فإذا لم يف الزوج بالشروط أو أي منها فسخ العقد بطلب من الزوجة ولها المطالبة بكامل حقوقها الزوجية. فقد نصت الفقرة أ من المادة 37 على أنه "إذا اشترط حين العقد شرطًا نافعًا لأحد الزوجين، ولم يكن منافيًا لمقاصد الزواج، ولم يلتزم فيه بما هو محظور شرعًا، وسجل في وثيقة العقد وجبت مراعاته وفقًا لما يلي : أ- إذا إشترطت الزوجة على زوجها شرطًا تتحقق به مصلحة غير محظورة شرعًا ولا يمس حق غيرها، كأن تشترط عليه أن لا يخرجها من بلدها، أو أن لا يتزوج عليها، أو أن يسكنها في بلد معين، أو أن لا يمنعها من العمل خارج البيت، أو أن تكون عصمة الطلاق بيدها، كان الشرط صحيحًا، فإن لم يف به الزوج فسخ العقد بطلب الزوجة ولها مطالبته بسائر حقوقها الزوجية".
وتشيد "تضامن" بالشرط الوارد في المادة 8 من التعليمات التي توجب على الخاطب والمخطوبة الإلتحاق بدورة المقبلين على الزواج والتي تنظمها دائرة قاضي القضاة، حيث جاء في الفقرة أ من المادة 8 ": على الخاطبين إبراز شهادة تثبت إجتيازهما لدورة المقبلين على الزواج التي تنظمها الدائرة أو أي جهة يعتمدها قاضي القضاة لهذه الغاية، إن شرط الالتحاق بدورة المقبلين على الزواج من شأنه رفع وعي الفتيات القاصرات على وجه التحديد بالأمور المتعلقة بالزواج والأسرة، بخاصة في ظل ارتفاع حالات الطلاق، بخاصة الطلاق المبكر.
و نصت الفقرة أ من المادة ٩من التعليمات على أنه ": للمحكمة إحالة أي طلب للزواج لمن هم دون الثامنة عشرة إلى مكتب الإصلاح والوساطة والتوفيق الأسري المنشأ ضمن اختصاصها." أما الفقرة ب فقد نصت على أنه ": يتوجب على مكتب الإصلاح والوساطة والتوفيق الأسري دراسة الحالة المحالة إليه وتزويد المحكمة برأيه فيها، وتعتقد "تضامن" بأنه كان يجب أن يتضمن النص إلزام المحكمة بإحالة طلب الزواج إلى مكتب الإصلاح والوساطة والتوفيق الأسري لدراسته، بخاصة وأن هذه المكاتب تضم اختصاصيين في مجالات مختلفة منها الشرعي والاجتماعي والأسري، وكان يجب أيضًا أن يكون رأي المكتب ملزمًا للمحكمة لضمان توافر الشروط التي تجيز منح الإذن.
وقالت المادة 10 من التعليمات على أنه ": أ- يشترط في منح الخاطب الذكر الذي لم يكمل الثامنة عشرة من عمره الإذن بالزواج أن يبرز للمحكمة موافقة من قسم شؤون القاصرين في الدائرة وذلك إضافة لإستيفاء المتطلبات الواردة في المواد السابقة. ب- تحال طلبات الإذن بالزواج التي لا تنطبق عليها الأسس الواردة في هذه التعليمات لمديرية التركات وشؤون القاصرين في الدائرة لإبداء الرأي فيها بما في ذلك طلبات الإذن بالزواج للخاطب الذكر الذي لم يكمل الثامنة عشرة من عمره"، وكانت "تضامن" طالبت بأن تتضمن التعليمات عدم الموافقة على منح الإذن بالزواج في حال كان كل من الخاطب والمخطوبة أقل من 18 عامًا، وذلك حتى لا تكون هنالك أسر "قاصرة" والتي تفتقر الى القدرة على ممارسة الحقوق المدنية.
وتعتقد "تضامن" بأن الزواج المبكر للفتيات بما يترتب عليه من نتائج سلبية تتعلق بالتعليم والصحة ، وإهدار لإمكانياتهن وقدراتهن وفرصهن، ويحد من حريتهن في تحديد اختياراتهن التي تؤثر على حياتهن بشكل عام أمر في غاية السوء ، إلا أنها تجد الأمر أكثر سوءًا عندما يكون الزواج المبكر لكلا الزوجين، وتطالب بعدم منح الإذن بالزواج في حال كان كلا الخاطبين أقل من 18 عامًا، وتدعو أيضًا إلى تطبيق أحكام القانون عند مخالفته، بخاصة في حالات الزواج العرفي والزواج خارج الدوائر الرسمية "الزواج غير المسجل"، كما تدعو إلى تطبيق الحد الأدنى لسن الزواج على سن الخطبة أيضًا لكل من الخاطب والمخطوبة وبنص صريح في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين وقوانين الطوائف المسيحية.
وتضيف "تضامن" بأن تلك الأسر التي يقل فيها عمر الزوجين عن 18 عامًا تتمتع بالأهلية الكاملة بكل ما تعلق بالزواج والفرقة وآثارهما ، في حين لا تتمتع بالأهلية لمباشرة الحقوق المدنية والسياسية كالانتخاب وفتح الحسابات البنكية والاقتراض والتملك ، أو الحصول على رخصة سواقة أو دفتر عائلة أو تسجيل حالات الولادة او الحصول على جواز سفر أو تسجيل الشركات أو ممارسة المهن الحرة أو إقامة الدعاوى المدنية ، لا بل أكثر من ذلك فإن تلك الأسر لا يمكنها إستئجار منزل الزوجية أو ترتيب التزامات مالية ، إلا بوجود ولي أمر أحد الزوجين أو كلاهما، ولا يمكن للزوجين التقدم للوظائف العامة أو العمل في القطاع الخاص بطريقة قانونية.
وتؤكد "تضامن" على أنه وإن كان عدد تلك الأسر قليل نسبيًا، إلا أنها موجودة على أرض الواقع وهي بهذا المعدل سنويًا ، ويشكل تدخل أولياء الأمور في أغلب تفاصيل الحياة الأسرية سببًا إضافيًا ورئيسيًا للطلاق المبكر وغالبًا قبل الدخول، وللتفكك والمشكلات الأسرية مما يهدد كيان الأسرة ويؤدي بها للإنهيار.
يذكر أن التعليمات الجديدة لم تنص صراحة في حال مخالفة القاضي أو المحكمة لشروطها ما يترتب على ذلك من آثار خاصة على عقد الزواج، ففي حال أن تمت الموافقة على عقد زواج القاصرة من دون التحقق من موافقة الولي أو كان فارق العمر بينهما أكثر من 15 عامًا، أو لأي سبب آخر مخالف للشروط الواردة في التعليمات، فماذا يترتب من آثار على من منح الإذن بالزواج؟ وماذا سيكون مصير عقد الزواج، وتجد "تضامن" بأن هنالك نقصًا في التعليمات في هذا المجال، حتى لو كان من باب الإحالة الى النصوص الواردة في قانون الأحوال الشخصية، وتتسائل "تضامن" في ظل وجود هذه التعليمات الجديدة التي تتطلب جهدًا ووقتًا للتحقق من توافر شروطها، هل ستتراجع نسب الزواج المبكر في الأردن التي تراوحت خلال السنوات الماضية ما بين 12-14% على الرغم من إزدياد الوعي المجتمعي بالآثار السلبية للزواج المبكر من مختلف النواحي، وتدعو إلى مراجعة الملفات المتعلقة بهذه الحالات لبيان فيما إذا كانت جميعها تمت بموجب هذه التعليمات.
أرسل تعليقك