طالبت مجموعة من المنظمات الحقوقية في الأردن بإلغاء المادة "308" من قانون العقوبات الذي من المتوقع أن يناقشه مجلس النواب، الأحد، معتبرين أن تلك المادة القانونية هي اغتصاب للطفولة والتزويج القسري في الأردن.
وعلل الموقعون إلغاء المادة التي تجيز للمغتصب أن يتزوج من الضحية للأسباب التالية: أن المادة "308" تناقض جوهر مبادئ العدالة الجنائية ومبدأ سيادة القانون، إذ هي تجعل من الجاني قاضي نفسه فيرتكب جريمته ثم يعرض التسوية على الضحية وهي الطرف الأضعف في هذه المعادلة الجرمية الشائنة؛ وتناقض المادة المبادئ القانونية التي تقوم عليها منظومة التشريع المدني وتشريعات الأحوال الشخصية، إذ تشترط هذه التشريعات في العقود مطلقًا وفي عقد الزواج تحديدًا خلو الرضى من العيوب وأشكال الإكراه المادي والمعنوي، الأمر الذي لا يتوافر في مواقعة القاصرات دون عمر الثامنة عشر، اللاتي هنّ في عداد الأطفال قولًا واحدًا، ومن ثم كان في
افتراض سلامة رضائهنّ -وفقًا للتعديلات التي جاءت بها قانونية النواب- يمثل سابقةً تشريعيةً خطيرةً؛ تجعل من رضى القاصر على فعل يشكل جنايةً؛ رضاءً مُعتَبرًا، في الوقت الذي يعتبر المشرع المدني أن الأصل في هذا الرضى العيب وعدم الكمال؛ بدليل جعل التصرفات القانونية التي يقوم بها القاصر قابلةً للإبطال حتى يبلغ سن الرشد.
وقال الموقعون على بيان أصدروه السبت، ووزع للتوقيع عليه: "إن قول البعض أن 308 نادرة النظر أمام القضاء وإذا سلمنا به جدلًا، يعزز من حكمة إلغاء هذه المادة، فما جدوى الإبقاء على مادة غير مطبقة في منظومة التشريع العقابي، لا سيما إذا كانت تتسم بالجدلية وعدم الإنصاف، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالواقع أن ندرة نظر المحاكم في قضايا تتعلق بالمادة (308) ليس مرجعه عدم حدوث وقائع اغتصاب تنتهي بتزويج الضحية لجلادها بل لكون غالبية حالات ما يسمى "بالزواج الرضائي" يتم عند الحاكم الإداري وقبل المثول أمام القضاء".
وأضاف الموضعون: "لذلك تغدو الإحصائيات والأرقام في هذا الصدد غير دقيقة لافتقارها لتوثيق الوقائع الفعلية واقتصارها على توثيق ما يحكم به القضاء؛ وتذرّع البعض للإبقاء على المادة (308) بمقتضيات "حماية الطفل الذي قد يولد نتيجة حمل الضحية جراء مواقعتها"، مردود عليه بأن التشريع والقضاء الأردني لا يقبل إثبات نسب طفل ولد نتيجة عملية مواقعة خارج إطار الزواج؛ رضائيةً كانت أو غير رضائية، حيث أن ثبوت النسب لا يكون إلا من خلال الفراش القائم على عقد زواج صحيح ومكتمل الأركان، ولمّا كان تزويج القاصر الضحية وفقًا لأحكام المادة "308" عقوبات ينعقد لاحقًا على واقعة الاغتصاب أو حتى ما يسمى بـ"المواقعة الرضائية"، فإن منطق حماية الجنين المحمول به من واقعة الاغتصاب يغدو في غير محله وخارج سياق التشريع والمنطق.
وأكد الموقعون أن هناك من المؤشرات الموثوق بها ما يقطع بانتهاء معظم حالات تزويج
الضحية بالمغتصب بالطلاق بعد فترة وجيزة، مما يجعل من الزواج أداةً يعبث بها الجناة وبعض أسر الضحايا لغايات غير مُعتبرة قانونًا على حساب الضحية
القاصر؛ وقيام الأردن رسميًا باتخاذ خطوات على مستوى السياسات وسن التشريعات وعلى مستوى الممارسات لتعزيز منظومة حماية حقوق الطفل؛ يتناقض تمامًا مع الإبقاء على نص المادة 308، وجعله منسحبًا على مواقعة الأطفال القاصرات
دون سن الثامنة عشر بزعم توافر الرضى والموافقة؛ وحقيقة تعرض ضحايا الاغتصاب من الفتيات لضغوط مخيفة من أسرهنّ وأقاربهنّ للخضوع للأمر الواقع الذي يفرضه الجاني بفعلته؛ فيوافقنّ مرغمات غير راضيات عن الزواج، يقطع أن أي حديث عن توافر الرضى على عقد القران عقب المواقعة، إنما هو حديث لا يسنده واقع ولا منطق يقبلهما العقل.
وشدد الموقعون، على أن القول بأن المجتمع الأردني "غير جاهز لإلغاء المادة 308"، يمثل انتقاصًا غير مقبول من تحضر شعبنا العظيم ورقيه وسمو أخلاقه وفكره، فكيف يعقل أن شعبًا تسجل نسبة المتعلمين منه الأعلى بين شعوب العالم وكان من
الشعوب السباقة الدافعة باتجاه تبني اتفاقيات حقوق الإنسان؛ يوصف بأنه "غير جاهز ويرفض التغيير" في مسألة تمس جوهر حقوق الإنسان واحترام الكرامة المتأصلة للأطفال والنساء على وجه الخصوص؟"، كيف يمكن السير في اتجاه الإبقاء على نص المادة (308) والأردن يسعى إلى تطوير تشريعاته بشكل يحمي حقوق الإنسان ومنظومة العدالة في المجتمع.
وأكدت توصيات اللجنة الملكية لتطوير القضاء على تنقيح التشريعات الأكثر مساسًا بمنظومة العدالة موصية بإلغاء المادة ٣٠٨ لما فيها من إجحاف بمنظومة العدالة الجنائية وتحقيق العدالة والإنصاف للناجيات والناجين، ولتعارضها مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ومن أبرزها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والتي أصبحت بعد نشرها في الجريدة الرسمية عام ٢٠٠٧ جزء لا يتجزء من التشريعات الأردنية، وتعارض بقاء المادة ٣٠٨ مع التزام الأردن بقبول توصية مجلس حقوق الإنسان أثناء المراجعة الدورية الشاملة بإلغاء المادة ٣٠٨.
ولتلك الأسباب، طالب الموقعون مجلس الأمة أن يكون نصيرًا لشعبه، الذي انتخب أعضائه، ومناصرًا لقضايا أمته العادلة وسندًا لسمعة بلده، بالموافقة على مشروع تعديل قانون العقوبات كما ورد من الحكومة وإلغاء المادة "308".
أرسل تعليقك