تختلف طقوس الزواج وتتنوع من بلد إلي آخر، وقد اقترنت مناسبات الزواج بالفرح والسرور وإظهار البهجة، إلا أن عادات الزواج في موريتانيا تُحتم علي الفتاة الموريتانية التظاهر بعكس ذالك تماما، وأكثر وصايا الموريتانيات لبناتهن ليلة زفافهن هو التأكيد علي إبداء الحزن و البكاء أو التباكي، لأن عكس ذلك يُعطي -في نظر المجتمع- انطباعا غير إيجابي عن سلوك العروس، ودليل علي نزقها .
تتولي عملية تجميل العروس و تزيينها سيدات متخصصات في هذه المهنة، ورثناها عن أمهاتهن، يتبارين في استعراض مهارتهن وقدرتهن علي الرسم بالحناء، فينقشن أجمل وأجود ما جادت به أناملهن علي يديها و قدميها، والفتاة ماضية في تجسيد الدور كما يجب إضفاء مظهر الحزن والأسى و الامتعاض.
وبينما تكون العروس عند أهل "الزينة"، يحتضن بيت والدها وجهاء وعلية القوم، فتُنحر النحائر و تُذبح الذبائح علي قدر مكانة والد العروس ويتداعى أهالي وأقارب العريسين، من كل حدب وصوب، ويُحظر أن يشهد أي من العريسين الحفل و إنما لكل منهم من يمثله، وعادة ما يتصدر أكبر القوم وأقرأهم لكتاب الله المجلس، ويتولى عقد القران بصغة شبه موحدة في جميع عقود الزواج، تتضمن أنه إن تزوج عليها فأمرها بيدها، وذلك من خلال الشرط الذي يضعه من يمثل العروس أنْ " لا سابقة ولا لاحقة"، والشرط صريح في إلغاء كل زواج سابق، ومنع أي زواج لاحق أي التعدد.
ومع انتهاء الشيخ من عقد القران تصدح حناجر النساء بالزغاريد، وتنطلق الطلقات النارية من فوهات البنادق، إيذانا بالتحلل من الرقيب فيما يتعلق بإظهار الفرح.
ويبدأ الشروع في المرحلة الأهم وهي مرحلة زف العروس (الترواح) حيث تظهر العروس وقد زينت واستيقن أهلها أنها أخذت كامل زينتها وهي ترتدي الزي التقليدي، وهو عبارة عن ملحفة سوداء معطرة بأجود أنواع العطور، وأغلى أشكال البخور، وقد تخضبت يداها بالحناء، وهي تتحلى بحلي تقليدية مصنوعة من الذهب والأحجار الكريمة.
تبدأ مرحلة الزفة " الترواح" مع قدوم العريس و أصدقائه لاصطحاب العروس إلى حيث ستقيم لثلاثة أيام ولياليها دون أن تخرج من محل إقامتها، ولا يدخل عليها سوى قلة من أقاربها، وصديقاتها، وأصدقاء العريس، ولا يرى وجهها طيلة تلك المدة إلا زوجها، وتتسم عملية (الترواح)بمشهد شبه عنيف، ففي سبيل الظفر بزوجته على العريس أن يخوض حربا شعواء مع صديقاتها اللواتي يجهدن في منعه من ذلك، وهو ما قد يضطره ورفاقه إلى التعرض إلى جروح أو رضوض أو حتى تمزيق ثيابهم.
وعند تمكن العريس و صحبه من "قهر" صديقات العروس والذهاب بها الي محل إقامتها ، تلجأ صديقاتها إلي المكيدة فيخططن لاختطافها وهي في ذلك لهن مساندًا، ومن هنا تبدأ مرحلة "الترواغ".
ويحدث "الترواغ" الذي هو بمعنى الاخفاء، حين تستغل النسوة فرصة غفلة أصحاب العريس أو تراخيهم في مراقبة العروس لاقتيادها الي مكان مجهول، الأمر الذي يستدعي استنفار أصحاب العريس فيدخلون في رحلة تشبه رحلة البحث عن المجهول.
و "الترواغ هو وسيلة لاختبار ﺻﺒﺮ ﻭﺣﻠم العريس و تذهب بعضهن إلى القول إن الزواج الذي لا تمارس فيه هذه العادة يكون ناقصا".
ترافق عملية "الترواغ" الإخفاء هذه، عملية تنكيل، يمارسها أصدقاء العريس بمن تأكد أنهن وراء اخفاء العروس، ويبقى كل ذلك في إطار جو الفرح السائد وبعيدا عن " الزعل".
وفي بعض الحالات يقوم أصحاب العريس باحتجاز صديقات العروس المقربات، وتهديدهن بغية الكشف عن مخبإ العروس، وعندما لا يجدي كل ذلك نفعا يلجأ العريس وأصحابه الي حاسة الشم فيقوموا بمحاولة ثقفي آثارها واستنشاق رائحة البخور التي قد تشكل خيطا للوصول اليها، ولكن النساء بمكرهن المعروف، واحتياطا لذلك السيناريو، يجعلن العروس تقوم بتغيير ملابسها، وأحيانا أخرى يتجهن بها عكس اتجاه الريح حتي لا تقوم بنقل رائحة البخور، وأحيانًا يلجأن إلى وضع العروس في إصطبلات الخيول و زريبة الحيوانات.
وعلي أي حال فإنه لا مجال للراحة بالنسبة للعريس ورفاقه قبل العثور على العروس، حتى ولو كلفه ذلك إيصال الليل بالنهار، أو قطع عشرات الكيلومترات مشيا علي الأقدام، أو الطوفان بعدة أماكن ومناطق وقري و بلديات نائية مختلفة.
وعندما يعجز العريس وأصدقاءه عن العثور على عروسه، فإن عليه الإعتراف العلني بالهزيمة، كما أن عليه الإستسلام، والإستجابة لشروط "المنتصرات" صديقات العروس، من أجل استعادة عروسه.
وشروط الصديقات عادة ما تكون جملة من المطالب من بينها إقامة وليمة لهن، واستجلاب فرقة فنية لإحياء سهرة خاصة بهن، وقبل كل ذلك التعهد بأن لا يتعرض لهن بسوء، فإذا نفذ تلك الشروط أرشدنه إلى مكان اختفائها، وتكون النتيجة في النهاية هي استذكار هذه الوقائع ورصد تصرفات العريس و صحبه، لنسجها في حكاية طريفة يتداولها ذوو العريسان، وساكنة المنطقة في قادم الأيام في جلسات السمر والشاي.
أما إذا نجح العريس ورفاقه في العثور على العروس وتمكنوا من تخليصها من مختطفاتها دون الاستسلام لهن، فإنهم يعودون بها إلى حيث إقامتها ويُستقبلون استقبال الفاتحين، فترتفع الزغاريد وتقرع الطبول ابتهاجا بالنصر، لكن على صديقات العروس اعتبار أنهن خسرن جولة وليس المعركة، وعليهن أن يواصلن المحاولة مرة أخرى، وأمامهن ثلاثة أيام للقيام بذلك.
ولأن الموريتانيين مولعون بالشعر، ولا فتوة لفتاهم إلا إذا كان له من الشعروالأدب نصيب، فعادة ما تتحول مجالس أفراحهم ومناسباتهم إلي سجالات أدبية بين أصدقاء العريس و صديقات العروس، فيحاول كل طرف استعراض قدرته في قرض الشعر، واستظهار تفوقه علي الطرف الآخر، ممّا يعطي لهذه الجلسات شكل المناظرة الأدبية، فتجود قرائح بعضهم بأعذب القطع الشعرية في لحظة تجل إبداعي، وﺗﻘﻮﻡ ﺍﻟﻔﺘﻴﺎﺕ ﺑﻐﻨﺎﺀ ﺍﻻﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺇﻳﻘﺎﻉ ﺍﻟﻄﺒﻞ ﺍﻟﻤﺤﻠﻲ ورشفات لكؤوس شاي منعنعة .
أرسل تعليقك