لندن - العرب اليوم
كثيرا ما تتخوف الفتيات والنساء اللاتي يعملن على خفض وزنهن عبر نهج نظام الحمية الغذائية من ارتفاع وزنهن مرة أخرى وقد يصبن نتيجة ذلك بمرض فقدان الشهية العصبي، الذي قد يساهم في الاكتئاب والانتحار وبالتالي إلى الموت.
تتسلل هانا إس خارجة من المبني الذي يقع به نادي "مركز بون لاضطرابات الأكل"، إذ لا ترغب الشابة البالغة من العمر 31 عاما أن يراها أحد. وهي تخشى أن يعرف أحد أن لديها مشاكل نفسية مع الطعام. فمنذ أكثر من 16 عاما تعاني هانا من مرض البوليميا أو الشره في الأكل. بدأ الأمر في سن بلوغها، حيث ازداد وزنها في الوقت الذي كانت تريد فيه أن تحافظ على رشاقتها. فقامت باتباع نظام غذائي، وانخفض وزنها ولكنه عاد للزيادة مرة أخرى. إنه أمر لم ترغب الشابة الطموحة من تقبله. لذلك كانت تضع إصبعها في حلقها بعد تناول وجبات الطعام: "كنت أشعر أنني قوية، وأن كل شيء تحت السيطرة، وكان بإمكاني أن أتوقف عن التقيئ، ولكني كنت أخدع نفسي."
منذ ذلك الحين تصنف هانا المواد الغذائية إلى أطعمة جيدة وأخرى سيئة، ولكنها حتى الآن لا تستطيع مقاومة الأطعمة ذات السعرات الحرارية المرتفعة، وعندما تكون تعبانة أو غاضبة أو حزينة فإنها تلجأ إلى الأكل. خاصة أمام الشيكولاتة تكون عزيمتها ضعيفة حيث تقوم بالتهامها من دون حسيب ولا رقيب. بعدها يتملكها شعور طيب، ولكن هذا الشعور لا يدوم طويلا. فسرعان ما تشعر بتأنيب الضمير بسبب ما التهمته من كميات السعرات الحرارية. وأسوأ شيء يمكن أن تتخيله هو الزيادة في الوزن. وللتحقق من ذلك تسرع للوقوف على الميزان بعد كل وجبة ثم تبحث عن المرحاض كي تتقيأ ما التهمته من طعام. وأصبح هذا السلوك من الطقوس القهرية ويتكرر إلى نحو 30 مرة يوميا. فلم يعد بإمكانها التفكير في شيء آخر عدا تناول الطعام، وتحاول هانا أن تخفي معاناتها عن محيطها الاجتماعي.
فقدت هانا اهتمامها بهذا المحيط وبدأت تعيش منعزلة جدا. وتكلفها هذه المعانات مصاريف كثيرة. إذ يجب عليها كل يوم أن تشتري أطعمة ينتهي مطافها عبر التقيئ. بالنسبة لزملائها تبدو هانا لطيفة وواثقة من نفسها ولكنها تشعر داخليا بضعفها. وسريعا ما يظهر تأثير الإضطراب النفسي على صحتها. فبعد نوبات شره الأكل والتقيء تتعرض هانا إلى صدمة نقص سكر الدم فترتجف جميع أوصالها. ولأن دماغها يعاني من نقص في الكربوهيدرات، فإنها تكون عاجزة عن التفكير بوضوح. خلال أزماتها تفقد هانا ثقتها بطبيبها الخاص الذي أعطاها رقم هاتف مركز النصح والإرشاد في بون.
اضطرابات الطعام النفسية تشير الى غياب الشعور بقيمة الذات
تعمل أنيته ليملر-لاوارباخ منذ اثني عشر عاما كمتطوعة في مركز بون لعلاج اضطرابات الطعام النفسية، ويقدم المركز المشورة الشخصية، أيضا عبر الهاتف، كما يوفر فرص العلاج للمصابين. وتشير التقديرات إلى أن واحدا في المئة من الفتيات والسيدات بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين من العمر مصابات بهذا النوع من فقدان الشهية ، أو ما يعرف بـAnorexia، و أن ما بين 2.5 إلى 5 في المأئة منهن تعانين من الشره المرضي أو بما يعرف Bulimia.
يلاحظ ارتفاع مستوى الإصابة بمرض الشره المرضي بشكل كبير، وذلك لأن الفتيات والسيدات المصابات لا تقل أوزانهن بشكل ملحوظ مثلما يحدث مع مرض فقدان الشهية العصبي. وترجع أسباب فقدان الرغبة في الطعام أوالقيء القسري إلى عوامل كثيرة. وهي ما تعرف في الأوساط المهنية المتخصصة باسم "المسببات البيولوجية النفسية الاجتماعية"، وتصف خبيرة علم النفس بدايات المرض قائلة: "السبب هو الضغوط الاجتماعية، التي تؤدي إلى الهوس بالرشاقة والشعور بضغط الأقران من بين الفتيات في المدارس مما يؤدي إلى الهوس بنهج نظام لإنقاص الوزن، ولكن الفتيات اللاتي يتمتعن وضع نفسي مستقر فإنهن لا تعانين بالضرورة من اضطرابات الأكل النفسية.
وتوضح ليملر-لاوارباخ في حديثها أنه من اللافت للنظر وجود ضعف بقيمة الذات لدي الفتيات والسيدات المصابات بفقدان الشهية والشره المرضي، إذ يشعرن أن حياتهن "مثيرة للقرف". وغالبا ما تكون عائلات المريضات المصابات بهوس الرشاقة أكثر حرصا على الانسجام وتجنب الخلافات والصراعات. ورغم أن أسر المصابات بالشره المرضي (بوليميا) لا تعاني من الصراعات إلا بين الحين والآخر، لا يتم حل الصراعات بشكل بناء على حد وصف خبيرة علم النفس ليملر-لاوارباخ.
اضطرا بات الأكل النفسية - بين أمراض الحضارة وحيات الرفاهية
توضح الدكتورة كاترين إمبيروفيتش هذ الظاهرة قائلة: "إذا كنت تريد أن تعبر عن الأمر باستخدام قوالب نمطية فيمكننا أن نقول إن الفتيات والنساء المصابات بفقدان الشهية هن من الطبقات المتعلمة تعليما عاليا.وله أولوية كبيرة داخل أسرهن، و قد يصل إلى درجة الإكراه". تعالج كبيرة الأطباء ومديرة قسم الصحة النفسية بمستشفى جامعة بون المريضات اللواتي يعشن صراعات عائلية، ومشاكل مرحلة المراهقة أو المشاكل الجنسية، بما في ذلك الاعتداء الجنسي. وتشكل مثل هذه المشكلات خلفية للاضطرابات النفسية المرتبطة بالشره. وهذا الخطر يهدد أيضا الفتيان والرجال على نحو متزايد. وتقول أنيته ليملر-لاوارباخ: "لم يعد يكفي أن تبهر امرأة بسيارة البورش. الكثير من الرجال يرغبون في الحصول على الجسم المثالي، ويمارسون الرياضة على نحو مفرط، ويتبعون نظاما صارما لتخفيض الوزن ويتناولون المكملات الغذائية كما يتعاطون للمنشطات." ويعرف هذا المرض باسم عقدة أدونيس أو Biggerexieأوالهوس بالعضلات.
فارق مفقود بين الجوع والشبع
مع مرور الوقت، تنشأ لدى المصابات اضطرابات نفسية بشأن شكل أجسامهن. وعلى الرغم من أن بعضن يظهرن وكأنهن هيكل عظمي متحرك، إلا أنهن يعتبرن أنفسهن بدينات جدا. ولأن الجسم يعاني بشكل دائم من عملية خفض الوزن والنقصان، فإنه يفقد أي كل إحساس بالجوع والشبع، كما يفقد القدرة على التمييز بين الشعور بالجوع أو الغضب أو الحزن أو السرور أو التعب.
تقول دكتورة كاترين إمبيروفيتش من مستشفى جامعة بون: "الجوع والشبع هما من الاحتياجات الأساسية يمكننا أن نقوم بتوظيفها في حياتنا. كما إن مقاومة إحساسنا بالجوع قد يحقق لنا نوعا من الإشباع". ورغم ذلك، ليس هناك أبحاث عن كيفية عمل الحماية الذاتية الطبيعية فيما يتعلق بهذه النقطة. فالأشخاص الأصحاء ينظرون إلى نقص الوزن على أنه يشكل خطرا.
توضح أنيته ليملر-لاوارباخ أنه " يمكن علاج الشره المرضي بالأدوية، لأنه لوحظ وجود نقص في السيروتونين لدى الأشخاص المصابين بالشره والتقي لدى المرضي". ويعرف السيروتونين أيضا باسم هرمون السعادة، لأنه يسبب إحساسا بالسرور ويعزز القدرة على التعلم والتذكر. ويصفه الأطباء للمرضى المصابين بالإرهاق ونوبات الخوف والصداع النصفي. ولكي يتمكن الجسم من إفراز السيروتونين بنفسه، يحتاج إلى التربتوفان. هذه الأحماض الأمينية لايمكن للجسم امتصاصها إلا من خلال الطعام.
كما تساعد مضادات الاكتئاب على رفع الحالة المزاجية. ولكن هذه الأدوية لا تحل محل العلاج النفسي. تنهج كبيرة الأطباء كاترين إمبيروفيتش علاج المرضى المصابين بهذه الإضطرابات النفسية المتعلقة بشكل الجسم علاجا سريريا داخل قسم الصحة النفسية بمستشفى جامعة بون. المصابون باضطرابات الأكل النفسية الذين ينظرون إلى أنفسهم بنظرة سلبية عليهم أن يتعلموا النظرإلى أجسامهم في المرآة بنظرة محايدة فقط، ويا حبذا لو نظروا إليها نظرة حب وتقدير. وفي المناقشات التي تجرى معهم يتعلمون إدراك احتياجاتهم وما يشعرون به فعلا. وتقول الدكتورة إمبيروفيتش: "في الواقع لديهم نهم بما يمنعوه عن أنفسهم عندما لا يأكلون".
ويجب أن يُلزم المصابون بفقدان الشهية العصبي (أنوركسيا) أنفسهم بتناول قدر معين من السعرات الحرارية يوميا لتحقيق زيادة في وزن الجسم بمستوى لا يقل عن 500 غرام في الأسبوع. وينبغي أن يتعلموا أن يقللوا من مراقبة أنفسهم. وعلى هؤلاء الذين يعانون من الشره والقيء المرضي أن يخضعوا لمتابعة مباشرة أثناء تناولهم للطعام حتى يصلون إلى مرحلة السيطرة الذاتية. وتقول دكتورة إمبيروفيتش إن هدف الجميع هو الوصول الى تناول الطعام بشعور المتعة. كما ينبغي على المرضى أن يتعلموا مواجهة الصراعات وحلها بدلا من كبتها عن طريق تناول الطعام.
اضطرابات الأكل هي نوع من الأمراض النفسية، التي تؤثر على الجسم. ومن بين عواقبها حدوث تلف في العظام الناجم عن نقص المعادن، وتسوس الأسنان الناتج عن الأحماض التي تصعد إلى الفم خلال عملية القيء أو تلف الكلى نتيجة لاضطرابات في مخزون البوتاسيوم بالجسم.
وتصر هانا إس على تغيير حياتها. إنها تعلم أن التوعية والإدراك من الخطوات الأولى للعلاج ولتصحيح سلوكها في التعامل مع المواد الغذائية ومع ذاتها. وهي محظوظة لأنها لا تعاني حتى الآن من أي ضرر جسدي خطير. وتوضح أنيته لاوارباخ أن "فقدان الشعر، وجفاف الجلد، والشعور بالإرهاق، وعدم القدرة على التركيز، والأضرار العضوية مثل الفشل الكلوي أو فشل القلب تنشأ نتيجة نقص في تناول الفيتامينات أو المعادن بصفة خاصة".
فقدان الشهية - المرض المتسبب في أعلى معدل وفيات
قد تستمر عملية العلاج للوصول إلى تصحيح السلوك في تناول الطعام واحتياجات الشخص الذاتية لسنوات طويلة. ولا يكون مسارها دائما على نحو جيد بالنسبة للمريض. ووفقا للإحصاءات فإن معدل إمكانية الشفاء تصل إلى 30 في المائة. وفي أسوأ الحالات، يمكن أن تؤدي اضطرابات الأكل النفسية إلى الوفاة، لأن تجويع الجسم الدائم يمكن أن يؤدي إلى انهيار الأجهزة الحيوية. واحد من كل عشرة مصابين بمرض فقدان الشهية ينهي حياته بالانتحار لأن الشعور بالجوع على المدى الطويل يؤدي إلى حالة من الاكتئاب وبالتالي إلى خطر الموت. خدمة DW
أرسل تعليقك