لا تتوفر إحصاءات دقيقة عن عدد حالات الابتزاز الإلكتروني في العراق، لكنّ هناك إجماعا على ازديادها وتحوّلها إلى ظاهرة مقلقة جُناتها عصابات إلكترونية وضحاياها من الشباب والفتيات حيث يسهل استدراجهم وتهديدهم عبر الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي.
بغداد - وفرت شبكات التواصل الاجتماعي للشباب العراقي حرية غير مسبوقة في التعبير عن آرائهم ومنحتهم مساحة واسعة لمشاركة أفكارهم مع المجتمع، لكنها مع ذلك بقيت مساحة مفتوحة للعنف والتفاوت بين الجنسين في العراق بنفس القوة على الإنترنت أيضا.
وانتشرت جرائم الابتزاز الإلكتروني بشكل واسع وتطوّرت مع مرور الوقت وخرجت منها عصابات منظمة، خاصة مع ضعف تطبيق القانون في العراق والتعامل غير الحازم مع هذه القضايا وإيجاد تشريعات قانونية مجدية وحديثة مع التطور التكنولوجي الحاصل. ويرى مختصون أن انتشار البطالة والفقر بين الشباب وعدم الاستقرار قد ساعد على ارتكاب مثل هذه الجرائم، إذ أن ما يحدث من جرائم في كل المجالات هو تعبير جلي عن الواقع السياسي في البلد الذي يشهد تراجعًا في تقديم الخدمات والتنمية وفرص العمل، ودائمًا ما يعتبر الابتزاز الإلكتروني مصدرا لجني الأموال من الضحية أو محاولة لملء الفراغ الذي يمر به الشباب.
وتشمل الجرائم الإلكترونية القذف والسب والتحرش الجنسي والتهديد بالسلاح والإرهاب، وقد زادت جرائم الابتزاز والمخدرات خلال فترة التباعد الاجتماعي منذ تفشي جائحة كورونا. كما تستهدف بعض الجرائم الإلكترونية الترويج لجرائم جنائية كبرى بسبب غياب الثقافة القانونية في هذا النوع من الجرائم. وتقول الشابة زينب (اسم مستعار) وهي تعمل في مجال التدريس “كنت على علاقة بشاب خلال أيام دراستي في الجامعة وكنت أثق به وقد أرسلت له صوري الخاصة وصوري التي التقطتها مع أصدقائي في الجامعة وكذلك فيديو خاصا بي في حفلة تخرجي من الجامعة”. وأضافت أنه “بعد التخرج انقطعت علاقتي به تمامًا، وبعد سنتين عندما بدأت بالعمل في مجال التدريس قام هذا الشاب بمحاولة الاتصال بي وطلب مني أن أخرج معه”، مستدركة “لكني رفضت وبشدة، وبعد مرور أيام قمت بفتح فيسبوك وفوجئت بعدة رسائل من صفحة ذلك الشاب وكانت صورتي هي صورة الغلاف الشخصية وقام بإرسال صوري والتهديد بنشرها مقابل مبلغ من المال”.
وأشارت إلى أنها اتصلت به فادعى بأن صفحته قد تمت قرصنتها وتم سحب صورها من المحادثة الخاصة، وتابعت “لكني لم أصدق ولجأت إلى القضاء وقمت بتهديده في حال انتشار أي صورة من صوري”. ولفتت إلى أن “التهديد بالقانون نجح وذلك لحسن حظي أنه قد تم تهديدي في وقت يوجد فيه قانون الجرائم الإلكترونية”. وسهل الانفتاح والتواصل استغلال حاجة الآخرين وخصوصا فئة الشباب حتى صارت هناك مافيات إلكترونية تورط الآخرين في علاقات عاطفية أو مالية بطرق ووسائل احتيالية متعددة.
ويقول خبراء اجتماع إن الأوضاع الاجتماعية ساهمت بازدياد انتشار الابتزاز الإلكتروني، فالكثير من الفتيات ينقدن بسهولة إلى الكلام العاطفي والعلاقات العاطفية الوهمية عن طريق المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك الشباب لكن بدرجة أقل من الفتيات. ويتم اصطياد الشباب من قبل بعض العصابات المتخصصة التي ترمي بسهامها نحو شباب بغرض جني الأموال بطرق احتيالية عن طريق استغلال فتيات يمثلن دور الحب والهيام للشباب.
أما الفتيات فكثيرا ما يتعرضن للابتزاز من قبل شباب يطالبون بإقامة علاقات غير شرعية أو فضحهن من خلال عرض صورهن في أوضاع غير محتشمة في مواقع التواصل الاجتماعي مما جعل هؤلاء الفتيات يعشن ظروفاً إنسانية قاسية مع ذويهم. هناك فئة كبيرة من الفتيات اللاتي وقعن ضحية لعصابات الابتزاز الإلكتروني بسبب سرقة هواتفهن، أو اختراق حساباتهن الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتعتبر البطالة سببًا مهمًا أيضا لهذه الظاهرة، حيث يعاني أغلبية الشباب والفتيات في العراق منها فينشغلون في المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي حيث تنشط مافيات النصب والاحتيال والابتزاز داخليًا وخارجيًا.
وأعطى القانون العراقي حقا للضحية لمراجعة المحاكم الجزائية والمدنية لوجود العنصر الجزائي في الجريمة، فضلًا عن الضرر المعنوي (النفسي) والمادي البالغ الذي يطال الضحية وقد يكون الضرر المعنوي أشد من المادي لأنه يمس سمعة الضحية ونظرة الناس إليها، خصوصًا إذا كانت فتاة أو حتى شابا بمنصب أو مكانة اجتماعية مرموقة. وتكشف السلطات العراقية وبشكل يومي تقريبا عن وقوع حوادث ابتزاز يطالب فيها المبتزون بمبالغ مالية يدفعها الضحايا تجنبا للفضيحة، أو يطالبونهم بالقيام بممارسات شائنة، عادة ما تنطوي على ممارسة أفعال جنسية.
وقالت مصادر مطلعة في وزارة الداخلية إن الجرائم الإلكترونية ازدادت بشكل كبير في العراق نتيجة استخدام الأجهزة الذكية وتعدد مواقع التواصل الاجتماعي واعتماد المواطنين عليها حاليا بشكل كبير حتى في تعاملاتهم التجارية. وأضافت المصادر أنه في الآونة الأخيرة بدأت تتصاعد حالات الابتزاز الإلكتروني ما دفع وزارة الداخلية إلى التحرك بعد أن اكتشفت أن الموضوع يؤثر كثيرا على الأمن المجتمعي.
ومن بين المشاكل التي تسببت بها ظاهرة الابتزاز الإلكتروني كثرة حالات الانتحار وارتفاع معدلات الطلاق ومشاكل أسرية أخرى.
وذكرت وزارة الداخلية في إحدى تقاريرها أن أحد المبتزين الذين ألقي عليهم القبض تسبب بتسع حالات طلاق، وأشار إلى أن الغالبية العظمى من ضحايا الابتزاز هن فتيات شابات. ومن الحالات الغريبة تعرض شابة إلى خيانة من زوجها السابق بانتزاع صور شبه عارية لها وتوزيعها بالمواقع الإلكترونية المختلفة وافتعال حساب باسمها ترسل منه صورها تلك إلى شخص خارج العراق، واستطاع بتلك الطريقة إسقاط حضانتها لابنها الوحيد لانتفاء صفة “الأمانة” فيها التي أوجبتها المادة (57) من قانون الأحوال الشخصية العراقي.
ولم تقتنع محكمة الموضوع وحتى محكمة التمييز الاتحادية بأن الشابة كانت ضحية لتلك المؤامرة التي قام بها زوجها السابق والسبب كي يساومها للتنازل عن مهرها المؤجل والبالغ حوالي 45 ألف دولار أميركي مقابل أخذ ابنها الوحيد القاصر منها. وقال المتحدث باسم الوزارة اللواء خالد المحنا في تصريح لوكالة الأنباء العراقية إن “نسبة الجرائم الإلكترونية ارتفعت على مستوى العالم حيث وصلت إلى 185 في المئة وخاصة جرائم الابتزاز الإلكتروني حيث تشكل تهديدا خطيرا للنسيج المجتمعي العراقي”.
وأضاف أن “الابتزاز الإلكتروني أصبح سببا في ارتفاع معدلات الطلاق والانتحار والعنف الأسري”، وبين أن “وزارة الداخلية وضعت برامج لمكافحة الابتزاز الإلكتروني حيث خصصت مديريتين للابتزاز الإلكتروني هما الشرطة المجتمعية ومكافحة الإجرام”. وتابع أن “الفترة الماضية شهدت القبض على عدد من الأشخاص ممن يعملون على ابتزاز المواطنين وتم إنقاذ العديد من الأشخاص الذين تعرضوا للابتزاز الإلكتروني رغم عدم وجود تشريع في هذا الموضوع ضمن قانون العقوبات العراقي”.
وأشار إلى أنه “تم الحكم على العديد من المتهمين بقضايا الابتزاز بعقوبات كبيرة من بينها الحكم بالحبس لـ14 عاما، والأحكام حسب شدة الجرم”. ولا تتوفر إحصاءات دقيقة عن عدد حالات الابتزاز الإلكتروني في العراق سواء لدى السلطات أو منظمات المجتمع المدني لأن كثيرا من العائلات أو الفتيات اللواتي يتعرضن للابتزاز يحجمن عن الإبلاغ. وتؤكد الشرطة أن الكثير من قضايا الابتزاز لا تصل إلى مراكز الشرطة خوفاً من الفضيحة.
ويقول أخصائيون في علم النفس إن بعض الشباب العراقيين الباحثين عن الحب أو الجنس أو النشوة الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي أصبحوا هدفاً ثميناً للعصابات التي تبتكر العديد من الطرق والأساليب للإيقاع بهم في شباكها عبر المحادثات والإغراءات الجنسية، وتوريطهم وابتزازهم بطرق مبتذلة للحصول على المال مقابل عدم التشهير بهم. وأفاد الأخصائي في علم النفس عبدالرحمن عطية أن معظم الضحايا لا يتوجهون إلى المؤسسات المعنية لأنهم يخافون الفضيحة وبالتالي نادرا ما يمكن الوصول إلى أرقام دقيقة لعدد ضحايا الابتزاز الإلكتروني.
وأضاف أن نتائج هذه الظاهرة كثيرة من أهمها تعامل العائلات بقسوة مع الفتيات الضحايا بدلا من الوقوف معهن ومساعدتهن من أجل تخطي الأزمة. فئة كبيرة من الفتيات وقعن ضحية لعصابات الابتزاز الإلكتروني بسبب سرقة هواتفهن أو اختراق حساباتهن الشخصية على مواقع التواصل وتعاني الفتيات اللواتي يتعرضن للابتزاز من مشاكل نفسية عدة تستمر لعدة أشهر حتى مع العلاج، من بينها التخيلات والضغط النفسي والقلق والانعزال والكآبة وربما حتى الانتحار.
وينوه الخبراء إلى وجود عدة طرق للحد من آثار عمليات الابتزاز الإلكتروني من بينها زيادة الوعي المجتمعي بهذه الظاهرة الخطيرة، مؤكدين أن المسؤولية تنقسم بين العائلة والدولة. وعلى العائلات زرع الثقة لدى الأبناء والابتعاد عن لغة التهديد، وفي الوقت ذاته مراقبة تصرفات الأبناء وخاصة الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي. بالمقابل يجب على السلطات زيادة عمليات التوعية بشأن أخطار عمليات الابتزاز وتوفير باحثين اجتماعيين في المدارس والجامعات لتقديم الدعم للضحايا.
وتتصدر كل من بغداد والبصرة وبابل جرائم الابتزاز الإلكتروني وفقا لمسؤولين عراقيين أكدوا أن الوزارة عازمة على خطة لنشر التوعية باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات على الهواتف الذكية وحماية الخصوصية في الجامعات والثانويات والتجمعات المختلفة المتاحة في هذا الخصوص. وعادة ما تكون الضحايا فتيات بين السادسة عشرة وحتى الثلاثين عاما أو أكثر، والمجرمون مراهقين أو أعضاء في شبكات منظمة تتخذ من الابتزاز مصدر تمويل رئيسيا لها.
وبلغ عدد حالات الابتزاز الإلكتروني التي عالجتها الشرطة المجتمعية التابعة لوزارة الداخلية العراقية خلال عام 2020 حوالي 430 حالة.
وأوضح مدير الشرطة المجتمعية العميد غالب العطية أن “عام 2020 شهد زيادة في حالات الابتزاز الإلكتروني لأسباب عدة، أهمها ضعف سيطرة الأسرة والفراغ الذي يعيشه كلا الجنسين”. وتم إنشاء عدة شبكات إلكترونية أو أرقام هواتف في مواقع التواصل الاجتماعي معتمدة من قبل وزارة الداخلية ويعمل عليها موظفون مختصون في مجال الإلكترونيات والبرمجيات من أجل السيطرة على هذه الجرائم والصفحات المدارة من قبل أشخاص يدعون بـ(الهكر) الناشرة للمواد التي ابتز بها المجني عليه بعد التأكد من صحة الأحداث بين الطرفين.
وحذر العطية من خطورة جرائم الابتزاز الالكتروني، إذ يؤدي بعضها إلى الانتحار وهروب الفتيات من الأهالي خشية ردود فعل انتقامية ضدهن، وأكد أهمية إقرار قانون الجرائم الإلكترونية في التقليل من حالات الابتزاز وتسهيل الوصول إلى ضعاف النفوس بيسر وسهولة.
وفي مطلع العام الجاري قام مجلس النواب بالقراءة الأولى لقانون جرائم المعلوماتية على أن يقرأ قراءة ثانية ويخضع للتصويت خلال الفصل التشريعي الحالي، حيث يتضمن 23 مادة بفقرات عدّة نصت على عقوبات متفاوتة تصل إلى السجن 30 عامًا وغرامات تصل إلى 50 مليون دينار، فيما ركّزت تلك الفقرات على المعلومات الإلكترونية، وجعلتها في دائرة الخطر والمساس بأمن الدولة.
قد يهمك ايضا
ندوة في جامعة قطر حول "الابتزاز الإلكتروني"
انتشار عمليات الابتزاز الإلكتروني والجناة غرضهم الأموال في العراق
أرسل تعليقك