واشنطن ـ وكالات
مع ارتفاع درجات الحرارة، يحتاج العلماء إلى معرفة ما يحدث للجليد البحري في المناطق القريبة من القطبين.
والطريقة الأسهل لمراقبة أماكن بعيدة كهذه هي استخدام الأقمار الاصطناعية. إذ تستطيع هذه المركبات الفضائية أن تحدد مساحة الجليد، ولكن لم يزل الوقت مبكرا لقياس سمك الجليد من الفضاء. وهنا يأتي دور الغواصة ذاتية التحكم «سيبد» (قاع البحر)، التي طورها معهد «وودز هول لدراسة المحيطات» بالولايات المتحدة، واستخدمها فريق بعثة «سايبكس-2» إلى شرق القارة القطبية الجنوبية.
وتقول مجلة «فوكس» العلمية المتخصصة، في تقرير نشرته أخيرا، إن الفريق، من خلال إرساله الغواصة «سيبد» إلى أسفل الجليد، تمكن من اختبار مقدار ما يكشفه السطح من معلومات عن العمق تحته. والهدف النهائي هو التحقق من بيانات الغواصة والأقمار الاصطناعية على حد سواء.
ويعد ذلك أمرا مهما لأن بنية الجليد الطافي، كما تظهر الخرائط ثلاثية الأبعاد التي رسمتها «سيبد» للجانب السفلي من الجليد، يمكن أن تختلف من مكان لآخر. فالصفائح الجليدية، تحت رحمة الرياح والتيارات البحرية، تستمر في التشكل وإعادة التشكل، لتصطدم ببعضها البعض في نهاية المطاف. وقد يتشكل في موقع الاصطدام نتوء جليدي على السطح، إلى جانب عارضة جليدية في الأسفل.vوما أثبتته رحلة «سبايكس-2»، وقبلها رحلة «آيس بيل» إلى غرب القارة القطبية الجنوبية، هو أن «سيبد» تستطيع رسم خريطة للجليد على نحو فعال من حيث التكلفة في شرق القطب الجنوبي وغربه على حد سواء.
وليس العمل من على متن سفينة بالأمر السهل، لا سيما عندما يتحرك كل شيء من حولها. لذا فقد عمد فريق بعثة «سايبكس-2»، من خلال إرساء كاسحة الجليد «أورورا أستراليس» على حافة صفيحة جليدية طافية، إلى توفير نقطة ثابتة لمساعدة الغواصة «سيبد» على الملاحة.
ثم نزل أعضاء الفريق إلى سطح الصفيحة الجليدية، التي كانت بحجم ملعبين لكرة القدم، لحفر ثقوب عبر الجليد، وإنزال جهازين لإرسال واستقبال الإشارات الصوتية إلى المحيط. وقد كون الجهازان، إلى جانب جهاز ثالث تم تثبيته بمؤخرة السفينة، مثلثا مرجعيا لتوجه الغواصة نفسها داخله. ولم يتطلب إطلاق «سيبد» أكثر من مجرد إنزالها إلى مساحة صغيرة من المياه المفتوحة خلف السفينة. وأوضح غاي وليامز، قائد مشروع الغواصة «سيبد» لبعثة «سايبكس-2»، قائلا: «على السطح، توجد وصلة لاسلكية مباشرة تمكنك من قيادة الغواصة ذاتية التحكم باستخدام لوحة المفاتيح كما لو كانت لعبة كمبيوتر.»
وبمجرد أن تم توجيه الغواصة إلى الموقع المناسب وإعطاؤها تعليمات بالشروع في مهمتها، أصبحت ذاتية التحكم بحق. ففي مسار مبرمج مسبقا، هبطت «سيبد» إلى عمق 20 مترا وانطلقت نحو الجليد. وتحت الصفيحة الجليدية، ارتبط مقياس سرعة «سيبد» بالجزء السفلي من الجليد، لكي تتمكن الغواصة من الملاحة حتى لو كانت الصفيحة تتحرك بسرعة تختلف عن سرعة حركة مياه المحيط. وأبحرت «سيبد» في مسار مسبق التحديد، عبر مساحة تبلغ بضع مئات من المترات المربعة، لتعكس الموجات الصوتية عن الجزء السفلي من الصفيحة الجليدية لغرض تحديد موقعها، وتجمع بيانات على امتداد 20 مترا.
وبعد ذلك، تحقق العلماء من البيانات الجليدية التي جمعتها الغواصة «سيبد» من خلال مقارنتها بالقياسات السطحية التي أخذت بواسطة نظام مسح بالليزر وجهاز لقياس سمك الثلج، مستخدمين تقنية تحديد المواقع الجغرافية لمطابقة مواقع البيانات. ثم قارنوا النتائج التي توصلوا إليها بقياسات سطحية أوسع نطاقا أخذت بواسطة أجهزة استشعار مثبتة على مروحية، وأخيرا ببيانات جمعتها أقمار صناعية. وخلافا للغواصة ذاتية التحكم أحادية البدن والشبيهة بالطوربيد، التي تقطع مئات الكيلومترات بسرعة متر أو مترين في الثانية، فإن الغواصة «سيبد» تبحر بسرعة تقرب من 30 سنتيمترا في الثانية.
ومع داسر عمودي وآخرين أفقيين، تستطيع هذه الغواصة «التوقف وتغيير اتجاهها بسرعة كبيرة»، حسب قول وليامز. وفي المراحل اللاحقة من رحلتها التي كان من المخطط أن تستغرق سبعة أسابيع، ارتطمت «أورورا أستراليس» بقطعة جليد سميكة للغاية، مما أدى إلى إضافة أسبوعين إلى مدة الرحلة، وإنهاء مهمة الغواصة «سيبد».
ولم يسمح ذلك بإضافة مزيد من خرائط الجليد إلى الخرائط التي كانت قد رسمت بالفعل لأربع صفائح جليدية. ومعقبا على ذلك، قال وليامز: «تشكل المحاصرة بالجليد جزءا لا يتجزأ من العمل في القطب الجنوبي. وفي حين أننا نرغب في المزيد دائما، فقد كان ما حصلنا عليه مغريا جدا. ولن نعود إلى الجليد البحري مجددا من دون غواصة ذاتية التحكم. لقد غيرت تلك الغواصة قواعد اللعبة.»
تحتاج الغواصة ذاتية التحكم "سيبد" إلى ما يتراوح بين أربع وخمس ساعات لمسح صفيحة جليدية واحدة. وعلى نحو غير عادي بالنسبة لعلوم الأرض، فإن البيانات التي تجمعها هذه الغواصة تصبح جاهزة إلى حد كبير في غضون ساعتين أو ثلاث ساعات من وقت جمعها. وقد مكن ذلك فريق بعثة "سايبكس-2" من توفير خريطة للبيئة تحت الجليدية لما يزيد على 60 عالما غيرهم كانوا على متن السفينة يدرسون فيزياء الجليد البحري وطحالبه وكائناته الشبيهة بالجمبري المعروفة باسم "كريل".
أرسل تعليقك